مواقف أبوبكر الصديق ينبثق النور من كل جوانبها منذ فجر الدعوة المحمدية وهو أحد رجالاتها المشهود لهم بالكفاءة والتسابق في فعل الخير. والأمانة في التعامل. وقد اثبت ذلك عمليا من خلال تعامله مع بني قومه وأهله وعشيرته وكان محل ثقة يستشيره كبار أم القري في بعض شئونهم. اخلاص في النصيحة. أمانة في المسئولية. ويوم ان أمر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بإعلان الدعوة "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" "وأنذر عشيرتك الأقربين" كان أبوبكر في مقدمة المؤمنين بدعوة سيد الخلق صلي الله عليه وسلم ويكفيه شرفا ان الرسول صلي الله عليه وسلم قال: ما دعوت أحدا للإسلام إلا كانت له كبوة الا أبوبكر.. ايمان استقر في قلب ابن أبي قحافة عن حب. وثقة بلا حدود في صديق ارتبط به منذ الصغر. وكم كان الحب يعرف طريق قلبيهما. وازداد هذا الحب بعد بعثة الرسول. فكان قلبه يقطر حنانا ومودة لرسول الله وبفتديه بنفسه وماله. هذا الحب وتلك المواقف التي تعبر عن حسن النية وطهارة القصد. وصفاء القلب والاخلاص والأمانة التي تتحلي بأفضل الصور في تصرفات أبي بكر هي التي جعلت سيد الخلق يختاره رفيقا في الهجرة من مكة الي المدينةالمنورة رحلة العطاء والمودة وحينما كان أبوبكر يتعجل الهجرة ليلحق بأصحاب الرسول بالمدينة كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يمهله ليكون في شرف صحبة رسول الله رحمة الله للناس أجمعين. "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فكان أبوبكر نعم الرفيق وخير صاحب يحيط رسول الله بكل اهتمام لدرجة أثارت انتباه رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث يتحرك مرة عن يمين رسول الله ومرة أخري عن شماله وثالثة من خلفه ورابعة من أمامه وحين سأله رسول الله عن أسباب ذلك فكان رده ان قلبه كان يرتجف خوفا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم من المشركين الذين يرصدون تحركاته لايذائه أو قتله. ولم يطمئن قلب أبي بكر حتي وصل بركب رسول الله صلي الله عليه وسلم الي المدينةالمنورة. واستقر به المقام في دار أبي أيوب الأنصاري. حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لأبي بكر كان يبدو بجلاء لكل أصحاب الرسول جميعا ليست عن تمييز لشخص أبي بكر وانما تقديرا لعطائه وبلائه في الإسلام. من ذلك علي سبيل المثال ان الرسول صلي الله عليه وسلم سأل أصحابه يوما فقال: من منكم عاد مريضا فسكتوا جميعا فقال أبوبكر نعم يارسول الله عدت مريضا. ثم سأل ثانيا من من منكم تصدق؟ فكان أبوبكر هو الوحيد في الاقدام علي فعل الخيرات في هذا اليوم الذي سأل فيه رسول الله ومن ذلك أيضا ما قاله عمر بن الخطاب حين أشار الي انه ما أقدم علي فعل خير الا وجد أبا بكر قد سبقه. انه أمر طبيعي في تصرفات أبي بكر الاقدام علي عمل الخير والتكافل الاجتماعي ولم يستطع أحد ان ينافس الرجل في هذا المجال فالقلب مفعم بحب الخير لكل البشر انها شيمة أهل الإيمان الذين يتفانون في طاعة الله ورسوله "قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" هذه الأفعال وتلك الطيبات من الأعمال الصالحة هي التي جعلت أبابكر يستحق عن جدارة لقب "الصديق" بتشديد الصاد. ولتلك المكانة التي وصل اليها أبوبكر بعمله جعلت الرجل قريبا من قلب سيد الخلق صلي الله عليه وسلم. وكان يأذن له بأن يقوم مقامه في ان يؤم الناس في الصلاة. اعزازا وتقديرا للعمل والجهد. وأبوبكر كان أمينا في المسئولية. فحينما استشاره الرسول في كيفية التصرف مع الأسري من المشركين الذين وقعوا في يد المسلمين بعد معركة بدر. كان رأيه يميل الي الرحمة والتصرف حيال هؤلاء بأنهم من الأهل والعشيرة وأبدي رأيه بأن يأخذ منهم الفداء كل حسب مقدرته وجهده وامكانياته. بينما كان رأي عمر بن الخطاب يختلف حيث قال: ان هؤلاء الأسري هم من رءوس الكفر والعداء والتخلص منهم افضل وبعد ان حصل رسول الله صلي الله عليه وسلم علي اراء كل الصحابة كان الميل لرأي أبي بكر. وقال في مواجهة الجميع يا أبا بكر أنت في تصرفك مثل ابراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال "من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" ومثل عيسي عليه الصلاة والسلام حين قال "ان تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" أما أنت يا عمر فمثل نوح عليه الصلاة والسلام حين قال: "رب لاتذر علي الأرض من الكافرين ديارا" لكن جاء الوحي من عند الله مؤيدا لرأي عمر. ثم أشار الله سبحانه بقوله: "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما افضتم فيه عذاب أليم" مما يوضح ان من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد. صورة أبوبكر ومواقفه تؤكد مدي تطابق تصرفاته مع طبيعته التي فطره الله عليها ثبات في الحق. ايمان بعزيمة لا تعرف الميل عن الحق مهما تكن الظروف والملابسات" قوة العقيدة والركيزة الايمانية في قلب أبي بكر هي يوم أن أعلن وفاة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم انتابت عمر بن الخطاب صدمة لكن أبابكر كان ثابت الجأش دخل علي رسول الله وهو مسجي في فراشه فقبله وخرج علي الناس بكل ثبات يردد قول الله تعالي "إنك ميت وانهم ميتون" ثم قرأ قوله سبحانه "وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي اعقابكم "هنا أفاق ابن الخطاب وقال: والله لكأني لم اسمع بها من يوم ان نزلت وعاد الي رشده. هذه الجوانب المشرقة في حياة أبي بكر الصديق نريد ان يستلهمها شبابنا هذه الأيام وان يكون الاعتدال. في التفكير والتصرف يتسم بالوسطية والاعتدال فلا تطرف ولا ميل عن الحق. والميل الي الرحمة والعزيمة الصادقة لمواجهة أي ميل عن الحق أو الابتعاد عن شريعة الله حياء وحسن تصرف لا يتعارض مع مبادئ الدين الحنيف وقيمه الخالدة. ويتجلي ذلك حين عزم أبوبكر علي قتال مانعي الزكاة. واختلف معه عمر بن الخطاب شفقة عليه وتقديرا لمكانته فقال له عمر: أن رسول الله قال أمرت ان أقاتل الناس حتي يشهدوا ان لا إله إلا الله فإن قالوها بحق فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم. فقال له أبوبكر: ماذا جري يا عمر: جبار في الجاهلية خوار في الإسلام والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه علي عهد رسول الله لقاتلتهم عليه. ومضي أبوبكر ولم يلتفت الي شفقة عمر. ثم بعد ان انتصر واتضح صدق توجه أبوبكر أقر عمر بحسن تصرف أبي بكر. حقيقة يصدق في حق ابي بكر انه رجل المهام الصعبة والمواقف البطولية. ضرب بأفعاله قبل أقواله القدوة والمثل لكل الأجيال علي مدي التاريخ. التزام بالمبادئ وصدق في القول والابتعاد عن كل شيء يغضب الله. احتل مكانه لم ينافسه فيها أحد يتسابق نحو الخيرات بكل ما أوتي من قوة ماله وجهده لله ولا عبرة بالمخلوقات وانطبق في حقه قول الله تعالي: "وسيجنبها الأتقي. الذي يؤتي ماله يتزكي. وما لأحد عنده من نعمة تجزي. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي. ولسوف يرضي" ولذلك استحق البشري التي زفها اليه سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وتتلخص في أن "أرسل الله جبريل الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: قل لأبي بكر ان الله يقرئك السلام ويقول: انه عنك راض. فهل أنت راض عنه. فقال أبوبكر: هو السلام ومنه السلام تبارك ذي الجلال والإكرام. ثم انخرط في البكاء" سيرة عطرة لرجل أبلي في الإسلام بلاء حسنا. اخلاص في صدق وعزيمة لا تعرف الضعف. استطاع في فترة قصيرة النهوض بأعباء الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم وحقق انجازات تضاف الي رصيده الطيب. ان هذا الرجل وامثاله من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم تحملوا أعباء كثيرة واجتازوا العقبات نضع بعض اللمحات عن هؤلاء الرجال أمام أجيال هذه الأيام خاصة بعد ان تنسمنا عبق الحرية. فلتكن مسئوليتنا ان ننتهز هذه الفرصة للنهوض بأمتنا وتحقيق خطوات تحقق لكل مواطن الأمن والأمان وتوفير معيشة كريمة. "ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد". *** دعاء "ربنا ارزقنا الصواب في الفكر والقول والعمل. وارزقنا الاخلاص في السر والعلن. رب فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين. رب اجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم. ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتي الله بقلب سليم رب لا تجعل للدنيا علي سلطانا. واصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني من المسلمين. أحسن الخاتمة بفضلك ورحمتك.