لم يشأ الكاتب محمد الدسوقي في مجموعته القصصية الأولي "محاولة أخري للسقوط" والتي صدرت أوائل التسعينيات إلا أن يحقق بقصصه الواقعية أولي خطوات الحضور الأدبي عبر التوسل بالرمز إذ حملت هذه القصص في بواكيرها ملامح مبشرة لرصد انطباعي ألح علي صاحبه لأن يكتبه وفقاً لتلاقي بعض المشتركات التي فعلت عبر رؤيته التشكيل الذي جاءت عليه قصصه تلك في إطار ما انطوت عليه الذات من إمكانات إبداعية.. إلخ. غير أنه حول الانطباع في مجموعته الثانية "قراءة في وجه الحبيبة" الصادرة أواخر تسعينيات القرن الماضي إلي حالة هي أميل للتأمل الفلسفي والذي أعطي للانفعالات القصصية درجة أعلي من العمق في الرؤية والصياغة. ثم جاءت مجموعته الثالثة "وفيم أنت تفكر" الصادرة عام 2008 لتأخذ بعدها الفني والذي تشكل وظل قابعاً في الرؤية طويلاً قبل أن يخرج علي هذا النحو في نصوص لم تشأ هي الأخري إلا أن تتشكل في ثنائياتها عبر منزع فلسفي واضح الملامح ابتداء من العنوان "وفيم أنت تفكر" وهو ليس فقط دالاً في اختياره كعنوانا رآه الكاتب مختلفاً باعتباره عنواناً لإحدي أقاصيص المجموعة لكنه في تقديري عنوان لاقط للحظة الآنية وعاكس لاستمراريتها كما يفتح الأفق أمام الدلالة لكي تستكمل تشكيل عناصرها إضافة إلي أنه يمثل عتبة انتقال من التفكير إلي الاكتشاف وهو ما يعني أنه عنوان فاعل ومؤثر حتي وإن مال بدرجة ما للذهنية أكثر من ميله إلي الفنية. تقوم رؤية المجموعة علي بنية ثنائية لأقاصيص أميل للأبيجراما التي تنطوي رؤيتها علي مكاشفة الخوف مثلما جاء في ثنائية ليل ونهار وتحديداً أقصوصة تهيؤ أو في ثنائية تداعي وتحديداً في أقصوصة "وابن من" حيث يتبدي الحزن والضعف شبحاً ماثلاً لكن الكاتب في الثنائية الأولي وتحديداً في أقصوصة وانفعال يأخذنا إلي مكاشفة للازدواجية. ومن الملفت أن محمد الدسوقي حرص علي استمرار لزماته التي امتدت في كثير من قصصه في المجموعات الثلاث منها مثلاً ذلك الفأر والثقب الذي لاذ إليه بعد أن نجا من مخالب القطة مثلما جاء في أقصوصة "واجترار" وكأنه يجتر أو يستعيد قصة كانت بعنوان "الثقب" من مجموعة "محاولة أخري للسقوط". كما أن الثنائية ليست قاصرة علي التكامل الشكلي فيما بين نصين بل إنها تقوم إلي جانب ذلك علي تقابلية فيما بين الشخصيات كما بدا في الأقصوصة الأولي "تذوق" بين الذي يشرب الشاي وبين المرأة التي في الشرفة المقابلة أيضاً تقابلية الذات مع نفسها وما تنطوي عليه نفسياً كما نلحظ في أقصوصة تهيؤ كنت ما أزال واقفاً يتأملني ظلي المختبئ خلفي فوجئت بها أمامي تقف خلف ظلها في لحج ولهفة ابتعدت كتمت صرختي في حلقي وجسدي الذي لا يعي إلا نفسه ص.13 الصورة الثانية من نفس الأقصوصة ص14 غمرتني بقعة الضوء ساطعة فارتطم ظلي بالحائط مضي ظلها باتجاه ظلي يعينيني مغمضتين وذراعين تأهبتا للعناق طأطأت رأسي أتسمع دقات قلبي المتساقطة تحت قدمي وهمت به وهام بها لولا أن اهتزت بقعة الضوء فارتعش الظلان نفس الحال في أقصوصة "تربص". المرأة أيضاً إما حاضرة في السياق بشكل واقعي أو متخيل هو واحدة من لزمات القصة عند محمد الدسوقي ليست فقط في صورتها المألوفة بل في كونها دلالة تتشكل بها معالم الحياة النصية بين الحلم والواقع. كما أن المكان في قصص الدسوقي محدود غالباً ومحدد في غرفة مقبضة وموحشة لا يفرقها عن القبور سوي أن بها أشباه أحياء وهو ما يعني أنه مكان دلالي في إطار البعد التجريدي والذي عزف الكاتب من خلاله علي أوتار الألم لحنه الأثير مثلما جاء مثلاً في ثنائية تداعي والتي رصدت في غنائية مأساوية صورة الألم في ابن جاد الله قبل أن تتداعي ظلال تحوط الذات بأشجانها وهزائمها علي وهم إمكانية تغيير العالم.