ترددت كثيرا في البوح إليك بما أصابني في يوم عيد الأم وكيف كانت حالتي النفسية في أدني درجاتها؟ فقد حرصت علي الاستيقاظ مبكرا في هذا اليوم وانتهيت من ترتيب البيت سريعا ثم عكفت علي إعداد أشهي الوجبات والحلوي لعلي أسعد بزيارتهم وأشعر بمدي حرصهم علي رؤيتي خاصة في هذه المناسبة "يوم الأم".. لكن مضت الساعات ولم يأتوا فأغلقت علي نفسي باب حجرتي وطلبت من بناتي الصغيرات أن يتركنني قليلا.. لكنهن رفضن مغادرة الحجرة قبل أن أفضفض لهن بسر حزني الشديد وتغيري المفاجئ من الصباح إلي المساء!! جلست أروي لبناتي عن أيام طفولتي وما تحملته في هذه السن الصغيرة مع أمي وأبي من أجل أشقائي الستة الذين لم يكلف أحدهم نفسه عناء زيارتي في هذا اليوم باستثناء مكالمة وصلتني من شقيقهم الأكبر المقيم بإحدي المحافظات النائية حدثتهن عن تلك الفترة التي لم يكن لوالدي أبناء غيري وكيف عاصرت خلافاتهما الشديدة والتي دفعت بأمي لأن تأخذني وتعود إلي بيت أهلها وهي حامل في توءم.. لكن أمي رحمها الله رأت ضرورة تجديد البيت الذي تهالك فيه كل شيء طوال فترة غيابها عنه في الوقت الذي لا يتحمل مرتب والدي من وظيفته الحكومية أي أعباء إضافية!! هنا قررت "ست الحبايب" أن تتفرع للخياطة والتفصيل مثل كثير من أمهات ذلك الوقت فأسندت إليّ وأنا مازلت في الثانية عشرة من عمري مهمة رعاية الطفلين "التوءم" والقيام بالأعمال المنزلية كاملة لتعكف هيَّ علي ماكينة الخياطة تواصل الليل بالنهار لتأتي بما يعينها علي تجديد المنزل أما أنا فأسعي بكل جهدي لتقسيم وقتي بين المدرسة والبيت أؤدي كل المهام المطلوبة مني علي خير وجه دون تبرم أو شكوي.. وكانت مسئولياتي تتضاعف مع قدوم أي ضيف جديد أقصد أخا جديدا حيث أنجبت أمي بعد ذلك ثلاثة أشقاء آخرين لأظل في الأشغال الشاقة ما يزيد علي ست سنوات حصلت خلالها علي الاعدادية والثانوية وبمجموع رشحني للالتحاق بإحدي الجامعات الإقليمية!! هنا فقط حصلت علي راحة إجبارية من أعمال البيت ورعاية أشقائي فقد أصرت والدتي علي مواصلة دراستي الجامعية رغم اعتراض والدي لقلة الدخل وكثرة الالتزامات.. وسافرت لجامعتي بالدلتا في حين واصلت أمي كفاحها علي ماكينة الخياطة حتي تواصل أحلامها ليس في تجديد البيت الذي انتهت منه بالفعل إنما في تعليمنا جميعا.. ورغم غربتي ومصروفي القليل كنت أحرص علي استقطاع جزء منه لشراء بعض الهدايا لإخوتي لادخل السرور عليهم. وبمجرد أن تخرجت وحصلت علي المؤهل العالي أسرعت في البحث عن عمل مناسب أملاً في التخفيف عن ست الحبايب وكلل الله خطواتي بالنجاح لأفوز بوظيفة مرموقة في مجال العلاقات العامة وأتعرف علي شخصيات كبيرة وأكسب ثقتهم.. أما مرتبي منها فكنت أعطيه كله لأمي عن طيب خاطر لتلبي منه كل احتياجات اخوتي.. ومصاريف دراستهم.. ظللت هكذا ست سنوات أرجأت خلالها كل أحلامي في الزواج والاستقرار.. حتي.. حتي بلغت السن التي أجبرتني علي التفكير في نفسي قليلاً حيث كنت علي مشارف الثلاثين من العمر فقبلت بالزواج بمن ارتضاه قلبي لكن رغم أعباء حياتي الجديدة لم أتخل عن أمي واخوتي خاصة بعد وفاة أبي.. ورحت أسعي لتوظيفهم جميعا الواحد تلو الآخر متحملة في ذلك مشقة البحث والمتابعة علي حساب بيتي وزوجي وبناتي الصغيرات اللائي رزقني الله بهن!! ومرت الأعوام وتزوج أشقائي الخمسة وصار لكل منهم أسرة صغيرة وتوفيت أمي الحبيبة وهي راضية عني.. توفيت وهي توصي اخوتي بي خيرا.. لذلك كم تألمت عندما لم يحضروا إليّ في "يوم الأم" باستثناء مكالمة أخي الوحيدة.. ما جعلني أسأل نفسي لماذا لم يتذكروني وأنا التي صنعت لهم المستحيل من أجل إسعادهم؟ أم أنني جعلت "من الحبة قبة" مثلما تري بناتي حينما تألمت لغياب أخوتي عني في عيد الأم؟! ع.ع.ع الجيزة * المحررة: أفرطتِ في الأمنيات.. وخابت التوقعات فلم يأت إليك الأشقاء أو الشقيقات في يوم "الأم"!! لم تصلك سوي مكالمة من أخيهم الأكبر وهو ما كنت أتوقعه لأنه الأكثر إدراكا ووعيا بالمرحلة الصعبة التي مرت بها أسرتكم وكيف كان دورك العظيم فيها..؟.. أما الأشقاء فعادةً ما ينعمون بثمرة هذا العطاء دون أن يكابدوا مرارة الغرس والرعاية!! وأصحاب الفضل من أمثالك ممن اختصهم الله بأداء تلك المهام الصعبة في حياة الآخرين.. أمثالك عليهم ألا يتركوا أنفسهم لتلك الوساوس!! وأن يلتمسوا بفيض كرمهم الاعذار للطرف الآخر الذي قد تكون لديهم من الأسباب ما حال دون حضورهم إليك مثل مدي استعدادك لاستقبالهم خاصة وأنهم لم يتلقوا منك دعوة صريحة بذلك. وأظن أنك لو قطعت الطريق عليهم وبادرت أنت بالسؤال عنهم بتقديم التهنئة ودعوتهم لزيارتك ما ترددوا ولأسرعوا في المجئ إليك لتتبادلوا التهاني التي أظن أن النصيب الأوفر منها سيكون لك.. فلا تستغرقي في الأحزان بتحميل الأمور أكثر من طاقتها.. وتذكري دائما أن الأم هي التي تعفو وتسامح وتلتمس الأعذار لأحبائها.. أكثر الله من أمثالك.. وأسعد أيامك.. وكل عام وأنت بخير.