يحاول د. جمال حمدان في موسوعته "شخصية مصر" أن يهدي إلينا عيوبنا ويكشف لنا عن نقائصنا حتي يتسني لنا علاجها وتلافي نتائجها السلبية وذلك كله من خلال منهج علمي رصين ولغة راقية غير فاحشة ولا متفحشة.. إن شئت فقل إنه يضعنا أمام مرآة صحيحة تعكس حقيقتنا كي نراها واضحة بلا رتوش. بالأمس.. كان حديثنا في هذه الزاوية عن إعجابنا بأنفسنا أكثر مما ينبغي وهو ماأسماه ب "النرجسية" التي تتجاوز العزة الوطنية المتزنة السمحاء.. واليوم يكشف لنا عن "التطرف" في نظرتنا لأنفسنا وفي تقديرنا لذاتنا. يقول: إن تقييمنا الذاتي لشخصية مصر والمصريين يخضع للذبذبة الحادة العنيفة بحسب المتغيرات العابرة من انتصارات أو هزائم بحيث نتردد أو نتردي من النقيض إلي النقيض المطلق.. فنحن نضخم من ذاتنا إلي حد السخف ونكاد نؤله مصر حين ننتصر .. بينما ننهار ونكاد نسب أنفسنا عند أول هزيمة أو انكسار.. أو لعله العكس أحيانا من قبيل التعويض. وحتي عن مستقبل مصر.. نحن إما متفائلون بإسراف يدعو إلي السخرية والإشفاق أو متشائمون إلي حد متطرف قابض للنفس.. وكلا الفريقين خطر.. المتفائلون المتطرفون إما بسذاجة وإما بخبث شديد خطر.. لأنهم يفضلون خداع النفس لراحة البال علي مواجهة الحقيقة المرة.. والمتشائمون المتطرفون المحترفون خطر أيضاً لأنهم يثبطون الهمم وينشرون الإحباط والخذلان. يقول د. جمال حمدان: "لا غرابة بعد هذا كله أن نجد معظم ما يكتب عن مصر غالباً ما يجنح إلي المغالاة والتطرف إما نحو التهويل أو التهوين.. التهليل أو التقليل.. الإيجاب أو السلب.. التمجيد أو التنديد.. فمصر إما أم الدنيا وإما فتات التطور.. إما صانعة التاريخ أو راووق التاريخ.. إما أصل الحضارة أو مثال التخلف الحضاري.. وكلها أحكام متطرفة غير موضوعية". هل تري لهذا الكلام صدي فيما حدث للشعب المصري أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها؟!.. هل يمكن ان نتذكر ماذا قلنا عن أنفسنا أثناء الثورة وبعد تنحي مبارك وماذا قال العالم عنا.. ثم ماذا حدث لنا بعد ذلك عندما دخلنا في دوامة الانقسام والتشرذم والتكفير والتخوين؟! في مرحلة ما كنا نموذجاً إيجابياً جداً وملهماً جداً.. وفي مرحلة أخري أصبحنا نموذجاً سلبياً جداً ومنفراً جداً. وعلي هذه الأرضية ذاتها يأخذنا د.حمدان إلي زاوية أخري من زوايا التطرف في شخصيتنا.. فيؤكد انه "لا يمكن لكاتب أو عالم أو مفكر ان يوجه إلي مصر نقداً موضوعياً بناءً صادقاً ومخلصاً إلا وعُدَّ علي الفور وللغرابة والدهشة عدواً بغيضاً أو حاقداً موتوراً إن كان أجنبيا.. وخائناً أعظم أو أحقر إن كان مصرياً.. وهذا وذاك إنما افتراءات علي مصر والمصريين أو أكاذيب وأباطيل.. وباختصار.. فنحن المصريين أكبر جداً من النصح.. ونحن المصريين فوق النقد. هذا موقف خطير للغاية.. يصل إلي حد الإرهاب الفكري.. ويأخذنا إلي هاوية الديماجوجية والنفاق الوطني وتملق ودغدغة غرائز الشعب وإرضاء غروره بتزيين عيوبه وتضخيم محاسنه. وأكمل غداً إن شاء الله