أوروبا لم تنهض إلا بعد إخراج الكنيسة من لعبة السياسة.. وهذا درس التاريخ لنا. لا تنخدعوا بالقشرة الهشة من الشباب الذى يتعامل مع الإنترنت.. فالأغلبية ارتدت فكريًا إلى مرحلة ما بعد الثورة.
«راضٍ عن كامل مشوارى ولكن الكثير من أحلامى لم تتحقق ومازلت أنتظر».. هكذا يلخص المخرج الكبير سمير سيف مشواره السينمائى الذى امتد نحو 42 عاما بالتزامن مع تكريمه فى مهرجان الإسكندرية السينمائى. فالمخرج صاحب أفلام «الغول، معالى الوزير، ديل السمكة، المولد» وغيرها لايزال يحلم بخطوات أخرى. التكريم يعنى أن هناك من يقدر مجهودك.. لكنه أيضا رسالة ملخصها «إنت كده كبرت»
بدأ مشواره عام 69 كمساعد لشادى عبدالسلام فى «الفلاح البسيط» يحلم الآن بأن يحمل كاميرته ويستأنف الغوص بها فى أعماق التاريخ المصرى القديم، يبحث عن دراما ليست كغيرها من الدراما الحالية، ويؤكد أن هذا حلم لم يحققه حتى الآن، يتمسك بموقفه الثابت بعدم المساس بثورة 25 يناير سينمائيا قبل أن تتضح الأمور كاملة أمامه متخذا نجيب محفوظ فى ذلك إماما عندما توقف 5 سنوات عن الكتابة قبل أن يرى الثورة بقلمه.
فى البداية تحدث سمير سيف عن تكريمه بمهرجان الاسكندرية، وقال ل«الشروق»: هذا هو التكريم الثانى فى مشوارى بعد التكريم من مهرجان المركز القومى للسينما المصرية العام الماضى، وأشعر أن للتكريم جانبين الأول إيجابى ويعنى أن هناك من ينظر بعين التقدير والعرفان لما تقدمه والآخر سلبى ضاحكا لما يحمله فى باطنه من معنى يقول «أنت كده كبرت وكده تمام عليك».
● إلى أى مدى يشعر سمير سيف بالرضا عن مشواره حتى الآن؟ إلى حد كبير جدا وبنسبة لا يستهان بها.. فلحسن الحظ ومنذ سن مبكرة تكونت لدى بعض الأفكار والآراء والمعتقدات التى ظلت ملازمة لى طول حياتى وشكلت مشوارى الذى أشعر بالرضا شبه الكامل عنه.
● وماذا عن الأحلام التى لم تستطع تحقيقها حتى الآن؟ اعترف بأنها كثيرة.. ومعظمها أعمال فنية أتمنى أن تسمح لى الحياة بتحقيقها خاصة تلك التى تتعلق بالتاريخ المصرى وعلاقة الدولة المصرية بالدول الأخرى، وهى حقائق ووقائع لم يلتفت لها أحد من قبل.
● هل هناك أمثلة؟ مثلا أحلم بإخراج فيلم عن فرقة الجيش المصرية التى أرسلها الخديو إسماعيل إلى أمريكا كى تحارب مع الجيش الامريكى ضد المكسيك، وتغرينى تساؤلات عديدة جدا حول مصير هؤلاء.. وكيف عاشوا وتزوجوا وهل أنجبوا وما مصير أبنائهم؟.. وأشعر بأن خلف هذا التاريخ عملا فنيا مبهرا فضلا عن كونها منطقة مظلمة تاريخيا بالنسبة لكثيرين من المصريين.
● ألم تغرك الثورة المصرية بأى عمل؟ موقفى مثل كثير من المبدعين المصريين.. أنتظر لاستوعب ولكن إن فكرت فى عمل فسأفكر بوجهة نظر مختلفة.. فأول أفلام الثورة «18 يوم» تحدث عن المعاناة والشباب والتحرير ولكن وجهة نظرى إذا أردت صناعة فيلم الآن فسيقوم على ما الذى حدث فى الجانب الآخر من الثورة داخل أروقة القصر الجمهورى والمجلس العسكرى.. وأتخيل الصراعات بين الولاء للحكم والوقوف ضد الشعب أو معه والاتصالات والاجتماعات وبيوت هؤلاء القادة وماذا دار بها وكل تلك التفاصيل التى تخلق دراما طازجة.
● وهل يمكن إخراج هذا العمل الآن خاصة فى ظل غياب أى تفاصيل أو معلومات عما تتحدث عنه؟ فى تلك المرحلة صعب جدا وفى خضم تلك الأحداث لن يخرج عمل حقيقى له ثقل ولكن سوف تخرج أعمال تستغل الموقف مثل كتب الأحداث السائدة فى الصحافة التى تخرج بعد أزمة أو حدث مهم، ولكن العمل الجيد هو العمل الذى يرجع للخلف ويستقرأ الأحداث بعد فترة كافية من الثورة وأتذكر هنا نجيب محفوظ الذى توقف عن الكتابة كلية بعد ثورة يوليو لمدة خمس سنوات وبعدها بدأ يكتب روايات مثل «الشحات» وغيرها.
● هل يمكن أن تقدم تصورا لقادم الأيام فى مصر؟ أنا أشبه ما حدث بانتفاضة الطلاب فى فرنسا وأوروبا عام 1968 عندما وقعت أحداث مشابهه ولم تكن لها زعامة واضحة إلا بعض الزعامات الصغيرة، ولم تستطع تلك الحركة إسقاط نظم الحكم ولكن غيرت السياسات لكل المؤسسات الحاكمة والمنظمة لمجتمعاتهم وحققت نقلة نوعية للحياة فى أوروبا وجددت الدماء المغذية للحياة هناك.
