مكتبة الإسكندرية .. اختتمت أول أمس دورة مؤتمر الإسكندرية الأولي للسرديات .. عنوان الدورة "القصة القصيرة جداً". الاسم مترجم . وربما لهذا جري استعماله من المبدعين والنقاد . متناسين أن الرائد الراحل محمود تيمور اختار له - منذ عقود - اسم الأقصوصة. المؤتمر في تقدير د. خالد عزب - يأتي كأولي ثمار التعاون بين مختبر السرديات والرابطة العربية للقصة القصيرة جدا بالمغرب . شارك فيه مبدعون ونقاد من مصر والمغرب وتونس وسوريا وفلسطين والسعودية واليمن وعمان وليبيا والأردن. كما شارك كل من شريف سمير وطارق إمام الحائزين علي جائزة متحف الكلمة العالمية القصيرة جدا في المؤتمر. وكما قال منير عتيبة المشرف علي مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية فإن اللجنة المنظمة للمؤتمر حرصت علي التواصل مع الفائزين ودعوتهما لتكريمهما خلال فعاليات المؤتمر . مضيفا أن مصر استطاعت الحصول علي جائزة متحف الكلمة العالمية لعاميين متتالين وهو ما يشير إلي الاهتمام الإبداعي بهذا الفن في مصر . بعد أن فرض نفسه بقوة علي الساحة الأدبية العالمية . كما أنه كرم مبدعا سكندريا وعربيا كبيرا هو الأديب مصطفي نصر بإطلاق اسمه علي الدورة الأول للمؤتمر الذي يطمح أن يكون سنوياً. حاولت أبحاث المؤتمر - والقول للدكتور هيثم الحاج علي - سبر أغوار نوع لم يتم التنظير له من قبل . أو التعرض له - إلا فيما ندر - بالدرس التحليلي النقدي . لذلك فإن محاور المؤتمر انقسمت إلي جزء تنظيري . عني بنظرية النوع. ومحور تأريخي اهتم بالتتبع العلمي لتاريخ هذا النوع وتطوره في ذاته . وتأثره بالوسائط التي تنقله للمتلفي . أما المحور الثالث فقد اهتم بالتحليل التطبيقي لنصوص من هذا النوع . بحيث عرضنا لقضية مهمة دون تفريط أو إفراط ويعرض لكثير من الآراء المناهضة لفكرة النوع الجديد. سعياً لوضع أساس جديد لرؤية نوع جديد. عن تقنيات القصة القصيرة جداً وتقنياتها. قال د. أحمد جاسم الحسين إن القصة القصيرة جداً تحتمل الكثير من المرونة . ويمكن أن تتحول بعض التقنيات إلي أركان . محفز للدال والمدلول . وباعث للحياة في أرجاء النص المختلفة . إضافة إلي أنها تسهم بصورة منقطعة النظير في تشكيل خصائص النص . ومنحه المزيد من العمق والجدة والابتكار والإدهاش . وكل ما سبق يجعل لها أهمية خاصة . ويدعو لضرورة التعرف إليها في بنيتها وتشكلها . خشية أن تصير عبئاً حين تكون متكلفة ناشرة عن روح النص وإيقاعه. وتحدث الناقد سيد الوكيل عن السمات المميزة للقصة القصيرة جداً . فأشار إلي أنها تهتم كثيراً بالرؤية وزاوية النظر للموضوع . وهو يدخل في التصميم التقني لبناء النص . وهذا ينعكس - بطبيعة الحال - علي الشكل الذي يبدو أكثر إثارة لاهتمام كتاب القصة القصيرة جداً . من حيث الاقتصاد اللغوي والدلالي . حتي أن البعض يشترط ألا تزيد القصة القصيرة علي خمسين كلمة . وكلما كان عدد كلماتها أقل . وكلما كانت أكثر اقتصاداً في دلالتها وأقل تشابكاً في معانيها تكون أدق إصابة في تأكيد شروطها الشكلية . غير أن هذا التقتير في تحديد هوية القصة القصيرة جداً يجب ألا يذهب بها بعيداً لتخرج عن قيمة التشكيل السردي . ويبدو أن أسلم الطرق لتحقيق هذا التوازن بين اقتصاد الشكل وثراء التشكيل . هو الاشتغال التقني الدقيق والمميز علي زمن السرد . وهو اشتغال شاق يستهدف الوقوف علي زاوية النظر الأشد مناسبة لعرض وجهة النظر . أو الرؤية الكلية للحكاية . هذا التصميم التقني لحساب زمن السرد هو - من وجهة نظرنا- كلمة السر في بناء قصة قصيرة جداً . فكاتب القصة القصيرة . عليه أن يعي اللحظة الزمنية القادرة علي احتواء حكايته ليضمن البناء المكثف لها. وأشار الناقد والأكاديمي السعودي معجب العدواني إلي خروج المبدعين العرب بكتاباتهم المتنوعة عن أوعية النشر التقليدية إلي أوعية نشر حديثة هيأتها لهم وسائل الاتصال الجديدة . ولما كان أبرز تلك الأوعية مواقع التواصل الاجتماعي . وتحديداً "تويتر" فإن نصوصهم نحت إلي التكليف . استجابة لشيوع وسائل الإعلام الجديد . وتنوع قنواته . ومن ثم اختلاف مساحة المكتوب المخصصة للنصوص المكتوبة فيها . وتحديدها اضطراراً في بعض تلك القنوات . ولعل اختلاف تلك القنوات قد أوجد للكتابة الإبداعية منابر ميسرة . تشي بحرية المبدع ونصه . بيعداً عن سطوة الرقيب وسلطة أوعية النشر التقليدية . فتهيأت لهؤلاء المبدعين فرصاً ثمينة جديدة . لأنها تصل إلي أعداد من القراء لايمكن الاستهانة بها . ولايمكن مقارنتها بغيرها . إلي جانب رفع الجهد والمشقة عن المبدعين . فكان لهذه المواقع دورها . وتنامي أثرها علي الكتابة الإبداعية. وفي مداختله أكد د. جميل حمداوي أن القصة القصيرة جداً عرفت وطننا العربي مجموعة من الكتابات النقدية التي تناولت قضايا مختلفة . تتعلق بهدا الجنس الأدبي الجديد الذي ظهر في أمريكا اللاتينية منذ منتصف القرن العشرين . وعرفه وطننا العربي في السبعينيات . ومن بين القضايا النقدية التي اهتم بها نقد القصة القصيرة جداً . ما يتعلق بالتجنيس والتأريخ والتوثيق والأرشفة . وما يرتبط بالجوانب الدلالية والتداولية. وما يخص الجوانب الفنية والجمالية والأسلوبية . دون أن ننسي جرد العوائق والهموم التي كانت تحول دون كتابة قصة قصيرة جداً بالمفهوم الحقيقي لهذا الفن. وإجابة عن السؤال : هل يمكن اعتبار القصة القصيرة جداً نوعاً أدبياً قائماً بذاته ؟ أو تحولاً من تحولات الكتابة الفصصية . وشكلاً من أشكالها التعبيرية .. قال د. محمود الضبع : علي الرغم من هيمنة فكرة التداخل النوعي . وهدم الحدود الفاصلة بين الأنواع الأدبية . وإعلان سقوط التمييز بين هذه الأنواع . فإن الوعي العربي سيظل محتكماً إلي هيمنة فكر التصنيف . فلكل نوع أدبي جمالياته الإنتاجية . وعندما يحدث العبور النوعي فإنما يكون بمقتضيات جمالية قد يصنعها النص الجديد . لكن يظل الكشف عن مدي تحققها بإعادتها إلي منبعها الأصلي . ولعله من المتفق عليه أنه كل عمل أدبي مواضعاته الفنية . التي لايمكن الاستغناء عنها . فهل يمكن - علي سبيل المثال - أن تكون هناك قصة قصيرة بدون أحداث . أو شعر دون تصوير . أو مسرح بدون شخصيات ؟ وتناول بحث د. زينب العسال فن القصة القصيرة كنوع أدبي ظهر متأخراً عن الفنون السردية الأخري . ومدي صلابته . أو مرونته . من حيث التفاعل. يري البعض أن السبعينيات هي الوقت الذي ظهرت فيه كتابات مثل القصة القصيرة الأمثولة . القصة القصيرة الحلم . أسطرة القصة القصيرة . كما أرجع البعض ظهور القصة القصيرة جداً إلي جبران خليل جبران . وثمة تنويعات علي القصة القصيرة جداً من خلال إبداعات نجيب محفوظ في أحلام فترة النقاهة . وأيضاً زكريا تامر ومريم فرج ومحمد خضير ومحمد المخزنجي ومحمد زفزاف وسلمي مطر يوسف. وتوقف د. أحمد فرع عن جوانب طريفة في خصائص القصة القصيرة جداً . فقد سميت القصة القصيرة جداً . واللواحات القصصية . والمومضات القصصية . والبورتريهات . والمقاطع القصصية . والمشاهد القصصية . والفقرات القصصية . والأقصوصة . والملامح القصصية . والخواطر القصصية . والإيحاءات . والقصة اللقطة . والكبسولة . والقصة البرقية . والقصص المختصرة أو المختزلة . وغيرها. وشبه القاص والناقد محمد عطية محمود القصة القصيرة جداً بأنها مثل كرة اللهب الحارقة . فهي فن سردي يستعصي علي التنميط والقولبة علي مستوي الشكل أو المضمون . من هنا تأتي إشكالية وجودها بين حدين متناقضين من سبل التعامل معها . سواء علي مستوي الإبداع أم التلقي . فما بين الوعي بالفن القصصي وتاريخه وتطوراته وانقلاباته الهائلة وتجليات مبدعيه . حتي الوصول إلي أهمية النص القصصي. مكنت هذا الفن من حمل لواء التأريخ أو التجسيد للواقع . فما بالنا ونحن بصدد واقع يسم كل شيء بسمات تشظيه . ويحتاج كل شيء . يفتت كل المعاني الكبيرة إلي مئات من المعاني الصغيرة التي استوعبتها - بجدارة - فنية القصة القصيرة بعموميتها وبأشكالها المتعددة والمتجددة . وتناول الباحث نصوصاً لثلاث مجموعات قصصية جداً لوائل وجدي من مصر . وسمير الشريف من الأردن . ومحمد البشير من السعودية. وعرض د. ثائر العذاري لقصص منير عتيبة . وذهب إلي أنها تستجيب تماماً لمقولة إن القصة القصيرة جداً لن أبوه الشعر . وأمه القصة القصيرة . لقد استطاعت قصص عتيبة أن تستجب تماماً لهذه الرؤية بحيث يسهل علي القارئ أن يكتشف أنه أمام قطعة نثرية تشاكسه بلغتها . فقد استطاعت أن تقول له أشياء كثيرة لا تدل عليها الكلمات المكونة للنص . ومن هنا يبرز التساؤل المهم الذي تحاول هذه الورقة مناقشته . كيف تمكنت اللغة أن توصل تلك المعلومات التي تقع فيما وراء الكلمات؟ أما د. محمد عبدالحميد خليفة . فقد تناول القصة القصيرة جداً عند ثلاث مبدعات سكندريات : آمال الشاذلي وهناء عبدالهادي وصابرين الصباغ . حاولت كل منهن التعبير عن مواقف ذاتية . ومشاهد إنسانية . وانفعالات شخصية وحلمية . مستخدمة مت تمنحها لها اللغة من قدرة علي التركيز والتكثيف . إلي جانب التعبير المجازي والشعري في عبارة محكمة . لها إيقاعها الشعري وتصويرها البلاغي. ولأن القصة القصيرة جداً فن لم يكتسب ملامحه تماماً . أو لم يستقر في كتابات المبدعين ووعيهم علي شكل محدد . فقد اختلفت آراء المشاركين في المؤتمر . إلي حد التضاد . ساعد علي ذلك كثرة عدد المشاركين. وتوزع فهمهم للقصة القصيرة جداً . كل يحاول أن يطوع المعني بقدر ما يعبر به . وربما بقدر ما تواتيه موهبته . وإن دخل الكثيرون الحلبة بعد أن أعدوا أنفسهم جيداً . ولعلنا نشير إلي شوقي بدر يوسف . د. أحمد جاسم الحسين . أميرة عبدالشافي . د. يوسف حطيني . مصطفي لغتيري . وغيرهم. الميزة الأهم أن مؤتمراً خصص جلساته لمناقشة فن أدبي جديد حديث . وحاول المشاركون أن يتبينوا جذوره . ويتعرفوا إلي ما طرحه من ثمار.