خلال أسبوعين فقط أصدرت الحكومة عدة قرارات متناقضة ومتعارضة حول محصول الأرز الذي يعد واحداً من أهم المحاصيل الاستراتيجية ففي مطلع نوفمبر الماضي قامت اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء بإعداد دراسة أكدت من خلالها جدوي تصدير الفائض من الأرز والذي يتراوح بين 800 ألف ومليون طن بحسب بيانات الحكومة ويدر علي الخزانة إيرادات متوقعة بحوالي ملياري جنيه وعليه أعلنت وزارة التجارة والصناعة عن مزايدة لتصدير نحو 100 ألف طن من الأرز لموسم 2013/2014 مقابل رسم صادر قيمته ألف جنيه فضلاً عن قيمة رخصة التصدير وبالفعل تقدم للمزايدة التي عقدت في 10 نوفمبر الماضي أكثر من 130 شركة ثم أعلنت الوزارة عن فوز 39 شركة وبعد أقل من أسبوع علي إعلان النتيجة فوجئ الجميع بقرار حكومي يلغي القرار الحكومي السابق عليه ويوقف عملية تصدير الأرز. قرار السماح بالتصدير تبنته وزارة التجارة والصناعة وقرار وقف التصدير تبنته وزارة التموين أما رئيس الوزراء حازم الببلاوي فقد تبني القرارين معاً!! الطرف الأول وهو وزير التجارة والصناعة منير فخري عبدالنور دافع عن قراره مؤكداً أن السماح بتصدير الكميات الفائضة من محصول الأرز جاء بعد الوفاء باحتياجات السوق المحلي ووفقاً لقواعد وشروط محددة تضمن استقرار السوق المحلية وذلك من خلال التوازن بين العرض والطلب وقال عبدالنور إن القرار يستهدف الاستفادة من الميزة النسبية للأرز المصري في الأسواق الخارجية واستغلال ارتفاع أسعاره عالمياً وهو ما يسهم في تحقيق عائد أكبر للفلاح المصري وزيادة ربحيته مشيراً إلي أن التصدير يتم من خلال آلية المزايدة التي تتمتع بالشفافية. أما الدكتور محمد أبوشادي وزير التموين والتجارة الداخلية فقال إنه اتفق مع الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء علي عدم فتح باب تصدير الأرز للخارج إلا بعد توفير كافة احتياجات البطاقات التموينية من الأرز والتي تصل إلي مليون و400 ألف طن سنوياً وأيضاً سد احتياجات السوق المحلية خاصة بعد تحرك أسعار الأرز المحلية علي خلفية الإعلان عن المزايدة وفقاً لما أكده موردو الأرز التمويني وشركة الصناعات الغذائية. كان موردو أرز التموين قد أكدوا زيادة أسعار الأرز الشعير بالسوق المحلي بنحو 500 جنيه في الطن حيث ارتفع سعر طن أرز الشعير من 1700 جنيه إلي 2200 جنيه وهو ما يهدد بعدم تمكنهم بتدبير الأرز الذي تم التعاقد عليه مع الهيئة العامة للسلع التموينية خلال شهري نوفمبر وديسمبر والمخصص للبطاقات التموينية وهو حوالي 200 ألف طن أرز. أما مصدرو الأرز فقد أعلنوا تضررهم من قرار وقف تصدير الأرز بعد إعلان نتائج مزايدة وزارة التجارة والصناعة وفي اجتماع لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال المصريين برئاسة مصطفي النجاري قال المصدرون إن باب التصدير تم فتح بناء علي دراسات تؤكد وجود فائض وهذا الفائض في حالة عدم تصديره سيؤدي إلي انخفاض كبير في سعرر الأرز ليصل إلي أقل من تكلفته علي المزارع مما يدفعه إلي "دشت" الأرز وتقديمه علف للمواشي كما حدث الموسم الماضي وبما يؤدي إلي عدم أقدام المزارعين علي زراعة الأرز في الموسم الجديد وذلك بحسب يسري دسوقي مصدر والذي يشيرر إلي وجود فائض في إنتاج الأرز يقدر بحوالي 800 ألف طن فيما بلغ الإنتاج للموسم الحالي نحو 7 ملايين طن. قال دسوقي إن وجود فائض في السوق يؤدي إلي تدهور الأسعار بما يضر بالفلاح مشيراً إلي أن أسعار طن الشعير حالياً يتراوح بين 1850 و1950 للطن وهو ما يغطي بالكاد تكلفة الزراعة وأي أسعار أقل من ذلك تحقق خسائر للمزارعين. انتقد محمد عبدالمنعم رئيس شركة النور للتنمية الزراعية والغذائية تخبط السياسات الحكومية. مشيراً إلي وجود فائض في الإنتاج يصل إلي مليون طن ويمكن تصدير حتي 50% من هذا الفائض الذي يمثل مزيد من العرض في مواجهة طلب ثابت وطالب عبدالمنعم الحكومة بوضع حد أدني لأسعار الشراء من المنتجين حتي لا يضار مزارعي الأرز. يري المهندس مصطفي النجاري رئيس لجنة الأرز في المجلس التصديري للسلع الزراعية ورئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال ان قرار وقف التصدير بعد عمل المزاد وتعاقد المصدرين مع المستوردين الأجانب يمثل رسالة سلبية عن سياسات التصدير في مصر مشيراً إلي أن الهجوم علي مزايدة التصدير تحكمه مصالح شخصية خاصة أن موردي الأرز التمويني يريدون ربط التصدير بالتوحيد المحلي ليسيطروا علي المسوقين المحلي والخارجي معاً. يفند عمر دروبي المدير العام بشركة مضارب أرز شكاوي موردي الأرز التمويني من ارتفاع الأسعار في أعقاب الإعلان عن مزايدة التصدير مشيراً إلي أن شروط مناقصات الأرز تشترط أن تكون جميع الكميات المتعاقد عليها "بضاعة حاضرة" طرف المورد أي أن المورد اشتري الأرز بالفعل وفقاً للشروط هذا بخلاف أن صنف الأرز التمويني يختلف تماماً عن أصناف التصدير ولكل ظروف سوقية مستقلة. بحسب حسن مكاوي مصدر فإن الأرز صناعة وليس زراعة فقط فهناك مضارب ونقل وتعبئة وعمالة مشيراً إلي انخفاض أسعار الأرز الشعير بنحو 200 جنيه للطن بما يضر المزارعين. يؤكد عمرو الرفاعي مدير عام شركة صناعات غذائية أن وزارة التموين حولت مزايدات الأرز التمويني إلي ممارسات تفرض من خلالها سعر منخفض علي الموردين ويكون ذلك علي حساب جودة الأرز التمويني فالمورد يشتري نوعيات سيئة مقابل سعر أقل والمستهلك هو المتضرر في النهاية ويري عمرو أن أي زيادة في دعم الأرز يقابله موارد أكبر بكثير للدولة نتيجة التصدير. بينما يعترف مصطفي بظاظو بشركة ويكليكس للتصدير والاستيراد بارتفاع أسعار الارز بعد الإعلان عن مزايدة التصدير بنسبة 10% وهو ما دفع وزارة التموين لطلب وقف المزايدة من رئيس الوزراء لارتفاع عبء دعم الارز التمويني. أكد عمرو الرفاعي أن الزيادة لم تتجاوز 5.2% ثم استقرت الاسعار بعد ذلك من جانبها تقدمت الشعبة العامة للمصدرين باتحاد الغرف التجارية بمذكرة لرئيس الوزراء تطالب بإعادة النظر في قرار وقف التصدير وقال الدكتور شريف الحبلي رئيس اللجنة أن تضارب قرارات الحكومة يؤدي إلي آثار سلبية. لافتا إلي أن الشركات التي رست عليها المزايدة قامت بالتعاقد مع عملائها بالخارج كما قامت بشراء الخامات "الارز الشعير". قال إن طبيعة توريدات الارز التمويني للبطاقات تشوبه الكثير من السلبيات التي لا تضمن وصول الدعم لمستحقيه مؤكدا أنه ليس من المصلحة وقف التصدير استنادا علي تعثر بعض الموردين الذين نقضوا تعاقداتهم برغم التزامهم وقت التعاقد ان بضائعهم حاضرة. بينما يطالب بعض موردي الارز التمويني بربط الحصول علي رخص التصدير بتوريد ارز التموين. يؤكد مصدرو الارز ان هذا النظام تم تطبيقه منذ سنوات واثبت فشله بعد ان خلق سوقا واسعا للتجارة في رخص التصدير. من جانبه يقول أحمد يحيي رئيس شعبة البقالة باتحاد الغرف التجارية ان حالة التخبط والتضارب التي تشوب قرارات الحكومة تضر بالسوق بصورة كبيرة مشيرا إلي أن بيانات الحكومة ينقصها الشفافية والدقة. فارق ام انتاج الارز والفائض غير دقيقة وهو ما ساهم في الازمة الحالية في سوق الارز. أكد يحيي ان اسعار الارز شهدت زيادة بالفعل بنسبة 10% بعد الاعلان عن مزايدة التصدير ثم عادت الاسعار الي طبيعتها حاليا ليتراوح سعر البيع للارز السائب بين 375 و450 قرشا للكيلو بينما يتراوح سعر المعبأ بين 450 و500 قرش وهي نفس معدلات اسعار الموسم الماضي. يري يحيي أن التنسيق بين مواقف وزراء الحكومة والإعلان بشفافية عن كافة بيانات الانتاج والفائض والكميات المخصصة للتصدير كانت كفيلة بعدم حدوث أي تحرك للسوق لافتا إلي أن الأوضاع الحالية يشوبها الاضطراب ما بين تخزين للارز وبين تهريب له فضلا عن الفساد الذي يشوب منظومة الدعم لتصل اسوأ السلع إلي المستهلك الذي يكون هو الضحية في النهاية. في الوقت الذي تعارضت فيه المصالح بين الموردين المحليين وبين مصدري الارز. وتضاربت فيه السياسات بين وزارتي التجارة والتموين. خسرت خزانة الدولة وخسر المستهلك وخسر الفلاح. فقد ارتفعت بالفعل أسعار بيع الارز للمستهلك العادي. ولم يستفد الفلاح من هذه الزيادة راحت للوسطاء فيما عجزت الدولة في إيجاد الآليات الكفيلة بسد الفجوة بين أسعار المضارب وأسعار السوق. بنفس القدر الذي عجزت فيه بتحسين جودة الارز التمويني.