هو مبدع بكل معانى هذه الكلمة التى قد يعتبرها البعض بسيطة إلا أن مجدى أحمد على بفكره وفنه ومواقفه المعلنة والتى لا يخشى فيها أحدا هو نموذج لكلمة المبدع المعنى بشئون بلده، ويحاول بكل الطرق إيصال أفكاره لمقاومة أى أفكار ظلامية مهما هاجمه البعض، قبل بمنصب وظيفى يسعى من خلاله إلى خدمة الوسط الفنى بفنانيه ومبدعيه زملائه شاغلا بذلك جزءا كبيرا من وقته وعمله الأساسى كمخرج ليقف أمام عائق من البيروقراطية والروتين لا يتماشيان مع شخصيته بالمرة. عن الفاشية المتأسلمة الجديدة والثورة التى اختطفها الإخوان المسلمون وأن هذه تجربة يجب أن يمر بها الشعب المصرى ليعرف عيوبها يحدثنا فى السطور القادمة المخرج المبدع ذو الرؤية المتميزة جداً «مجدى أحمد على». [-]
* كفنان ومبدع كيف تتعامل مع روتين وبيروقراطية الوظيفة فى منصبك الجديد كرئيس للمركز القومى للسينما؟
- أنا الآن أمارس قدرات إدارية تعلمتها فى حياتى السابقة كرئيس اتحاد الطلاب فى الكلية وفى اتحاد الجمهورية وعملى الإدارى كمخرج لأن المخرج أيضاً يقوم بعمل إدارى مهم وهو قيادة فريق عمل كبير وضخم وميزانيات عمل ضخمة وهذا ما أمارسه الآن فى الوظيفة وأطبقه.
* ألا ينطوى قبولك بهذه الوظيفة على تضحية؟
- بالتأكيد هى تضحية وتضحية كبيرة، ولكن أنا أشعر أننى لا أقوم بهذا إلا من أجل أصدقائى وزملائى وأنا أتعامل كموظف فى هذا المكان ولم أقدم بعد ما يكفى وأمامى أقل من عام أستطيع أن أنجز فيه بعضاً من المشاريع والأحلام التى حلمت بها أنا وزملائى من المبدعين، وأحاول أن أؤسس بعض هذه المشاريع وأنا بشكل عام لا أسميها تضحية بمعناها الشامل ولكن هذا أقل واجب تجاه عملى وتجاه زملائى من الفنانين والمثقفين.
* ما هذه الأحلام والمشاريع؟
- نحاول أن ننهى مشروع سينماتك وأن نعيد تأسيس مهرجان الإسماعيلية والمهرجان القومى وأن نضع الأساس لسياق عمل للمهرجانات فى البلد وسياسة للمهرجانات القومية والمحلية والدولية، وأن نعمل على إعادة هيكلة المركز ونعمل على توسيعه وتطور الإمكانيات الموجودة.
* ما الصعوبات التى تواجهك لتحقيق مشاريعك وطموحاتك؟
- بصرف النظر عن حجم الإنجاز نحن نواجه قدرا كبيرا من البيروقراطية ومنظومة كاملة من التخلف والإصرار على إعاقة العمل وأيضاً هناك ضيق الوقت والسيولة التى يمر بها البلد فالبلد كله فى حالة من التفكك الشديد جداً ولا يوجد أحد مسئول عن السياسات ولا تدعيم سياسات ولا إقرار سياسات، ولا نعلم ماذا سيحدث غداً فعلى هذا الأساس لا يوجد أحد يريد إعطاء قرار فى أى مؤسسة فى البلد وكل هذا يؤثر على سير عملنا وإنجاز أفكارنا.
* ما الخطوات الفعلية التى بدأت فى تنفيذها؟
- نقلنا مهرجان الإسماعيلية الدولى إلى المركز القومى للسينما بشكل نهائى وأصبح رئيس المركز القومى للسينما هو بالتبعية رئيس المهرجان والمجلس القومى للسينما هو مجلس إدارته والمسئول عن وضع سياسات المهرجانات والإشراف عليها ،وهناك مشروع لدعم السينما ندرسه الآن على نطاق واسع وسيظهر تأثيره فى خلال شهور قليلة وبدأنا فى وضع مشاريع طموحة جداً لتوسيع المركز نفسه وإعادة تهيئته وهيكلته فهناك مثلاً قاعة الوزير وهى قاعة كبيرة جداً وضخمة مهملة نعيد إنشاءها لتصبح مركزا كبيرا للمهرجانات ونحاول العمل على فكرة الأرشيف وخطوات كبيرة تقام بالتعاون مع وزارة الثقافة ووزارة التعاون الدولى.
