فنانة الخزف د. زينب سالم ل "محيط" : أستعيد الطبيعة في أعمالي الحالية زينب سالم محيط - رهام محمود منذ قديم الأزل كان فن الخزف له دوره الكبير وسط باقي مجالات الفنون التشكيلية، حيث استخدمه قدماء المصريين في تشكيل أدواتهم المنزلية، وكان وقتها فنا استخداميا، وظل الفنانون يمارسونه حتى الآن، فتقام له المعارض والبيناليات الدولية حيث تطور وخرج منذ زمن بعيد من طابعه الاستخدامي فقط ليدخل في مجال التعبير عما يجيش بأحاسيس الفنان. في ضوء هذا توجهنا للفنانة الدكتور زينب سالم وكيل كلية الفنون التطبيقية سابقا، وكان لنا معها هذا الحوار عن تطور فن الخزف عبر الأجيال، والدور الذي يؤديه في حياتنا. محيط: في رأيك ما الدور الذي يؤدية فن الخزف في الحياة العامة؟ د. زينب: الخزف يمكن استخدامه في كل شيء ببيوتنا ، حتى الأطباق مثلا والأكواب ، فنحن بحاجة لأن نرى الجمال حولنا في كل شيء . وليس من الضروري أن أشتري كل ما يعجبني ذوقه وخاصة إذا كان سعره مكلفا ، ولكن من الهام أن أشاهد الأثاث المنزلي الراقي حتى لو كان بالكتالوجات حتى أنمي حاستي للجمال . حتى في مجال البلاط ، أصبحت مصر بها شركات كبرى لإنتاجه وفتحت أسواقا اقتصادية جديدة ، وأصبحت كل عروس تختار أطقم سيراميك لمنزلها ذات أذواق مبهرة . محيط: كيف يمكن لزهرية ورود خزفية أن تؤثر بالمنزل ؟ د. زينب: كانت "الفازة" او زهرية الورود لها شكل محدد في الماضي ، حيث يكون لها كعب ورقبة وأذنان ، ويكثر بها اللون الذهبي وتحمل الورود البارزة . ولكنها اليوم أصبحت أبسط ولها لون واحد ، وأصبح الإعتماد في الجمال على الورود ذاتها ولذا لا يجب ان تكون ألوان الزهرية معقدة . وحينما نضع الورود في الزهرية في منازلنا فهذا تنمية لحب الجمال لدى أطفالنا وللكبار أيضا . محيط: فن الخزف له تاريخ عريق منذ آلاف السنين، ومصر من أول الدول التي أبدعته، هل لازلنا مهتمين بهذا الفن عربيا ومحليا ؟ د. زينب: بصفة عامة كل ما صنعه الإنسان قديما كان "للاستخدام" وما يوجد في المتاحف القديمة كان استخدامي، فكان يصنع أواني للأكل والشرب ، وكرسيا للجلوس عليه ، أو سرير أو حلي، فالفنون أصلا فنون استخدامية . ثم تطورت الفنون بتطور الزمن والحياة بعد الثورة الصناعية، ومع وجود الماكينة، تميكنت الفنون، ومحت الآلة الإحساس باللمسة الإنسانية، فبعد الفنانون وأبدعوا أشياء أخرى، وخرجت الصورة والتمثال، إنما هذا لا يعني أن العمل الاستخدامي لم يكن فنا، بالعكس فهو فن يحتاجه الإنسان. مر فن الخزف بفترة ابتعد الفنانون عنه كفن استخدامي واستخدموه للتعبير ، أي كخامة تتشكل لتعبر عن رؤية الفنان . وشهدنا بياناليات الخزف الفنية التي أقيمت في مصر ، وجعلتنا نحتك بالفنانين في هذا المجال العرب والأجانب . وهو فن متطور للغاية في مصر . محيط: ما السبب في قلة فناني الخزف في مصر؟ د. زينب: الإمكانيات . فالخزف يحتاج لفرن ، فأي قطعة خزفية تحتاج للحرق ، ولا يكون ذلك في الفرن المنزلي العادي لأن القطعة تحتاج لدرجة حرارة تصل إلى 1000 درجة مئوية ، ومن ثم فإن ذلك يحتاج لمكان مخصص ، ولكهرباء بقدرات خاصة . محيط: دولاب الخزاف، هل له دور حاليا بعد استخدام أساليب حديثة في الإبداع ؟ د. زينب: دوره بالفعل انحصر، وفي محافظة قنا يقام كل عام ملتقى الفخار، وفي هذا العام سيقام بعد شهر تقريبا في أشمون، فهم يذهبون للمناطق التي يوجد بها الفخرانية يعملون على الدولاب كي يقدم الفنانون إبدعاتهم في أماكنهم . وهذا ما يذكرنا بالدولاب؛ لأنني أدرس في كلية الفنون التطبيقية ولا يوجد حاليا دواليب تراها الأجيال الجديدة . محيط: يلاحظ أن متحف الفن الحديث لا يضم عددا كبيرا من الأعمال الخزفية، فلماذا ؟ د. زينب: لدينا العديد من الأعمال الخزفية التي أقيمت لها متاحف ، وكان من المفترض أن يقام متحف "الجزيرة للخزف الإسلامي" لكنهم اقاموه في منطقة 15 مايو ، ويضم إبداعات من بيناليات موجودة ، ولكن يعيبه بعد مكانه . محيط: ما تقييمك لمعرض "الإناء" الذي أقيم في مركز سعد زغلول الثقافي لفناني الخزف؟ د. زينب: كانت فكرة جريئة من مدير المركز الفنان طارق مأمون، بأن يعيد تذكرة الناس بفن الخزف، لأنه منذ انتهت البيناليات من حوالي خمس سنوات وقلت معارض الخزف، وهذا قلل حافز الفنانين لإبداع المزيد من الأعمال الخزفية . محيط: حدثينا عن تجربتك في فن الخزف، ومراحلك المختلفة؟ د. زينب: أنا أعمل في فن الخزف منذ عام 1967، وفيما قبلها عندما كنت طالبة، ودائما ما نبدأ بمرحلة صنع " الإناء" الخزفي . وعملت أشكال للدولاب ، والطريف أنني لم اعرف بهذا الفن إلا نتيجة تأخري عن الدراسة بالكلية فلم أجد إلا " قسم الخزف والحديد والمعادن" ، وكنت أريد الالتحاق بقسم الديكور، ولكن عميد الكلية رأى أن قسم الخزف مناسبا لي، وأشبعت هوايتي للرسم لأننا كنا نذهب للمتاحف ونرسم . ثم دخلت عالم الخزف بالتدريب والتعليم، وفي السنة الأخيرة من دراستي بالكلية أنتجت أشكالا مختلفة، وكان عندي الإحساس بالتجربة، ثم بقي معي الإحساس بالأشياء التي أريد التعبير عنها لكن في صورة الإناء . وكنت عاشقة للطبيعة أذهب للصحراء وأتأمل الكثبان الرملية والجبال ، حيث نشأت في مدينة السويس وكنت قريبة من جبل عتاقة والبحر والطريق الصحراوي الذي أمر عليه حينما كنت أسافر ، وظل ظل هذا مخزون بداخلي فترة طويلة، ثم رأيت قوة كبيرة جدا في الصحراء أقوى من مخزوني، فرجعت أبدع بشكل مختلف . حولت الخزف لشرائح من الطين بأشكال جبلية أو رملية، وكونت منها أشكالا متنوعة، ظلت تكبر كي أوضح المنظر حتى أصبحت مسطحات، وكانت تبدو كالكولاج كي أستطيع عمل هذا الإتساع الكبير، فبدأت تخرج أشكالا مختلفة، وحينما بدأت في حل مشاكلي مع الخامة والطبيعة التي تأثرت بها، وجدت أنه لا يوجد أي مشكلة عندي في العمل، فحينما كنت أشعر بأي شيء أعبر عنه ببساطة من خلال فن الخزف. إحساسي بالأشياء أعتبره تصويري، وقماش الرسم هو الطينة، وألواني هي الطلاءات الزجاجية، وكنت أرى أنني أملك إمكانية أوسع من الرسم مع الخزف حتى في عمل الخدع البصرية. أنا حاليا أمر بتجربة جديدة، وهي عن أشياء في الطبيعة، تحمل فكرا فلسفيا نسبيا، بعد أن تقاعدت على المعاش ، بدأ إحساسي بالخريف يكون جميلا . وتذكرت حينما سافرت لأوروبا هناك الخريف يظهر أكثر من مصر ، كنت أذهب لكلية الفنون في دمبوس وهذه الكلية تسبقها غابة كبيرة نسير فيها حتى نصل إليها، وكنا في وقت الخريف حيث تسقط فوقنا أوراق الشجر الجميلة المرسومة وكأنها لوحة ضاع منها اللون الأخضر وتحولت لألوان أخرى جميلة جدا ، فالعيدان أصبحت لها أشكال وطبيعة أخرى جميلة، والأرض لونت بلون مختلف عن لون الربيع، حينما أمشي عليها أسمع أصواتها الرائعة، والتي أشعر وكأنني أسمعها حتى الآن . بدأت حاليا استرجع هذا، بل وأبحث عنه، فشاهدت نباتات بعد أن شاخت تجردت حتى أصبحت ألياف غاية في الجمال؛ لأنني أسكن في مكان من حوله غيطان وأراضي زراعية، وهذا يذكرني حينما أبدعت بموضوعات عن النخل ، حينما انتقلت لمدينة شبرامنت وكنت أسير من أبو النمرس طريق الصعيد كنت أمر كل يوم بين غابتين من غابات النخيل وأنا من أطلقت عليهم هذا الاسم، لأنها كغابات أوروبا منطقة كلها نخيل، وسيطر علي هذا المشهد لفترة طويلة، إلى أن بدأت عندي الفكرة الأخرى عن الخريف، وهذه الفكرة ظلت سنوات تختمر بداخلي، حتى بدأت أعيشها حاليا.