كتب محمد حسين هيكل في "حياة محمد": أية أمة لا يرتبط حاضرها بماضيها. فهي محكوم عليها بفقدان طريقها من هنا تأتي الفجوة المتسعة باستمرار بين جماهير شعوب الشرق. وبين هؤلاء الذين يطالبوننا بتجاهل ماضينا. وبالاتجاه بكل قوانا ناحية الغرب. ويضيف هيكل في مقدمة "في منزل الوحي": "حاولت أن أنقل لأبناء لغتي ثقافة الغرب المعنوية. وحياته الروحية. لنتخذها جميعاً هدي ونبراساً. ولكني أدركت أنني أضع البذر في غير منبته. فإذا الأرض تهضمه. ثم لا تتمخض عنه. ولا تبعث الحياة فيه. وانقلبت ألتمس في تاريخنا البعيد في عهد الفراعنة موئلاً لوحي هذا العصر. ينشأ فيه نشأة جديدة. فإذا الزمن. وإذا الركود العقلي. قد قطعا ما بيننا وبين ذلك العهد من سبب. يصلح بذراً لنهضة جديدة ثم رأيت أن تاريخنا الإسلامي هو وحدة البذر الذي ينبت ويثمر". تراجع هيكل إذن عن دعوته إلي إحياء التراث الفرعوني. وعن الاتجاه ناحية الغرب. وتحول للمدافعة عن العروبة. ليس بالمعني القومي. وإنما باعتبارها تعبيراً عن الإسلام. وألف كتاباً مهماً هو "حياة محمد" الذي يعد مرجعاً أساسياً في حياة الرسول. ثم كتب في ملحق "السياسة" "1933" مقالاً بعنوان "الفرعونية والعربية" قال فيه: "إن دراسة هذه الحضارات الغابرة التي قامت في مصر والشام والعراق. وصور الشبه وصور الاختلاف بينها. من شأنه أن يلقي كثيراً من الضياء علي ما تطورت إليه الحضارة الإسلامية خلال هذه الخمسة عشر قرناً. وجهت أثناء عصور طويلة منها مصير العالم. وهي تزداد كل يوم انتشاراً. وإن عدت عليها من حين لحين عاديات الزمن. فركدت أو جمدت. ليست الفرعونية. وليست العربية. وليست إسلامية العصور الوسطي. ولا هي إسلامية عصور الانحطاط التي تجاوزناها. ومازالت تغمرنا". وكان مبعث اتجاه هيكل الإسلامي كما روي في مذكراته حركة التبشير المسيحي التي نشطت في عهد صدقي. وفدت من الولاياتالمتحدة. ومول نشاطها عدد من الأثرياء الأمريكان كانت بعثات التبشير الغربية قد أفلحت في إنشاء أول كنيسة كاثوليكية في الأقاليم الأرمنية من الدولة العثمانية في 24 مايو 1831. ثم أنشئت أول كنسية بروتستانتية في 27 نوفمبر 1850. وأبيح لمن اعتنق المذهبين أن يواصل تعليمه العالي في داخل البلاد أو خارجها. أخفقت البعثات التبشيرية نتيجة مبادرة هيكل. ثم عبقريات العقاد. وإسلاميات طه حسين سواء بتحويل المسلمين عن ديانتهم. أو تحويل الأقباط عن مذهبهم. إلي حد إعلان هنري فورد أكبر ممولي حركة التبشير أنه قد دفع نصف مليون دولار. دون أن يسمع بمصري واحد تحول عن الإسلام إلي المسيحية. أو تحول عن مذهبه المسيحي إلي مذهب مسيحي آخر.