* ما مصير المهرجانات فى مصر الفترة القادمة وهل ستسمح الإمكانيات المادية بخروجها بشكل ملائم يضاهى المهرجانات العالمية؟
- المهرجان القومى سيخرج ومهرجان القاهرة سيتم إسناده إلى هيئة جديدة أعتقد أنها تقوم به بشكل ملائم، مهرجان الإسكندرية نعمل على إصلاحه لتلافى الآثار السلبية، ومهرجان الأقصر خرج إلى النور وإن شاء الله أتمنى أن يستمر بالشكل المشرف، ومهرجانات كثيرة أخرى ومهرجان الغردقة كل هذه المهرجانات أتمنى أن تكون أمامها الفرصة لتكون ناجحة.
وبالنسبة للإمكانيات المادية نحن نناضل ونسعى لتوفير ميزانيات، ولكن كما سبق وأخبرتك أن فى حالة السيولة الصعبة التى تمر به البلد لا يوجد أى قرار واضح.
* مجلس الشعب فى صورته التى نراها هل تتوقع منه أن يخرج بقرارات مفيدة للفن والثقافة بشكل عام؟
- مجلس الشعب مهما كان متطرفاً فلن يستطيع أن يقضى على الفن فى مصر أو يقضى على حرية التعبير لأن هذا البلد قوته الأساسية تكمن فى فنانيه ومبدعيه ومثقفيه وكتابه وشعرائه وبمعنى آخر فهؤلاء هم قوة مصر الرئيسية فى المنطقة كلها، لذلك أنا من رأيى أنه من الصعب على أى تيار أو أى فصيل سياسى دينى أن يقضى عليها وهذه معركة كبرى ونحن على استعداد لخوضها ولن ننهزم إن شاء الله.
- نحن لسنا فى أزمة بل نحن فى حالة هائلة من التخبط والتفكك، وأنا كل ما أخشى منه الآن هو أن نتجه إلى الدولة الفاشلة نتيجة أنه لا يوجد أحد من الفصائل المتناحرة يريد إعطاء الفرصة لأن تقام دولة وكل واحد يريد أن يحصل على المكاسب التى تخص مصالحه الضيقة جداً أو خطابه المتشدد ضيق النطاق، ولا أحد فيهم منتبه أو مشغول بالوطن الذى يشبه الآن السفينة الكبرى التى يجب أن يتعاون كل ركابها لكى تسير بشكل آمن، لكن المركب الآن متوقف وليس ذلك فقط بل يتم تثقيب جوانبه بهدف إغراقه ويجب أن يكون هدفنا الآن أن مصر العظيمة تسير، وأنا أعتقد أن هذه الأوضاع لن تستمر طويلاً لأن هذا بلد نحن نراهن على أن تاريخه الحضارى وتاريخه الثقافى ووجوده العالمى والجغرافى وتأثيرها.. من الصعب جداً أن نصبح دولة فاشلة.
* ما الخطأ الذى ارتكبناه من البداية لنصل إلى هذه المرحلة المتردية؟
- أنا لست ميالاً إلى كلمة أخطاء فالثورة قامت على نظام فاشى واحتجت عليه نظام كان يقمع أى تنظيمات سياسية وكان يرهبها ويرعبها ويعتقل قياداتها وينكل بهم على جميع المستويات، وهذا النظام عندما انهار منذ 52 يناير لم يكن أمام القوى الثورية تنظيمات قادرة على قيادة المجتمع، وهذا لم يكن خطأ القوى الثورية بل خطأ نظام قهرنا لفترات طويلة جداً واستفاد من هذه القوى التى كانت ومازالت تستغل الدين وتتاجر به فقفزت على الثورة ونجحت فى اختطافها، وتم تسليمها إلى أكثر القوى السياسية رجعية، وهذه بالطبع مرحلة أعتقد أنها من مراحل الثورة مرت بها دول عديدة، ولكن نحن نراهن على فكرة أن الثورة مستمرة ولم نهزم بعد وأن الثورة مازالت فى ضمير الشعب المصرى العظيم، ويجب ألا يغتر الناس بأى أغلبية وألا يغتر بأى تيار سياسى بأغلبية فنحن شعب ذكى وعظيم وإرادته فى النهاية هى التى ستنتصر.
