الأشباح تعربد علي الطريق.. هي المجموعة القصصية الثانية للقاص الشاب حسام المقدم والتي نلاحظ فيها التقدم الذي طرأ علي كتابته بعد مجموعة "أحزان طفل" تجلي هذا التطور في محاولة حسام للالتحام بركب الكتابة الجديدة للقصة القصيرة. لا ترهل ولا معالجات مستهلكة ولا تعبيرات جاهزة . فهو هنا يحاول تلمس خطوات خاصة به . قصص مقطعة إلي مقاطع معنونة ومرقمة تكاد تجزم باستقلالية كل اقصوصه مقطع عن سابقتها.. حتي إذا ما انتهيت من القراءة فإنك تكتشف العلاقة الرابطة بينها وهو خيط الحياة الذي يربط الكيان الإنساني المتشظ جسداً وفكرا ودوراً في الحياة. كما يحاول اختراع نمط من القصص الرياضي إن صحت التسمية. يحاول كسر الملل وإدخال القارئ في أكبر عملية مشاركة وجدانية وفكرية كما في قصة "معادلات لها حل" وضع الكاتب المعادلات وكل ما قاله للقارئ أن معادلاته لها حل وليست مستغلقة. معادلات رياضية تشكل بناء القصة وهي طريقة يضع الكاتب فيها - عن وعي- كل اعتبارات الإجابة ولو بالمنطق المقلوب الذي يمكن أن يستعد له القارئ. ولا يفوت حسام المقدم - شأنه شأن كتاب جيله أن يعقد مقارنة سياسية بين الأجيال. هنا وقف من أبيه موقف المتحدي مرة والراصد مرة والمنتقد مرات. ظهر ذلك في قصة "تجليات زاعقة من زمن يناير" فالكاتب يتململ من كثرة أحاديث الأب عن الماضي أو عن ماضيه هو. الأب ينتشي بتلك الأحاديث "كان يمد يده إلي النجيمات البعيدة. ويقبض عليها برفق فتشع نوراً يتضح علي تقاسيم وجهه.." ولما تغير الزمن صار يتحسر علي تلك الأيام الآن يقبع تحت عباءة سوداء من الاكتئاب صار يردد كلاما أبغضه جداً. الزمان غير الزمان. الوضع يسير بالمقلوب فين أيامنا. فالأب يتحسر علي أيام كان فيها الجنيه احد عشرة بريزة وجوز الحمام ثلاث فرد" ويسترسل الأب في حكاية ذكرياته منذ قيام ثورة يولية فهو كان شاباً ركب القطار لكي يسلم علي محمد نجيب شأنه شأن كل أفراد الشعب حينما يصيبهم الهوس بفكرة "المخلص" وبالطبع كان الهوس الأكبر بعبد الناصر "الرجل الصعيدي الجدع الذي تسبب في هزيمة أعز أصحابه" أو الإحساس بوجوده وهو الذي اندس في مظاهرات 9. 10 يونيه 67 التي طالبت بعودة الزعيم المنهزم للحكم. ونحن بدورنا لا ندري سر الاعجاب الساري بين الأجيال بشخصية هذا "الصعيدي الجدع" كما لم تفته مظاهرات 68 التي كانت تطالب بسرعة تحرير سيناء. ومحاكمة جنرالات الهزيمة.. كسرت عظامه في هذه المظاهرات "ثم يلازمه الاكتئاب وينقطع فترة إلي تجيء انتفاضة يناير 77 التي أطلق عليها انتفاضة الحرامية. فصار الولد لايطيق سماع أبيه "تعمدت ألا أتواجد في دارنا وقتما يوجد أبي-نما حبي للوحدة . صرت تائهاً ضجراً ساخطاً- الكلية وعبثية الدراسة. العيشة هباب في هباب "هل انضممت لأي نشاط في كليتك / ما معني نشاط.. رياضي مثلاً يا بني أقصد نشاط سياسي/ هل كونتم جماعات تناصر الأحزاب نعم أنا عضو في أسرة المحافظة علي البيئة إنها المفارقة بين جيلين يتجلي فيها موت الوطنية وانعدام النخوة عند الجيل الجديد. ويصوغ حسام المقدم قصصه بلغة لا تخلو من الشاعرية والبكارة. أدركت أنني افتش عن نبات ثلجي في منطقة إفريقية تغلي. "لغة رشيقة تدرس الرياضيات مثلك - كان غريباً أن يتألف هذا الجمال الفاتن من جفاف الأرقام والعمليات الحسابية" وكما هو معروف فإن القصص تسيطر عليها شخصية وتكوين ومهنة الكاتب. فهنا نجد حسام المقدم يسيطر عليه جو العملية التعليمية وجو القرية وأيضا الهواء السياسي الذي يتنفسه جميع الكتاب. فهو يحاول معالجة موضوعات ربما لم يعاصرها. ولكن بحس الكاتب يستشف الظروف والتداعيات. مثل حرب أكتوبر ومظاهرات يونيه 67و68 فإن الأحداث السياسية لها غواية خاصة في ضمير كل كاتب ثم يركب القصاص سقفاً رمزياً في قصة الزوايا من مكان ما وشخوص مجردة- قد تخمن من هم وأحداث خلقها هو. كل هذا قد يوحي إليك بشيء من الانطباق علي الواقع. رؤية نقدية بقلم : أحمد محمد عبده