في حياة الأمة الإسلامية رجال ضربوا أروع الأمثلة في الزهد والتواضع وإنكار الذات وإرساء القيم والمعاني النبيلة في المجتمع.. قدموا للأجيال في كل العصور سجلات حافلة بالعطاء والعمل الإنساني الخلاق. كانوا قدوة وأسوة حسنة. تركوا تراثاً مليئاً بالذخائر النفيسة والأعمال التي تنبئ عن عظمة هؤلاء الرجال. وعلي مدي أيام شهر رمضان المبارك نعيش مع مآثر رجل أو امرأة من أهل الايمان الذين كانت لهم بصمات ومواقف سوف تظل خالدة أمد الدهر. هذه الحكاية دارت فصولها بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ورجل من أهل اليمن اسمه أويس بن عامر القرني.. عمر ظل يترقب لقاء هذا الرجل فترة طويلة وكان في كل موسم للحج يسأل الوفد القادم من اليمن عن هذه الشخصية. "ابن الخطاب" رغم مكانته الراسخة في الإيمان وحماية دعوة الحق التي جاء بها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم إلا أنه كان يبحث عن ذلك اليمني بصفة خاصة فلماذا هذا الاهتمام وذلك الترقب؟!.. كل ذلك يرجع إلي أن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم كان جالساً في يوم من الأيام في مجلس يحضره عمر بن الخطاب. وتحدث الرسول عن "أويس" وما يفعله مع أمه وأنه من الرجال الأصفياء وأوصي عمر بأن يتحري هذا الرجل وإذا صادفه فليسأله أن يدعو له. لأنه رجل مستجاب الدعوة.. وأعطي الرسول لعمر أوصافه بأنه رجل عادي مصاب بمرض البرص وهو مرض جلدي وحرفته رعي الغنم وآثار هذا المرض لاتزال بادية بجسمه رغم شفائه. وأوضح الرسول في حديثه لعمر أن أويس كان يرعي الغنم نهاراً ويعود ليلاً لبيته مواصلاً الاهتمام بأمه المريضة والتي كانت لا تنام إلا علي كتفيه ونظراً لهذا التحمل وذلك البر بالأم وتقديره لها خصه الله باستجابة الدعاء. خاصة أن الجميع تعلم من رسول الله صلي الله عليه وسلم أن رضا الله في رضا الوالدين. بعد سنوات من الانتظار وفي العام الموعود سأل عمر وفد أهل اليمن الذين التقي بهم: هل معكم أشخاص آخرون؟ قالوا: ليس معنا أحد سوي شخص مغمور اصطحبناه ليرعي الأمتعة والراحلة. فقال عمر بكل رجاء: احضروه. وعندما مثل بين يديه سأله عن اسمه وأوصافه فأجابه بما يتطابق مع ما ذكره الرسول الكريم.. فسأله عمر أن يدعو له. فاستجاب الرجل. ثم سأله عمر: وماذا تقصد من البلاد؟ قال أويس: الكوفة. فقال عمر: أأكتب لك رسالة لحاكمها؟ قال أويس: شكراً أريد أن أعيش بين دهماء الناس. ثم ترك عمر وانصرف ولا يدري عنه أحد شيئاً منذ هذا التاريخ. تقول إحدي الروايات التاريخية أن عمر عندما سأله قائلاً: أأنت أويس: أجابه نعم وأنت عمر؟ قال له عمر: ومن أدراك أنني عمر؟ فقال أويس: من قال لك اسأله أن يدعو لك هو الذي عرفني بك.