يعتمد فكر الفنان صلاح طاهر في تشكيله للتماثيل من الخردة علي تفكير علمي علي واقع أن المجهر "الميكروسكوب" أضاف إلي عين الانسان ألف عين.. وأن الطائرة اضافت الي الانسان أجنحة وان السيارة اضافت لنا سرعة عشرات الأحصنة وهكذا.. بهذا المنطق يكتشف الفنان العلاقة بين نفايات المعادن وبين الأشكال التشريحية في الانسان والحيوانات التي يقوم بصياغتها.. وتعكس خيالا خصبا وقدرة ابتكارية متدفقة. وتعبر بشكل عام عن سلطان الآلات وسطوتها في العصر الحديث. ان أعماله تخضع للقوانين الجمالية من توازن وتوافق وترديد وايقاع.. وفي تماثيله التي تصور الوحوش الخيالية. يراعي التشريح المقنع ولا يلجأ إلي التحرير أو المبالغة وانما يعتمد علي ما يضيفه إلي الخامة من قوة تعبيرية. وعندما ينحت الخشب نحس فهمه العميق للخامة وتعرفه علي أسرارها وخصائصها فهو يحترم الخامة التي يعالجها ويتماشي مع اتجاه اليافها فلا يخضعها لشخصية فنية اصطنعها من قبل وانما يوفق بين خصائصها الذاتية وشخصيته الفنية. إذا كان الحديد في العالم الغربي يمكن ان يعبر به الفنان عن مشاعر الاغتراب والضياع فان الحديد عند "عبدالكريم" يعبر عن شئ آخر هو "التحدي". والفنان كان مولعا بأشكال الحيوانات والحشرات. وقد اختار أكثرها شراسة وضررا.. وقد قال عن الثور: "كنت أشعر بحيويته فأردت ان أجسده في تمثال. ان الثور حيوان أحبه واحترمه كثيرا. فهو يظل يقاتل حتي النهاية". ان "عبدالكريم" يعبر في تماثيله عن مشاعر جامحة. شهوانية. متحدية. ويتمثل ذلك في أشكال حيواناته وحشراته: "الثور. الجراد. الكابوريا. صيحة الوحش. السمكة المتوحشة. الديك. الناموسة. حتي حيواناته المستأنسة تتحول بين يديه إلي أشكال صلبة وقوية مثل تمثال "المعزة" أو متحفزة مثل تمثال "الديك". ومن المؤكد ان مرحلة الاهتمام بجمع الحشرات والعناكب وتحنيطها هي التي حركت عند "عبدالكريم" الاتجاه إلي التراكيب البنائية في كافة مجالات إبداعه.. خاصة تراكيبه النحتية. فهو ينتخب بقايا مهملة هندسية وميكانيكية لا يربطها في الأساس أي رابط. فاذا بها تتحول بين يديه الي عجينة طيعة في يد فنان متمكن. فالمرء يحتاج الي خيال واسع ومهارة عالية ليحول تلك النفايات الحديدية الي نسق شعري وموسيقي. منهج التشكيل وقد أوضح الفنان أن طريقة عمله في التمثال تبدأ من الداخل الي الخارج لأنه لو بدأ بالسطح الخارجي لترك حتما فراغا بالداخل. كان يبدأ بعمل "العمود الفقري" للتمثال ثم يركبه قطعة قطعة ومسمارا مسمارا من الداخل للخارج حتي يظهر في شكله النهائي. يتخلله الضوء والهواء باعتباره تجسيما في الفراغ. وتماثيله ثقيلة لأنها من الحديد الخالص. فتمثال "فرسة النبي" وزنه 500 كيلو جرام. وتمثال البيت وزنه 300 كيلو جرام. والنسر وزنه 200 كيلو جرام. وهو مكون من شوك وملاعق وسكاكين.. وتمثالا "الضفدعة" و"البوم" وزن كل منهما 40 كيلو جراما. وقد أكد في أحاديثه أن: "أي تمثال يمكن ان يتغير شكله تبعا لمحتويات الخردة فأنا أشتري بالطن ولا أختار بالقطعة ولا أشتري نوعا معينا من المسامير أو الأسياخ ولكن أنا وحظي في الطن الخردة ومحتوياته.. وعادة ألقي بالخردة أمامي وأمسك بمسدس اللحام وأبدأ العمل باختيار أشكال ذات علاقات جمالية. ومع اللحام يأتيني الاحساس متدفقا دون تخطيط مسبق للتمثال. وقد جربت عمل تصميمات مسبقة لأشكال أردتها فجاء مستواها أقل من التماثيل التي عملتها مباشرة وبطريقة تلقائية.