تعليمات رب العالمين لهداية البشر. ودائما فإن أولي الألباب من الرجال والنساء الذين ملأ نور الإيمان قلوبهم وامتلك وجدانهم يستجيبون لنداءات الحق تبارك وتعالي ويبذلون أقصي جهودهم لتحقيق أوامر الله علي أنفسهم بصدق واخلاص وعزيمة تطرد كل وساوس الشيطان وهواجس النفس البشرية. ويقتدون بالأنبياء في تسليمهم لله تبارك وتعالي خاصة خليل الله سيدنا إبراهيم فقد كان نموذجاً في هذا المجال "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين. إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين" 130. 131 البقرة. ومن بين هؤلاء الذين آمنوا الذين اقتدوا بهؤلاء الأنبياء والصالحين من عباد الله السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها فقد أسلمت كل أمرها لله والتزمت بتعاليمه عن صدق ويقين وقد جسدته بموافقتها علي الزواج من زيد بن حارثة. وتحملت المشاق النفسية وتغاضت عن نزعاتها الشخصية. وتغلبت علي الفوارق الطبقية بينها وبين زوجها زيد. وكانت الزوجة التي ترعي حقوق زوجها قدر استطاعتها لكن إرادة الله فوق إرادة البشر. حيث لم يمض سوي وقت قصير حتي نشبت الخلافات بينها وبين زوجها وتنتهي بالانفصال بين الزوجين لينفذ أمر الله عز وجل في إبطال عادة تغلغلت بين العرب لأجيال متعاقبة وهي ظاهرة "التبني" وبالفعل تحققت إرادة الله. وفي نفس الوقت لم تكن زينب بنت جحش تدري أثناء موافقتها علي الزواج من زيد انها سوف تصبح يوما ما من بين أمهات المؤمنين. ولم تكن تدري أيضا ان الله سبحانه سوف ينزل بشأنها وشأن زوجها قرآناً يُتلي علي مر الزمان "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشي الناس والله أحق أن تخشاه" 36 الأحزاب. وقد تحقق في جانب زينب بنت جحش الحقيقة التي يغفل عنها الكثير من البشر وتتمثل في قوله تعالي: "انه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" 90 يوسف . وجزاء صبر زينب وامتثالها لأمر الله تعالي فقد عوضها الله بزوج لم تكن تحلم أن تتزوجه لكن قد ادخر لها سيد الخلق تكريماً وتقديراً لتلبية نداء ربها "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم". مضت الأيام سريعاً وتحول شقاء زينب إلي سعادة في رحاب سيد الخلق وأصبحت أماً للمؤمنين. وقد كانت رضي الله عنها صوامة قوامة. تعيش هنية بما قدره لها رب العالمين ممتثلة لأوامره سبحانه فكان الجزاء من جنس العمل. ويا حبذا حينما يكون الجزاء من الواحد الأحد. وعن عبدالله بن شداد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: "إن زينب بنت جحش أواهة" فقال رجل: يا رسول الله ما الاواه؟ قال: الخاشع المتضرع ثم قرأ: "إن إبراهيم لحليم أواه منيب". وفي هذا الإطار قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: يرحم الله زينب بنت جحش لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف. ان الله زوجها نبيه صلي الله عليه وسلم في الدنيا ونطق به القرآن. وان رسول الله قال لنا ونحن حوله أسرعكن بي لحوقاً أطولكن باعاً فبشر رسول الله بسرعة لحوقها. وهي زوجته في الجنة "والمقصود بأطولهن باعاً المتصدقة". وقد تحقق ذلك في جانب زينب فقد حدث عندما قدم لها عمر بن الخطاب بعطاء. قالت غفر الله لعمر. غيري من اخوتي كان أحق بهذا مني. تلك هي النفس الزكية وليت الأمر اقتصر علي ذلك وانما قامت بتوزيع العطاء علي المحتاجين. وبعد هذه الواقعة قالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا فكانت أولي أزواج النبي لحوقاً به. وهنا أدركت السيدة عائشة معني أطولكن باعاً. رحم الله زينب بنت جحش وأجزل لها العطاء بقدر ما أعطت. والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.