عندما دخلت الدولة في عهد محمد علي باشا مجال الإنتاج استلزمه الأمر وضع نظام رقابي لمتابعة تنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة وخاصة في المجال الصناعي.. وقرر الباشا تعيين "بصاصين" لمراقبة ومتابعة أداء المصانع والورش والأفراد المتعاقدين علي توريد منتجاتهم الصناعية للإدارة ورغم أهمية هذا الجهاز الرقابي إلا أن بعض الأفراد انحرفوا في سلوكهم عن الهدف من إنشائه.. فبعضهم حصل علي رشاوي من أجل تهريب المنتجات خارج إطار الحكومة. وفي سنة 1835 أصدر الوالي أمراً بإعطاء رؤساء الأجهزة الإدارية في الدواوين والأقاليم سلطات أكبر تسمح لهم بمراقبة الموظفين الذين تحت إدارتهم وأن تتم مراقبة صارمة لمنعهم من تقاضي الرشاوي وكانت الرشوة يطلق عليها في ذلك الوقت "البرطيل" ويقول رزق نوري في كتابه الفساد في عصر محمد علي أن بعض الذين زاروا مصر في تلك الفترة لاحظوا أن المصانع كانت معرضة لسرقات واختلاسات كبيرة كذلك وجدت تحالفات علي نطاق واسع بين الموظفين لإتمام السرقات وفي ضوء ذلك طرد الباشا سبعة نظار "مديرين" وجميع الموظفين الشاغلين لمنصب "باشكاتب". وعندما استفحل أمر الفساد قرر محمد علي باشا إنشاء جهاز إداري لعملية الرقابة وكان علي رأسه محمد علي باشا نفسه مع مراقبته النظار والمديرين ورؤساء الدواوين من خلال متابعة التقارير التي تصل إليه.. كذلك ضم الجهاز كبار الموظفين والمديرين ورؤساء الأجهزة الإدارية في الدواوين بخلاف مشايخ الريف والصيارفة وغيرهم ولكي تكون المراقبة فعالة جعل محمد علي هناك بعض صغار الموظفين في الدواوين وبعض الفلاحين ليراقبوا تصرفات رؤساء أجهزة الرقابة أي أن الرقابة "من فوق إلي تحت" و"من تحت لفوق" وتضمن عمل الجهاز أيضاً عدم التفريط في المال "الميري" "المال العام". كانت هذه صورة عن الرقابة الإدارية في عهد محمد علي باشا لوضع حد للفساد الذي كان مستشرياً في ذلك العهد وما قبله.. و"الحكايات عن فساد هذا العصر كثيرة". وعندما قامت ثورة 23 يوليو لاحظ جمال عبدالناصر انتشار الفساد في الأجهزة الحكومية فأصدر في عام 1958 قراراً بإنشاء قسم للرقابة الإدارية لكشف الانحراف والفساد وبحث أسباب القصور في أداء العمل الملقي علي الجهات الإدارية.. وبعد 6 سنوات زادت أهمية هذا القسم بعد أن كشف العديد من حالات الفساد والرشوة.. وتفشي المحسوبية والانحراف.. الأمر الذي جعل عبدالناصر يصدر القانون رقم 54 بتحويله إلي هيئة مستقلة مهمتها هي نفس المهمة عام 1958 وظلت الهيئة تعمل طوال عهد الرئيس الراحل عبدالناصر.. ولكن في عهد الرئيس أنور السادات وبعد حرب أكتوبر 73 أصدر الرئيس قراراً بإلغاء هذه الهيئة وتحويل موظفيها إلي وظائف في جهات أخري. وفي عام 1982 صدر قرار آخر بإعادة هيئة الرقابة الإدارية.. هكذا ظهرت وهكذا ألغيت ثم هكذا عادت.