علي مدي 27 عاماً مضت أتاح لي عملي الصحفي فرصة التردد علي دور رعاية الأيتام في العيد لإجراء تحقيق صحفي. ونقل مشاعر الأطفال الأبرياء في العيد.. لا أخفيكم سراً بتجدد أحزاني كل عام وأنا أتابع الظروف الاجتماعية القاسية التي حرمت هؤلاء الأبرياء من حضن الأسرة. الذي طالما حلموا به. وحضن أم يضم ويحنو ويمنح جرعات الحب والحنان. وكفالة أب يضمن الحياة الكريمة. ويضمن معها الأمن والأمان. داخل هذه الدور تكتشف عوار المجتمع والخلل الاجتماعي الذي تعيشه مئات الأسر. والأنانية والانتقام والظلم الإنساني الذي تمارسه بعض الأسر تجاه فلذات أكبادها. والسيناريو المتكرر الشهير. انفصال الأبوين وزواج كل منهما بآخر. وبدء حياته.. والتخلص من الأطفال وعبء مسئوليتهم وإيداعهم إحدي دور الأيتام. ونسيانهم للأبد. داخل هذه الدور تكتشف آلاف الأطفال الضالين. الذين فقدوا أسرهم في لحظة طيش. وتصرف أحمق من أبوين. يكتشفان بعدها ضياع الأبناء إلي الأبد. داخل هذه الدور تكتشف تناقضات المجتمع. ففي الوقت الذي تكافح فيه أسر للفوز بطفل وإجراء مئات العمليات الجراحية من الحقن المجهري وأطفال الأنابيب. والتي كثيراً ما تفشل.. تجد آلاف الأطفال نتاج علاقات شرعية آثمة. بدأت بلحظة خطأ. ليدفع الأطفال ندم السنين. لن أنسي ما قاله لي أحد الأطفال نزلاء هذه الدور عندما سألته عن أقصي طموحاته؟!.. فقال لي: أسرة وثلاجة أفتحها بحرية وقتما أشاء. لأتناول منها ما أريده من طعام!! ولعل هذا الطموح هو الذي جلب التعذيب والتنكيل لأبناء دار مكةالمكرمة.. الذين انتظموا في طابور التعذيب كل منهم ينتظر دوره من الضرب والإهانة. لا لذنب سوي أنهم تجرأوا علي فتح الثلاجة لتناول الطعام الذي حمله لهم أهل الخير. ولم يتفضل عليهم به مدير الدار. لم ولن أنسي ملامح الرعب والخوف علي وجوه الأطفال. وهم يتوسلون لمديرها وهم ينادونه ويقولون له: "مش هانعمل كده تاني يا بابا".. هذا الإنسان الذي تجرد من الرحمة والإنسانية. وغرته قدرته ليمارس القهر علي الأبرياء. بالعصا والركل بالأقدام. واقعة التعذيب كشفتها الصدفة البحتة. ورغبة زوجته في الانتقام منه. ليفتضح أمره. ولنكتشف أن هناك مخالفات وتجاوزات داخل هذه الدور. يدفع ثمنها الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم بين أربعة جدران. ينتظرون مصيرهم المجهول. وحقاً "رُبّ ضارة نافعة" ربما كانت هذه الواقعة بمثابة صرخة إنذار تلفت نظرنا جميعاً لمتابعة هذه الدور. وهي بالمناسبة مسئولية مجتمع. وليس وزارة التضامن وحدها.. هؤلاء الأطفال في رقابنا جميعاً. علينا ألا نتخلي عنهم وهم يعيشون حياة الضياع!! كلمات لها معني.. * إذا دعتك قدرتك علي ظلم الناس. فتذكر قدرة الله عليك. * تأكد أنك ستشرب من الكأس الذي سقيت منه غيرك. سواء كان حُلواً أو مراً. * للأمان رائحة. لا تُشَم. إلا في أحضان الأمهات.