العلاقات الإنسانية من اسمي القيم التي دعا إليها الدين الإسلامي وحث علي الالتزام بها دعماً لأواصر المحبة بين كل فئات المجتمع حتي داخل الأسرة وقد تجلي ذلك بوضوح في آيات القرآن الكريم في سورة النساء وحددت معالم الطريق بما لا يدع مجالاً لأي شك وتعتبر من أهم الضوابط في أصول التربية الحديثة في القرن الواحد والعشرين وقد سبق بها الإسلام كل أساليب حماية الأسرة أولي لبنات بناء المجتمع يقول ربنا: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً". وقد وجدتني مشدوداً إلي هذا الجانب الإنساني في محاولة للخروج من حالة التشرذم وذلك الخلل الذي أصاب مجتمعنا هذه الأيام وأحدث حالة من الفرقة والانقسام بصورة غريبة علي مجتمعنا الأمن المستقر ونزيف الدم الذي لا يتوقف. بالإضافة إلي الأفكار المتطرفة لبعض الجماعات التي تنتمي للإسلام زوراً وبهتاناً وترتكب الكثير من أعمال العنف والقتل. ومن أجل العودة إلي قيم الإسلام الخالدة نستلهم هذه القيم التي أرسي معالمها رب العالمين فقد جاء بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد عبادة الله وحده لا شريك له ثم يمتد هذا البر إلي باقي طوائف المجتمع وترسم البسمة علي وجه الأب والأم ثم إلي الأهل والأقارب واليتامي والمساكين والجيران بأنواعهم الثلاثة حتي أن هذه العلاقة الإنسانية يجب أن تشمل بدفتها ابن السبيل الذي يمضي وتصادفه وهو يجتاز الطريق مسافراً لهذه الدرجة ينشر الإسلام هذه المظلة من التراحم ولفت الأنظار إلي مبادئ من أهم الضوابط التي تكفل تحقيق الأمن والأمان والتعاطف والتآزر بين كل من يتعامل معهم أي إنسان. أنها بحق قيم الرقي والحضارة والسمو ليتنا نتمسك بها لعلها تعيدنا إلي الألفة والمحبة وتدفعنا لمواجهة عمليات القتل والتدمير التي تفسد حياتنا وتعطل مسيرتنا نحو التعمير والبناء. ولا شك أن هذه القيم تؤكد علي ضرورة بر الوالدين لأنهما أصل وجود الإنسان والحرص علي ذلك والالتزام به والابتعاد عما يعكر صفو الوالدين. حتي ولو كلمة تنبئ عن التأوه المتمثلة في الآية الكريمة "ولا تقل لهم اف" وناهيك عن "ولا تنهرهما" والحرص دائماً علي القول الكريم أين نحن هذه الأيام من تلك الأفعال والواقع التي تتكرر بين بعض الأبناء والآباء من أجل متاع الدنيا الزائل مثل المال وحب التملك إلي غير ذلك من ألوان المتع التي تدفع البعض للخروج علي هذه المبادئ. ولعله لا يغيب عن الخاطر إن ثمار هذه القيم تعود بالنفع علي كل أبناء المجتمع وتجعل الترابط لا تنفصم عراه تحت وطأة أي ظروف أو عوامل تثير الغضب والفتن وتبعث علي الشر وتحريك الأحقاد والضغائن وليتنا نلفت إلي نشر هذه القيم وغرسها في نفوس الأبناء منذ نعومة أظافرهم وتتخذ كل الوسائل لنشر هذه القيم وتلك التعاليم التي تستأصل نزعات الشر والبغضاء من النفوس وتساهم في نشر الحب والتفاؤل وتزيل أي سحابة تعطل مسيرة المودة وتؤدي إلي التقارب والتآلف والود بين أبناء المجتمع وتحيط الأبوين بمظلة تلك القيم السامية. ولا يفوتنا أن نشير إلي حقيقة مهمة وتتمثل في أن من ثمار هذا الإحسان إلي الوالدين استجابة الدعاء. فحينما يحسن الابن للوالدين يستجيب الله لدعاء هذا الإنسان الحريص علي هذا الإحسان ومداومة العطف عليهما لأن رضا رب العالمين يتمثل في رضا الوالدين وأن البار لن يدخل النار وأن الابن العاق مهما قدم من أعمال فلن يخطئ بتلك المنزلة. وفي هذا السياق نسوق قصة ذلك الرجل الذي أوصي الرسول صلي الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بأن يدعو له. هذا الرجل من أهل واسمه أويس بن عامر القرني وحدد لعمر معالم هذا الفتي من بينها آثار مرض البرص. وتتلخص قصة أويس بن عامر.. في أنه رجل يحترف مهنة رعي الغنم ومصاب بمرض البرص وله أم مريضة ورغم معاناته اليومية إلا أنه عندما يعود إلي بيته كان يحمل أمه فوق كتفيه لأنها لا تنام إلا بهذه الطريقة ورغم مطالبتها لابنها بالكف عن ذلك لكنه كان يصر علي ذلك من أجل أن تنام الأم التي تعاني الأرق ولا تذوق طعم النوم إلا علي كتفي هذا الابن البار وقد شاءت ارادة الله أن يتم شفاؤها من هذا المرض وبقيت به آثاره في جسده ونظراً لتحمله هذه المشقة وتفضلاً من الله قد مَنَّ علي "أويس" باستجابة دعائه وقد قال سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا لقيته ياعمر فأسأله أن يدعو لك لأنه مستجاب الدعاء. وقد ظل عمر يترقب هذا الرجل حتي لقيه مع وفد من أهل اليمن حتي لقيه وتأكد من أوصافه ثم سأله الدعاء. فدعا له ثم انصرف رافضاً أي مساعدة من أمير المؤمنين عمر وقال: أحب أن اعيش مع عامة الناس كأي واحد منهم. ليتنا نستلهم هذه القيم وسط هذه الظروف الصعبة التي نعيشها وعلي الله قصد السبيل.