* هل الخطأ يقع علينا فى الاستهانة بقوة الإخوان المسلمين وفكرة أنهم «لم يلعبوا سياسة من قبل» إلى أن يسيطروا على كل مقاليد الأمور؟
- هم يمارسون أسوأ ما فى السياسة وهى فكرة الممارسة الميكافيلية للقوة بمعنى لأنك ظللت ثلاثين عاماً تنظم نفسك فى المساجد.. والدولة.. كانت تلاعبهم بفكرة الدين وهذا خطر جداً وكانت تضرب كل القوى السياسية الأخرى وهم انتشروا ليس عن طريق الدين بل عن طريق الاستغلال السيئ للدين، فنحن جميعنا متدينون ومتمسكون بديننا ولكننا ضد استخدام الدين على هذا النحو فى السياسة، وهذا فى النهاية سيسفر عن ضرر فى السياسة وضرر للدين نفسه وهذه الفئة هى من ستسبب هذا الضرر.
ومرة أخرى أنا أراهن على الشعب المصرى وأراهن على أن هذه التجربة لابد أن تقيده وهى مثل مرض «الحصبة» لابد أن تخوضها لكى تكتسب المناعة وأن نخوض التجربة، الشعب المصرى ضحك عليه ونحن كقوة ثورية خدعنا وتم بيعنا للإخوان بواسطة المجلس العسكرى وبواسطة القوى الأخرى والإخوان الآن يمارسون عملية شديدة الدناءة لقهر الثوار.. والآن يبحثون فى مجلس الشعب عن سن قوانين لمنع التظاهر وسن قوانين لمنع الإبداع ولتكبيل الشعب وهؤلاء مصيرهم الفشل و«كان غيرهم أشطر» لأنه كانت هناك أنظمة أكثر فاشية منهم ولم تنجح.
* ألا تشعر بالندم؟
- نحن تصرفنا بنقاء الثوار وتلقائية الثوار ووثقنا فى قوة ما كان لنا أن نثق فيها، ولكن هذه تجربة نتعلم منها ولا يمكن أن نندم على أننا لم نكن أندالا أو جبناء والزمن هو من يثبت من هم الأندال ومن هى القوة الشريفة الطاهرة التى لا تريد إلا الخير لمصر.
- لا على الإطلاق لن تتحول مصر إلى إيران أخرى فهذا شعب محب جداً للحياة وهو شديد الاقتراب من الوسطية ورفض عبر تاريخه كله فكرة التطرف وأنا أعتقد أن التطرف مآلة إلى الهزيمة الكاملة.
* ما رأيك فى المشهد العبثى المتعلق بالسباق الرئاسى؟
- أنا طوال الوقت أشعر أننا فى سيرك والشعب المصرى طوال الوقت يتفرج على سيرك شديد الإثارة ولكن المذهل فى الأمر أن كثيراً من القيم يتم تكسيرها ولا يلتفت الناس إلى فكرة الكذب على الشعب والكذب على الناس وعلى الهيئة الانتخابية، كل هذا الكم من الكذب والنفاق وأن يزعم فصيل أنه جاء لكى يرعى الأخلاق ثم يتصرف بكل هذا الانعدام من الحس الأخلاقى وهذا الافتقار إلى الدرجة الدنيا من الأخلاق.. وأنا أراه جيدا لأن الناس لم تكن لتصدق هذا إلا عندما تشاهده بعينها.
* مشروعك «الدنيا أحلى من الجنة» ألا تخشى فى إثارته لزوبعة، خاصة للقضية التى يتناولها فى مثل هذا التوقيت؟
- بالعكس أنا أراه مناسبا جداً خاصة أن كاتب الرواية كان أحد العناصر التى اشتركت فى إحدى هذه الجماعات المتطرفة والتى كانت ترفع شعارات متطرفة جداً، وكانت تتحدث عن استحلال أموال الأقباط ودمائهم وعلى تكفير المجتمع بشكل كامل وكانت نكدة الديموقراطية وتعلن هذا صراحة وكانت تكفر من ينادى بالديموقراطية والانتخابات، وكونهم غيروا فكرهم الآن أو زعموا أنهم غيروا فكرهم، وهذا ليس معناه أننا لا نتعلم من الدرس وأ تعيد صياغة هذه التجربة بأمانة أو شرف حتى يتعلم الناس.
