الفنان المبدع صلاح عبدالكريم "1925 وتوفي عام 1988" بعد فوزه بجائزة مسابقة الإنتاج الفني وهو في بعثته بباريس لم يقنع بنجاحه في الأعمال ذات البعدين وأراد أن يجرِّب الخامات والتشكيل المجسم.. فدرس الخزف بعد الظهر.. ذلك لإحساسه بأن تجريب الخامات هو الطريق لتأكيد شخصيته الفنية واكتشاف ذاته.. إن إحساس "عبدالكريم" الدائم بالرغبة في التطوير والنمو واستيعاب المفهومات الجديدة في عالم الفن. دفعه إلي محاولة إشباع هذه الرغبة عن طريق ممارسة كل أشكال الفن التشكيلي بالتنقل من خامة إلي أخري ومن طريقة في التشكيل إلي غيرها. وهذا هو السبب في تعدد مهاراته وتنوع أشكال إبداعه الفني. وفي عام 1958 عاد "عبدالكريم" من بعثته ليشتغل بالتدريس في قسم الفنون الزخرفية بكلية الفنون الجميلة.. وقد حاول الاستمرار في إنتاج الخزف ولكنه اصطدم بمشكلة عدم توفر الأفران الخاصة بهذه الصناعة.. فاقتصر إنتاجه الفني لفترة علي التصوير الزيتي إلي جانب أعمال العمارة الداخلية. لم يرد علي ذهنه الاشتغال بالنحت ولا كانت لديه رغبة في عمل أي تمثال.. فدراسته في فرنسا وإيطاليا كانت للعمارة الداخلية "الديكور".. وبعد عودته إلي مصر أراد أن يعمل قطعة خزفية لاستخدامها كديكور في مسكنه الجديد وفعلاً نفذ العمل الفني بخامة الطين الأسوانلي.. لكن أصحاب أفران الخزف رفضوا تسويتها فكسرها وتخلي عن فكرة تجميل شقته بالأعمال الخزفية. في فناء كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وجد بالصدفة عامل ورشة الحدادة بالكلية يقف أمام أكوام من بقايا الحديد. أغراه شكلها. فطلب من العامل أن يجرِّب لحام بعض الأشكال معاً.. فعلَّمه كيف يقوم بلحام الحديد بالطريقة الصحيحة. وبدأ يتردد علي الورشة يلحم تروساً قديمة ومسامير وأسلاك ليعمل منها شكلاً فنياً يستخدمه كديكور بدلاً من الآنية الخزفية. بدأ الشكل يظهر شيئاً فشيئاً مع المزيد من إضافات المسامير والنار.. وكانت النتيجة شكلاً حديدياً لسمكة متوحشة. ومر الفنان حسين بيكار أمام ورشة الحدادة. فقد كان رئيساً لقسم التصوير الزيتي بالكلية حيث يعمل عبدالكريم. فرأي تمثال السمكة وسأل عن صاحبه وعرف أن التمثال عبدالكريم. وكان "بيكار" عضواً في لجنة اختيار الأعمال الفنية التي ستمثل مصر في بينالي "ساو باولو" بالبرازيل عام .1959 ولما قابله أوضح "عبدالكريم" أنه نفذ التمثال ليكون ديكوراً في بيته. وكان رد بيكار: "لا.. لن توضع في بيتك وسنرسلها لبينالي" "ساو باولو" مع تمثال للمثَّال "منصور فرج" ليمثلا مصر. كان الفنان قد شاهد في باريس أعمالاً "لبيكاسو" و"شاد ويك" و"مولر" و"سيزار" استخدموا في تشكيلها خامات غريبة ونفايات.. ولكن صناعة التماثيل المركبة من الحديد لم تكن قد انتشرت في أوروبا وإنما كانت مجرد محاولات متفرقة في المعارض.. واستطاع "عبدالكريم" أن يدرك ما يتضمنه الحديد كخامة من تعبير متصل بالتقدم الصناعي أو بمعني أدق ما يتضمنه من دلالات تنبئ بالتقدم الصناعي.. فكان أول فنان مصري يخوض هذا الميدان ويبرع فيه ويصبح رائداً في هذا المجال. وشجع "بيكار" فناننا علي الاستمرار في صياغة الأعمال المجسمة فكان تمثاله الثاني "الثور" الذي تقدم به إلي بينالي الإسكندرية.. وكانت مفاجأة له عندما حصل علي سمكته علي جائزة النحت الشرفية من "بينالي ساو باولو" متقدماً علي مثالي ثمانين دولة.. وبعد شهرين أعلنت نتيجة التحكيم في بينالي الإسكندرية ففاز تمثاله "الثور" بجائزة النحت الأولي علي القسم المصري بالمعرض.