رغم محاولة النظام السوري إخفاء ما يحدث في البلاد من مظاهرات عارمة أسفرت عن مصرع 17 سوريا أمس الأول فقط في مدينة درعا ومنع الإعلام من تغطية الأحداث التي تمر بها سوريا. إلا ان المظاهرات في تكاثر وتصاعد مستمر وتنتقل من درعا إلي العديد من المناطق والمدن السورية التي تشهد احتقانا متزايدا نتيجة الحكم الذي يصفه السوريون بأنه ديكتاتوري والذي بدأ منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة عام 1970. المشكلة ان النظام السوري وعلي رأسه الرئيس بشار الأسد مازال يصدر التصريحات دون تنفيذ من بينها ما أعلنته المتحدثة باسمه بأن قانون الطوارئ سيتم إلغاؤه لكن دون تحديد موعد ثم تصريحات الأسد بأنه يؤيد الإصلاحات وإصدار الأوامر للإعلام الرسمي لكي يعلن إطلاق حوار لإثراء مسيرة الإصلاح. ورغم إطلاق النار علي المتظاهرين في الشوارع بواسطة القناصة وهو مشهد منقول مما كان يحدث في مصر إبان ثورة 25 وقبلها ثورة تونس إلا ان شخصيات سورية معارضة رحبت بهذه المبادرة ولكنها قالت إنها غير كافية. وشددت علي ضرورة إجراء حوار سياسي تطلقه القيادة السياسية حول القضايا الرئيسية في البلاد.. إطلاق الدعوة إلي الحوار جاء بواسطة رئيسة تحرير صحيفة "تشرين" سميرة المسالمة دعوة إلي الحوار بافتتاحية الأربعاء الماضي وقالت إن "انتقال سوريا من مرحلة إلي مرحلة أفضل يفرض علي كل المثقفين والنخب المجتمعية والسياسية الوطنية حوارا شاملا نهضويا وحضاريا لا إلغاء فيه ولا تغييب ويقوم علي قواعد الإصغاء والاستماع إلي نبض الشارع". المعروف ان المثقفين والكتاب المعارضين يتم إبعادهم عن وسائل الإعلام الرسمية السورية مما يضطر عددا كبيرا منهم للتوجه إلي الصحف اللبنانية بشكل خاص لنشر مقالاتهم. ويتوقع أن يستطلع القيادة السورية رأي ممثلين عن المجتمع المدني قبل إحالة مسودة قانون رفع حالة الطوارئ وسن قانون مكافحة "الإرهاب" إلي مجلس الشعب مطلع الشهر المقبل. ومع ان البطء يسيطر علي المشهد السوري إلا ان هناك حقيقة واضحة بأن تغييرا حقيقيا يحدث وهو ما لمسه المشاهد السوري خلال الأيام الماضية حيث قدم التليفزيون السوري برامج مباشرة جري خلالها الاستماع لاتصالات مشاهدين تحدثوا بشكل خاص عن ضرورة تحسين الأحوال المعيشية وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد. كما استضاف القيادي الشيوعي قدري جميل الذي قدم آراء جريئة في موضوع مكافحة الفساد. في المقابل رحبت الشخصيات المعارضة بالخطوة. وقال المحامي حسن عبدالعظيم إن فتح باب الحوار والنقاش عبر مقالات تعبر عن الرأي الآخر خطوة جيدة بشرط ألا يحذف حرف واحد من المقالات. وأضاف بأن الحوار الحقيقي هو الحوار السياسي بين السلطة وقوي المعارضة. وقال إن ذلك الحوار يحتاج إلي مبادرة من القيادة السياسية للبحث في حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويترقب الناشطون الحقوقيون فتح باب الإعلام الرسمي أمام المثقفين المعارضين. ويري مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش أن أحد الأسباب الأساسية للأزمة الحالية في سوريا يكمن في غياب الحوار فيما مضي داعيا لتحويل الحوار بالقضايا العامة إلي تقليد وجزء من الحياة اليومية. ونبه إلي أن الاقتصار علي الحوار الإعلامي بين السلطة والمثقفين فقط من أجل الخروج من الأزمة غير كاف. وقال إن الحوار يجب أن تشارك فيه هيئات رسمية عليا وأطراف سياسية معارضة تمثل مطالب الشارع وعدم اختصاره بشخصيات إعلامية أو حقوقية.