أعرف ان عنوان المقال في حد ذاته جاذب جدا وأن اول سؤال يدور في ذهن القارئ، "يا ترى دا مقال دعائي نفاقي للسيسي أم مقال تخويني جارح؟!". والحقيقة ان هذا المقال لا يجيب عن هذا السؤال وانما يتعامل مع الواقع الذي آراه حولي. أكتب عن السيسي وليس اليه، وأعرف انه دخل وجدان الشعب وقلبه واصبح مع آخرين يمثلون ضمير الوطن وحلم الثورة. لكن بعيد عن هذه العواطف هناك سياق تاريخي وأعداء متربصون. وهناك أستحقاقات شعبية ومطالب ثورية طال أنتظار تحقيقها. فمن يسأل اليوم عن تولية الفريق السيسي الامر وخوضه الأنتخابات الرئاسية المقبلة كالذي يريد ان يدفع بأقوي ورقة لديه من أول اللعبة. الأخوان ليسوا أول متربص بالسيسي بل لعلهم أهونهم. ولكي تتضح الصورة، تعالوا نرجع لخمسينات القرن الماضي عندما بدأ الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مشواره. وتعالوا نسأل انفسنا، ما الذي دفع أمريكا لتعادي جمال؟ هل كان خطر على مصالحها الأقليمية ونفوذها؟ هل كان يجسد احلام الملايين من أبناء الأمة؟ وهل كان هذا الأتجاه على هوى أمريكا؟ هل كانت أسرائيل سعيدة بعبدالناصر؟ لماذا لم يستطع عبدالناصر ان يحيد كل هذه القوى التى تعمل ضده وقلبت عليه بعض الدول الشقيقة في الشرق الأوسط؟ هل كان يستطيع ان يحيد امريكا؟ لا اعرف. التجربة تقول ان امريكا أختارت طريق الضغط على مصر بغية ترويضها ووضعها تحت السيطرة وقت عبدالناصر لكنها لم تستطع. بل على العكس، استطاع هو ان يهدد نفوذها في الشرق الأوسط، وكانت لعلاقته مع الأتحاد السوفيتي أثر بالغ الخطورة على مسار الحرب الباردة.
ولما اتضح ان التفاهم مع عبدالناصر يسير بخطئ بطيئة وانه يعمل على تمليك الشعب وأنفاذ إرادته وان مصر تقود العالم العربي نحو الإستقلالية ورسم شخصية دولية للمنطقة وان تصبح المنطق بالفعل لاعب مؤثر على المستوى السياسي العالمي، اصبح اصطياد مصر عبدالناصر أمر حتمي. من هنا تجمعت كل طاقة امريكا (المنهكة وقتها بحرب فيتنام) ووقفت بكل قوة خلف أسرائيل حتى تم أصطياد عبدالناصر وكسر شوكته في نكسة 1967. لاحظ ان وقتها صلى الأخوان المسلمون ركعتي شكر على نكسة مصر! بيد ان ناصر لم يمت وقاوم وبدأ حرب أستنزاف وختم حياته بعمل حائط صواريخ على طول خط القناة كان السبب المباشر فى نجاح عملية الحروب. لاحظ ان المرحوم الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض كان له نظرية خاصة تقول ان الصواريخ هي العنصر الحاسم في الحروب الحديثة! وكان رحمه الله رجل شجاع ولبق ومتفتح ولا تحسبه مجرد رجل عسكري من كثرة ألمامه بالمعارف الغير عسكرية، وكان له كارزما هائلة وحضور طاغي وسط جنوده.
هذا هو السياق الذي آتي بعبدالناصر ووضعه في تحدي امام هيمنة الدول الكبرى او بالآحرى أمريكا وقاعدتها المتقدمة في المنطقة أسرائيل. لن أطيل عليكم لكن الباقي معروف ويمكن أختصاره في سؤال واحد. هل مسار السادات ومن بعده حسنى مبارك كان مسار متحدياً لأمريكا او حتى منحازا لآرادة الشعب المصري؟ وبالتالي بموت عبدالناصر تمت ترويض مصر. ولعلي لا أتجاوز اذا سألت سؤال مسكوت عنه منذ آمد ويصل بنا الى لب المشكلة، هل نهاية حرب أكتوبر تتناسب مع حجم النصر؟ ثم ماذا؟
في 30-6 رأى الأمريكان ان هناك شعب يكسر قيود التبعية في اكبر ثورة عرفتها البشرية من حيث العدد! والمصيبة ان هذه المرة ظهر قائد شعبي عسكري نفذ الأرادة الشعبية حتى تحولت لواقع ملموث وتحول هو لبطل شعبي في لمح البصر. فهل يا ترى أمريكا التى قالت على كل ما حدث انه أنقلاب ستتعامل مع السيسي على انه مجرد رئيس اذا جأ الى الحكم؟ دخول السيسي الى الرئاسة في الوقت الحالى يساوي ان تحسم امريكا رأيها وتفعل نفس الأساليب التى واجهة بها جمال عبدالناصر. وستكون أهمها تحديات جمة في سيناء (المتعطشة للتنمية)، وأحتملات تصفية القضية الفلسطينية على حساب سيناء (وغزة أول ملحق بنا)، وعقبات لا حصر لها داخلية متمثلة في الأخوان وكيل الأمريكان المعتمد (سيستعملون نفس أساليب الثورة، لكنها كلمة حق يراد بها باطل)، وتهيج للنشطاء المستخدمين من أمريكا لضرب مسار التقدم (ليس كل النشطاء مخترقين بالقطع لكن ليس كل المتواجدين بالملعب لاعيبة. هناك ايضا كرة).
لكل ما سبق من الأسباب أرى ان موقع الفريق السيسي على رأس الجيش هو انسب موقع له وان أوانه سيأتي بالطريقة الديمقراطية الأنتخابية الصحيحة، لكن ليس هذه المرة. اخشي عليه ولا أخشي منه! اعرف قدره وأحفاظ عليه. وأريد له ان يبدأ البداية الصحيحة، فهو جدير يقيادة مصر لمنطقة الأحلالم. لكن هناك أجراءات كثيرة وترتيبات طويلة يجب ان تسبق دخوله للمشهد السياسي، من أجل تحيد أمريكا ونفذها ومن ورائها أسرائيل وكل شبكاتهم وتحالفاتهم في المنطقة من مال وسلاح وبترول. صحيح ان معظم دول الخليج تأيد الثورة المصرية الآن، لكن هذا التعاون مرحلي وله آمد. واختم بسؤال، هو السيسي عنده كام سنة؟