كما أن هناك أشياء كثيرة لا أشعر بالرضا عنها.. صحيح أن مناخ الحرية أفرز أشياء جيدة ولكن الخوف من أن تأتى ممارسات تلك الحرية بعكس ما تريد الثورة فنكون معرضين لأن يحكمنا ديكتاتور أصعب من سلفه باسم الديمقراطية كالتى أتت بهتلر.
● هل تلمح إلى مخاوف من اعتلاء التيارات الدينية السلطة؟ المخاوف موجودة بالطبع ولست أنا فقط من أعبر عنها.. وهذا لا يعنى خوفا من الإسلام بعينه ولكن أيا كانت القوة الدينية التى تمارس السياسة أو التيار السياسى الذى يتمسح بالدين فهذا خطير للغاية وطوال التاريخ لم تكن يوما فى صالح المجتمعات ولم تحدث نهضة فى أوروبا الا عندما خرجت الكنيسة من الحكم والسياسة وهذا درس التاريخ لنا.
● ولكن ألا تحمل مخاوف أيضا من استمرار حكم العسكر؟ قرأت مقالا ليوسف زيدان تحدث فيه عن حكم العسكر ذكر فيه أن العسكر لا يتركون الحكم أبدا منذ أيام صلاح الدين وحتى ما قبله.. ولكنى أرى أن الأمر ليس مرهونا بإرادة المجلس أو بارادة الناس ولكن بإرادة قوى إقليمية ودولية.. وأنا لا أريد أن أرتدى زى السياسى ولكن هناك اللاعبين خلف الستار وهناك مصالح كثيرة يمكن أن تتبدد ولذا أتحدث كفرد من الجمهور بما يراه ويشعر به.
● مع مراجعة سريعة لأعمالك استوقفتنى أفكار بعضها ومدى تلاقيها مع الوضع الحالى ومنها مثلا «الغول».. فهل ترى أن الشعب سيحتاج إلى الخروج يوما ما بنفسه للانتقام لحقوقه مثلما فعل بطل الفيلم؟ العبث بالقانون والسيطرة عليه من قبل البعض سيدفع المظلوم لأخذ حقه بالقوة وهذا لن يتغير للأبد طوال التاريخ.
● فى «سوق المتعة» لم يستطع البطل العودة إلى حياته الطبيعية بعد سنوات السجن الطويلة.. فهل ترى أن الشعب قادر على العودة للحياة الطبيعية بعد سنوات طويلة من الفساد والجهل؟ أحد أسباب قبولى هذا العمل هو أنه يمكن تفسيره عدة تفسيرات منها هذا الذى تذكره.. وهذا يدفعنى للقول أنه من الصعب بين يوم وليلة أن نصبح شعبا ديمقراطيا حرا متقدما متقبلا للآخر بسهولة.. فالديمقراطية ليست فى صندوق الانتخابات بل على العكس هذه آخر مشاهد الديمقراطية.. فى البداية هى سلوك وممارسة يترجم فى النهاية فى الصندوق وإذا الشعب لم يدرك مصيره جيدا ويتثقف بشكل كافٍ قد تصبح الديمقراطية وبالا عليه.
● وهل نحن فى حاجة للزعيم المنتظر ليخلصنا من كل أزماتنا كما فعل «شمس الزناتى»؟ الشعب القوى لا يحتاج إلى زعيم قوى.. ولهذا لا تجد بين الشعوب الحديثة ما يسمى الزعيم الملهم أو الأسطورة، وآخر ما أتذكره هو شارل ديجول ولذا عندما تنمو الشعوب تحتاج إلى زعيم «أدارجى» جيد فقط ينفذ ما تريده هى ولا تنتظر قراراته.
● وكيف ترانا نحن من وجهة نظرك بعد ما أحدثه الشباب من تغيير أظهر ثقافة مختلفة للشعب المصرى؟ لا تنخدع بالقشرة المثقفة التى تتعامل مع الانترنت والثقافة.. هذه طبقة بالنسبة لى تعد قشرة هشة ولا يتجاوز سمكها 2% والباقى ارتد إلى ما قبل الثورة فكريا.. الشعب لا يكون فى حاجة إلى مخلص عندما تتحول النسبة الواعية من 2% إلى70% وفكرة المخلص احتمالاتها أكبر بالنسبة لنا.
● بالعودة إلى للسينما.. ما المخرج من الأزمة التى تعانيها منذ فترة فكريا وإنتاجيا؟ التغيير لا يأتى بقرارت فوقية.. هذه أشياء تحدث وحدها، وبعد الثورة ستجد فيلم ك«شارع الهرم»، كما قيل عنه كان بمثابة استفتاء شعبى على إحساس الناس بالزهق من الجدل السياسى الدائر الآن.. والسينما هى إفراز اجتماعى وتعبير كامل عن أفكار وتيارات ومستوى حضارى للأمم، وأنا شخصيا من المؤمنين بالنخبة القائدة المستنيرة التى تستطيع التغيير والارتقاء مع الوقت.
● ولكن النخبة السينمائية الحقيقة الآن تقريبا لا تعمل؟ وهذا هو السبب فيما نراه على الساحة من تراجع لمستوى الفنون.. وعندما تتشكل نخبة جديدة ستتغير الصورة.. وللعلم النخبة لا تصنع وتجمع ولكنها إفرازها هو الذى يشكل الشكل العام للسينما والفنون.. ولنا فى الخواجة أسوة بتقديمه سينما ممتعة ولكن ليست خاوية.