لم يكن سور برلين مجرد رمز للستار الحديدى الذى يفصل بين شرق أوروبا وغربها، بل كان أيضا حاجزا يحول دون لقاء العشاق على جانبيه. لم يكن ساسة الكتلة الغربية فقط هم أول من أسعدهم خبر انهيار سور برلين فى التاسع من نوفمبر عام 1989؛ فقد استطاع هذا السور الذى ظل قائما لمدة 28 عاما أن يفرق بين العشاق الذين ولدوا على جانبى السور الأمر الذى كان يعنى لهم استحالة تتويج عشقهم بالزواج إلا أن التاريخ استطاع فى النهاية أن ينتصر لهم فى يوم التاسع من نوفمبر حينما تم الإعلان عن أن قيود التنقل بين الألمانيتين قد رفعت وليتم بعد ذلك توحيد شطرى ألمانيا فى عام 1990؛ واحتفالا بالذكرى العشرين لانهيار سور برلين أتاحت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية الفرصة لهؤلاء العشاق للتحدث عن قصص حبهم كيف بدأت وكيف توجت بالزفاف. «كنا نراسل بعضنا بعض اونتحدث عن شئوننا وطموحاتنا كما كنا نتناقش فى الأدب والسياسة» هكذا تقول «سيلك» الألمانية الشرقية (40 عاما) والتى تزوجت عام 1992 من «جان» الألمانى الغربى (37 عاما) بعدما كانا قد التقيا عام 1987 حينما كان يزور «جان» جامعة همبولت بألمانياالشرقية حيث كانت تدرس «سيلك» والتى أصرت على تطبيق الأوامر الرسمية وقامت بمنع «جان» من الدخول؛ لكن سرعان ما اتفقا على موعد للقاء لكن تأخر «جان» فى القدوم حال دون لقائهما ليبحث عن عنوانها وتبدأ المراسلات بينهما كصديقين ثم ينتهى بهما الأمر كعشاقين؛ وتضيف سيلك «لقد علمت مؤخرا أن رسائلنا كان يتم فتحها من قبل أجهزة أمن الدولة». وتواصل سيلك حديثها قائلة «وفى عام 1988 عاد جان لبرلين مرة أخرى من خلال دعوة قامت جدتى بتوجيهها له ليتمكن من الحصول على تأشيرة للدخول حيث كان من الصعب علىّ القيام بذلك خاصة أن والدى كان عضوا فى النظام الحاكم وبالتالى فإنه من المستحيل قيامى بدعوة شخص ينتمى لألمانياالغربية؛ وكانت الأيام التى نقضيها معا مليئة بالمخاطر بالإضافة إلى انعدام الخصوصية»؛ وعن لحظات الوداع بينهما يقول جان «كنا نتمزق حينما كنا نودع بعضنا بعضا وأكثر ما كان يؤلمنا هو فكرة عدم إمكانية أن نلتقى أو أن نكون معا مرة أخرى؛ وفى صيف عام 1989 التقينا فى بولندا بأحد الأديرة وقررنا أن نتزوج». «لن تكون هناك وحدة حقيقية فى ألمانيا إذا استمر النظر إلى الزيجات المختلطة على أنها وضع استثنائى» هكذا ختمت سيلك حديثها مشيرة إلى أن ابنتها «لويزا» البالغة من العمر، 11 عاما، تفتخر بأنها تنتمى إلى أسرة مختلطة. وعن الأجيال الجديدة التى عاصرت فى طفولتها انهيار سور برلين؛ يروى «توماس» (24 عاما) المولود بألمانياالشرقية و«سايرا» المولودة بألمانياالغربية (25 عاما) قصة عشقهما التى بدأت منذ ثلاث سنوات بعلاقة صداقة أثناء وجودهما معا بجامعة هال بالشطر الشرقى من ألمانيا؛ «لقد نشأ كل منا على قيم مختلفة عن الآخر» هكذا يشير توماس إلى صعوبة تخلص كل منهما من قيمه التى نشأ عليها فى وطنه بالرغم من انهيار السور ووحدة ألمانيا من جديد. ويضيف «أجد صعوبة فى مشاركة سايرا لى فى ذكريات طفولتى التى لم يتبق منها سوى أشباح؛ كذلك الحال بالنسبة لجميع الألمان الشرقيين الذين يعانون فكرة أنهم قادمون من وطن لم يعد موجودا الآن فهم يشعرون أنهم بدون جنسية» وتعلق سايرا قائلة «علينا أن نحترم بعضنا بعضا لأننا لم نعايش نفس الأشياء». وعن والديهما تقول «سايرا» إنهما لم يلتقيا بعد أو بالأحرى ليسا مستعدين للقاء بعضهما بعضا. ولعل استطلاع الرأى الذى نشرت نتائجه مؤخرا تقدم دليلا يناقض ما تقوله «سايرا» أظهر أن غالبية الألمان تغلبوا على «الأسوار الفكرية» التى كانت تفصل بين الألمان الغربيين والألمان الشرقيين حتى بعد هدم سور برلين. وحسب الاستطلاع الذى أجراه معهد ريسوما الألمانى فى هامبورج فقد ذكر 88% من الألمان الغربيين و81% من الألمان الشرقيين أنهم أصبحوا يشعرون بالتقارب مع بعضهم البعض بشكل أكثر مما كان عليه الحال قبل عشر سنوات. فى المقابل يرى غالبية الألمان أن مشكلات إعادة الوحدة بين شطرى ألمانيا الشرقى والغربى لم تحل على الرغم من مرور 19 عاما على إعادة الوحدة.