مازلت أذكر ذلك اليوم الذي خرجت فيه مصر عن بكرة أبيها بثوب حداد يكسو خارطتها. وتجري دموعها أنهاراً. فقد مات أغلي الرجال ومات أعز الرجال. مات عبدالناصر. لكن عبدالناصر لم يمت. إنه مازال الغائب الحاضر والشاهد علي الحراك الشعبي المتواصل. إنه عاد للحياة مرتين. الأولي عندما رفعت صورته في يناير 2011 والأخري عندما ربط الشعب بينه وبين الفريق السيسي الذي سانده وظاهره في يونيو 2013 ليخلصه من مرسي وحكم الإخوان. وهو نفس ما فعله في يوليو 52 عندما خلصه من الملك ومن الإنجليز. إن الرجلين عظيمان وقادا جيشاً من أعظم الجيوش. وقد جاء ذكرهما بقوة في مؤتمر معهد "ماكين" بأمريكا وعقد تحت عنوان "في مصر.. هل الإجابة هي الجيش"؟! "لا" كانت هي الإجابة الطبيعية لهذا التساؤل!! في تلك الاحتفالية بث فيها المحاضرون كل سمومهم تجاه مصر وجيشها. بداية من وصف عبدالناصر بالفاشية والخطورة علي إسرائيل. ومروراً بالفترة التي حكم فيها كل من السادات ومبارك والمجلس العسكري السابق ووصفت بالفشل في كافة المناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعدم الإيمان بحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني. ونهاية بالمجلس العسكري الحالي بقيادة الفريق السيسي الذي يعد أكثر خطورة من عبدالناصر ومرسي علي أمن إسرائيل الذي لا يتجزأ عن أمنها!! ومن أهم التوصيات التي خرج بها المؤتمر هو قطع المعونات العسكرية عن الجيش. فعلي حد وصفهم كيف تدفع أمريكا ملياراً و300 مليون دولار لجيش يعزل رئيساً منتخباً واصفين ذلك بالانقلاب العسكري. بالإضافة إلي أنهم أحسوا وشعروا بعلو هامة وقامة السيسي بين المصريين فأعلنوا أنهم لن يسمحوا بصناعة عبدالناصر آخر!! يا أمريكا. إن مصر لم تكن ولن تكون ولاية أو مقاطعة أمريكية خرجت عن القطيع. ووجب عليك إعادتها إلي حظيرتك. سواء بالعصا أو الجزرة. يا أمريكا.. إن مصر أمة لها تاريخ عظيم ويجب احترامها ومعاملتها معاملة العظماء. ولنا في ذلك ما شهد به بعض المنصفين الذين يرون أن مصر هي حجر الزاوية في المنطقة. ولذلك فإنهم يطالبون أمريكا بالاستمرار في دعمها اقتصادياً وسياسياً. والحفاظ علي العلاقات الحيوية بينهما كي تعود مصر قوية لضمان الاستقرار في المنطقة كلها. ولأنها تحارب السيسي الرجل الأقوي وتريد إزاحته بعيداً عن المشهد. وتستبدله برجل أضعف يحقق ما تصبو إليه ويحافظ علي مصالحها. فقد طفا علي السطح شعور شعبي لا يخالجه أي شك بأن أمريكا قد تدعم رئيساً سرياً يكون ألعوبة في يدها. ودليل ذلك ترحيبها بإعادة إنتاج مرسي والإخوان ورفضها استنساخ عبدالناصر!! أعود إلي عنوان المقال وأتساءل: هل يفعلها عبدالفتاح السيسي ويلقي بالقفاز في وجهها ويتقدم لترشيح نفسه ويسير في الطريق إلي نهايته لإحباط المخطط الصهيو أمريكي الذي يهدف إلي خطف مصر عن طريق المرشح المجهول الذي ستدعمه؟ ربما!!