أعود مرة أخري لتصريحات الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة التي أدلي بها لوكالة الأناضول ونقلتها جريدة "المساء" وتتضمن "أن الفكر الديني الجامد يمارس قيودًا علي الثقافة مما جعل مصر في تصنيف متأخر بسبب هذه القيود" كما أشار إلي مواد الدستور التي تتمسك بمباديء الشريعة الإسلامية وأنها الأصل.. كما لو كنا في دولة دينية مع أننا في دولة مدنية.. وهذه التصريحات تؤكد أن الدكتور عصفور لم يتخل عن آرائه التي عرفناها عنه منذ سنوات طويلة. وما كان لرجل يتربع علي عرش وزارة الثقافة أن ينادي بهذا الرأي الذي يتنافي مع منصب هذا الوزير إذ أنه أول من يتمسك بمواد دستور الدولة التي كلفته بهذا المنصب إذ ليس معقولاً أن هذه المباديء تتنافي مع طبيعة الدولة المدنية. فهل تلك المباديء تشكل قيودًا علي حركة الإبداع في مصر بحيث تؤدي إلي وضعها في تصنيف متأخر أم أنه محاولة للإفلات من تلك الضوابط التي تجعله يتواكب مع النهضة والحضارة الإنسانية التي كان العرب والمسلمون سببا في تألق الإبداع وازدهاره؟ حقيقة أن الدكتور جابر عصفور يريد أن ينتهي إلي رأيه الخاص بأنه لا يمانع في تمثيل شخصيات الأنبياء والرسل علي شاشة السينما ويبذل جهوده في اتهام رجال الأزهر وشيوخه بالجمود طالما أنهم يتمسكون بمباديء الشريعة الإسلامية التي تساهم في ازدهار الأمة ونهضتها وفي نفس الوقت تؤدي إلي حماية الابداع والأجيال من أخطار الانفلات والانحراف التي تقود شبابنا وأبناءنا إلي هوة سحيقة من التدهور والتفسخ من كل القيم التي تحفظ لكل شخصية مكانتها وقيمتها بما يتواكب مع مكانتها بين أبناء الأمة والمجتمع. ونقول للدكتور عصفور: ليس معقولاً أن نسوي بين شخصية د. عصفور وبين من هو أدني منه؟ ولعل تلك أبسط المباديء وأهم الواجبات التي يعلمها الدكتور عصفور لتلاميذه. ومن العيب كل العيب أن يخالف الدكتور هذه القيم الأساسية التي تؤكد نهضة المجتمع لارتكازها علي ما يصون لكل شخصية مكانتها!! أعتقد أنه بعد هذا التوضيح نجد أن الفارق بين التجسيد والتمثيل ليس كثيرا. وأنه في اطار الحفاظ علي هؤلاء الأنبياء رموز الأمة العربية والإسلامية لهو من أسمي القيم التي يتحلي بها أي مثقف أو مبدع أو أديب ويمكن الاستفادة بمسيرتهم في الدعوة والاصلاح ونشر القيم دون أن نري ممثلا يتقمص شخصية النبي أو الرسول. ولا يغب عن فطنة الدكتور عصفور أن هناك كثيرًا من أهل الابداع قد انتجوا أفلاما علي هذا النحو دون ظهور لأي ممثل في شخصية النبي أو الرسول. يا دكتور: إن الإسلام ارتقي بالذوق البشري في كل مبادئه في كل التعاملات بين بني الإنسان. وجعل هناك حدودًا لبناء المجتمع. الأنبياء والرسل بشر.. نعم.. لكن لكل شخصية مكانتها ومقامها. ولابد أن نضع صاحب هذه الشخصية في مكانته التي تليق به. وأن إهدار تلك القواعد يدمر العلاقات ولا خير في مجتمع لا يحفظ المكانة اللائقة لكل أفراده. إن هؤلاء الرموز يجب أن نضعهم في مواقعهم وإلا فانتظروا التدهور والتدني في كل التعاملات. يا دكتور عصفور إن التمسك بالقيم ليس شماعة يلجأ إليها كل من أراد أن يفرض رأيه ويدعي أن التمسك بتلك المباديء يؤدي إلي الجمود الفكري. إن رب العالمين حين أمر بمراعاة الخطاب مع الرسول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قد ارتقي بالذوق الإنساني ويعلم كل الأجيال ان الحفاظ علي مكانة هؤلاء الرموز لهو الطريق الأمثل لبناء نهضة وحضارة ومؤسس لابداع يرتقي ويسمو طالما التزم بتلك الضوابط. هدانا الله وإياك يا وزير الثقافة!!