مسيرة السيدة زينب بنت جحش حافلة بالمواقف التي تعرضت منذ صغرها. خاصة أنها كانت فتاة مكتملة الأنوثة وتعتز بذلك وتفاخر به بين بنات جيلها وتردد "أنا سيدة من أبناء عبد شمس" ورغم هذه النعمة التي أفاء الله بها عليها إلا أنها كانت من الفتيات اللاتي التزمن بتعاليم الدين الحنيف مما اضفي عليها بهاء وجمالا فما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا. أمنيات تداعب خيالها في هذه المسيرة المبكرة في شبابها. لكنها لم يدر بخلدها أنها ستكون في أي يوم ما مثار الحديث بين أبناء مجتمعها المسلم. وأنها ستكون محور آيات الله في القرآن الكريم. كما أنها لم تكن بين امنياتها كفتاة تتمتع بالحسب والنسب والنضج الأنثوي أنها سوف تتزوج بفتي من أوساط فئة أدني. ولم تكن تحلم بأنها سوف تصبح يوما ما أيضا أنها ستكون بين زوجات سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وتحمل لقب أم المؤمنين كسائر زوجاته صلي الله عليه وسلم مصادفات في حياة السيدة زينب تؤكد أن قدر الله فوق إرادة وأمنيات البشر. من أولي هذه المصادفات أن هذه الفتاة أنها توقفت طويلا حين عرض عليها الرسول الكريم أن تتزوج زيد بن حارثة. فهو الفتي الذي تربي في بيت الرسول وحبيبه. خاصة أنه فضل الرسول علي أهله وذويه لدرجة انه كان زيد بن محمد. لكن هناك فارق بين تلك الطبقة التي تنتمي إليها زينب بنت جحش والطبقة التي ينتمي إليها زيد. لكنها وهي الفتاة المؤمنة لا يمكن ان تعصي لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - أي أمر يصدره إليها. ولذلك تحاول أن تثني رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن هذا الطلب لأن أمنياتها لم تكن تنحصر في الاقتران بهذا الفتي. ولذلك قالت للرسول: لست بناكحته؟! فيرد عليها رسول الله بل لابد من أن يتم هذا الزواج. وسط هذا الحديث بين الرسول وزينب نزل القرآن الكريم "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً" "الاحزاب36" إذن ليس أمام زينب إلا أن توافق علي الزواج من زيد بن حارثة ويتم الزفاف وفق مراسم الزواج. وزينب تمتثل لأمر الله ورسوله وتبدأ المسيرة بين الزوجين لكنها لم تستمر طويلا حتي أطلت الخلافات بينهما. وزيد يتمسك بالصبر علي هذه الخلافات وتحاول زينب أن تتقلب علي رغباتها التي استطاعت السيطرة عليها وتمضي في حياتها امتثالا لأوامر الله ورسوله. زينب بنت جحش لم تكن تدري أنها ستكون بطلة هدم هذه العادة التي استمرت بين القبائل العربية فترات طويلة وتتمثل هذه العادة في "التبني" بمعني أن أي شخص يمكن ان يتبني أي طفل بحيث يصير مقرباً إليه ويصبح بمثابة ابنه من صلبه لدرجة أنه كان من بين ورثته بعد ان يرحل عن الدنيا. لكن شاءت إرادة الله هدم هذه العادة "ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله" كما شاءت إرادة الحق تبارك وتعالي أن تكون زينب هي بطلة هذه القضية التي كانت مثار الكثير من أحاديث المجتمع في ذلك الوقت. حياة زينب مع زيد تعكر صفوها دائما الخلافات بينهما وحينما تنتقل هذه الخلافات إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يبذل أقصي جهده لكي يقنع الزوجين بالتغلب علي هذا الشقاق فيما بينهما. لكن لم تستطع هذه المساعي حسم هذا الخلاف ورغم ذلك فإن الرسول كان يقول لزيد أمسك عليك زوجك. حين كان يصمم علي طلاقها. وقد حسم الله هذه المشاكل "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشي الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضي زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون علي المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا" "37 الاحزاب" انها إرادة رب العالمين في إبطال تلك العادة التي تأصلت في نفوس العرب. وقد قضت تعليمات رب العالمين في أنه لا حرج في أن يتزوج الرجل زوجة ابنه من التبني ونستكمل المسيرة في هذه القضية بإذن الله في سطور أخري.