* وماذا عن رد فعلهم على عمل يظهر أخطاءهم أو يعيرهم أمام المجتمع؟
- أى رد فعل لأى عمل يعرى تجربة بالتأكيد سيكون الرفض ولكن نحن مستمرون ومستندون على حقنا الديموقراطى فى التعبير عن أنفسنا ولا نقصد أن نهين أحدا ولكن غرضنا هو أن نعلن عبر الوسيلة الوحيدة التى نجدها أن نعلن آراءنا وأن نكشف آراء الآخرين بشكل بعيد عن التجريح ولكن فيه فن وثقافة وإبداع.
* أيضاً بعد إعلان «خالد يوسف» مؤخراً عن نيته فى تقديم رواية «أولاد حارتنا» فى عمل سينمائى ألا تعتبرون هذا استفزازاً صريحاً من المبدعين إلى الجماعة؟
- لا نحن لا نستفز أحدا ولا ؟؟؟ أحداً ففيلم «الدنيا أحلى من الجنة» مشروع يراودنى من قبل الثورة، وأعتقد أن خالد يوسف أيضاً مشروع «أولاد حارتنا» كان فى مخيلته من فترة وليس هذان الموضوعان فقط، ولكن نحن كمبدعين لدينا مشاريع كثيرة جداً وسنظل نعبر عن آرائنا ونكده ونعلن كراهيتنا لإقحام الدين العظيم المطلق فى السياسة التى هى نسبية والتى هى رأى الناس ا لمتغير وأن إقحام الدين فى السياسة يضر الاثنين معاً.
* ماذا عن تقديمك السيرة الذاتية «للإمام محمد عبده» فى هذا التوقيت؟
- لأن الإمام محمد عبده كان يطرح رؤية للدين وهو كان شيخا للأزهر مناهضا تماماً لكل الرؤى المختلفة المطروحة أمامنا الآن، ونحن بحاجة إلى أن نقول أن فى أوائل القرن الماضى كانت هناك رؤى شديدة الاستنارة للدين الإسلامى العظيم وأن هذه الرؤى كانت ممكنة ولم يكن أحد يستطيع أن ينكرها على شيخ الأزهر نفسه، ومن هنا أحاول أن أقول أننا علينا أن نتعلم من تاريخنا وألا نعقد تاريخنا من أجل مجموعة من الوهابيين الذين يريدون تطبيق سياسات بدوية وكأن مصر لم تشهد أى نوع من أنواع الحضارة، وكأن مصر صحراء جرداء ليس بها مثقفون ولا متعلمون ولا فقهاء ويريدون أن يهبطوا علينا كالجراد من بلاد الصحراء.
* كيف ستوازن الفترة القادمة ما بين منصبك الوظيفى وعملك كمخرج؟
- أنا نهاية عملى الحكومى سيكون فى شهر أغسطس وأنا لا أعتقد أنه سيتم تجديده وسأعود مرة أخرى لعملى كمخرج وعملى الذى أحبه وأبدع فيه.
* ماذا عن مشروع مركز «شبابيك» الثقافى وكيف جاءت الفكرة فى البداية؟
- الفكرة بدأت مع الصديقة ضحى العاصى كتجربة صغيرة وأنا تحمست لها جداً وبتوفير المكان قمنا بالتنفيذ وهدفنا بالأساس هو فتح منافذ لحرية التعبير لكل المثقفين المصريين.
* هل تحتاج الآن لمثل هذه المشاريع الثقافية الخاصة لمواجهة الفكر الظلامى المنتشر الآن؟
- هذا مشروع ثقافى متنوع المجالات يستضيف جميع التيارات السياسية والفنية ولا يخضع لأى تربيطات حزبية ضيقة أو مغلقة، ونحن لا نعرف كيف يكون دور الحكومة فى السنوات القادمة والحكومة القادمة عليها مئات علامات الاستفهام ولا نعرف من الذى سيستطيع تغيير التركيبة الحكومية، لكن نحن نراهن على المجتمع المدنى الثقافى فهو القادر على صياغة أفكار جديدة ومبدعة ومتجددة ومقاومة للتيارات الظلامية القادمة.
* هل أنت متفائل أم متشائم؟
- الاثنان معاً فالتفاؤل بدون أساس مضر جداً والتشاؤم غير عملى، ونحن مادمنا أجسادا، ولدينا أفكار لمقاومة هذه الفاشية الدينية القادمة وسننتصر، ولكن المعركة ستكون طويلة ويجب ألا نركن إلى أنفسنا ونعمل على تكوين ائتلافات قوية من المثقفين حتى لا تؤكل كما يؤكل الثور الأبيض