كنت أبحث عام 1970 عن فنان أقدمه كنموذج للفنانين والقراء تتوفر في أعماله الجماهيرية مع القيمة الابداعية. فنان يلبي احتياجات اجتماعية ويقدمها في شكل راق وخلاق. ففي ذلك الوقت كان يسيطر علي الحركة التشكيلية موقفان. أحدهما منعزل عن المجتمع والناس وينتج أشكالاً من الفن لا يقبل عليها أحد ولا تقوم بأي دور. والثاني منغمس في تلبية احتياجات الزبائن بأقل قدر من الابداع والابتكار.. كانت الحركة التشكيلية تعاني من خضوعها للجان الحكومية. فمنذ سيطرة العسكريين علي الحكم عام 1952 حدث تغير واضح في الخريطة الاجتماعية المؤثرة في الحركة الفنية. يتركز في اختفاء الطبقة القادرة اقتصادياً والتي كان يعتمد عليها الفنانون المنتجون اعتمادا اقتصاديا. وفي نفس الوقت أدي إلغاء الأحزاب وحظر النشاط السياسي إلي تفرق وتفكك الجماعات الفنية التي كانت تملأ الساحة بالنشاط والحوار قبل عام .1952 وبعد 18 عاماً من الحكم العسكري كان هدفي هو تقديم نموذج للفنان الذي يستطيع أن يحافظ علي القيم الفنية الرفيعة في أعماله وفي نفس الوقت يحظي بإقبال جماهيري واسع واعجاب عام بإبداعه مع احتفاظه بمستواه الفني المرتفع.. ولم أجد من تنطبق عليه هذه المواصفات سوي الفنان "صلاح عبدالكريم". فأصدرت عنه كتابا لأنني اعتبرت هذا العمل هو جزء من رسالتي كناقد.. وكان كتابا متواضعا. كان صلاح عبدالكريم نشيطاً في عدة اتجاهات وبارعا في كل مجال خاضه.. إلي درجة ان الناقد الكبير والرسام "حسين بيكار" "1913 2002" كتب عنه تحت عنوان: "الفنانون صلاح عبدالكريم": انه أربعة فنانين في شخص واحد فهو مصمم الديكور المتفوق والرسام البارع والخزاف الماهر والمثال الشهير.. وقد أكد في مقاله انك إذا أردت أن تتحدث عن جانب من جوانب هذا الفنان فإنك تحتار عن أي الجوانب تفضل فكل نشاط من أنشطته يمثل موهبة كاملة وعبقرية فذة. فهو كالجوهرة المتألقة لا يمكن النظر إليها من جانب واحد.. وختم كلمته بقوله: "صلاح عبدالكريم موهبة تفخر بها حركتنا الفنية المعاصرة". من بين الأنواع الفنية التي مارسها الفنان بمهارة وتفوق. يحتل "تشكيل التماثيل المعدنية" المكانة الأولي فقد كشف عن "روحانية" و"شاعرية" في النفايات المهملة من الحديد. واستطاع أن يضيف إليها شيئاً من الإنسانية عندما استخدمها كخامة للتعبير الجمالي.. فالأمر الذي لا جدال فيه هو أن "صلاح" كان ذا موهبة فذة.. استطاع أن يشكل الخامات في تماثيل تنبض بالحيوية وقوة التعبير. وأنه كان يحقق أشياء كبيرة يعجز كثير من الفنانين عن الوصول إليها. وقد استطاع أن ينتزع اعترافا عالميا بقدرته علي إضافة المرونة والحيوية إلي الحديد "الخردة".. وذلك لنجاحه في اخضاع المهملات المعدنية المختلفة لمستلزمات التعبير الفني.. فقفز إلي مصاف الفنانين العالميين. فقد حصل علي ميدالية الشرف الدولية لفن النحت من "بينالي ساوباولو" بالبرازيل في دورتين مختلفتين من دورات هذا المعرض الدولي عامي 1959 ثم .1963 وعندما اشترك في معرض الترينالي الدولي بنيودلهي عام 1968 طلبت الهند "وهي الدولة الداعية" شراء تمثاله الحديدي "الكابوريا" لتحتفظ به في متحفها كنموذج لما وصل إليه فن النحت العالمي عام .1968 وقد قام الناقد الفرنسي المعروف "رينيه ويج" بالاستشهاد بتمثاله "صرخة الحيوان" المركب من الحديد والقطع الميكانيكية الذي أنجزه عام ..1960 ونشر صورته مع صور أعمال "لبيكاسو" و"روبرت مولر" و"روز ساك" و"لين شادويك" في الجزء الثالث من موسوعة "لاروس" الذي صدر عام ..1963 وكتب عن هذه الأعمال تحت عنوان "الكتلة والطاقة والحيوان" باعتبارها نماذج وأمثلة للفن الرمزي الحديث. وكانت تلك هي أول مرة في تاريخ موسوعة "لاروس" العالمية تستشهد فيها بعمل لفنان مصري في سياق الحديث عن المذاهب الفنية المعاصرة. ولكنها لم تكن أول مرة يعترف فيها بفن صلاح عبدالكريم.. كما لم تكن التماثيل الحديدية هي المجال الوحيد لإبداعه الفني.. فإن حياة هذا الفنان هي مثال للاستغراق والتفاني في العمل الفني.. والتفوق في كل مجالات الفن التشكيلي التي خاضها.. وقد تعددت مهاراته التي يمارسها تحت الحاح فكرة محددة.. هي انتاج أعمال فنية تنتمي إلي العصر الحاضرمن جهة. وتلعب دورها في حياة الناس وتدخل في الاستخدام اليومي بتضمنها عنصري الفائدة والمتعة.. من جهة أخري. وهكذا حصل صلاح عبدالكريم علي جائزة الدولة التشجيعية في التصوير والنحت الزخرفي لعام 1966 مع وسام العلوم والفنون.. عن لوحته "قاع البحر" المثبتة في قاعة الطعام بفندق فلسطين بالإسكندرية.. وهي عبارة عن "بانوه" زخرفي من الحديد والمعادن نفذه الفنان ضمن الجوانب التشكيلية المختلفة التي تولي تصميمها وتنفيذها في هذا الفندق من أثاث وديكور داخلي ونحت بارز وغير ذلك من الجوانب الفنية.. وفي عام 1997 كان اسم صلاح عبدالكريم علي رأس الأعلام الذين كرمهم مهرجان الإسماعيلية الثامن للفنون الشعبية.. وقدم محافظ الإسماعيلية مع رئيس أكاديمية الفنون مجسم المهرجان وشهادة التكريم لاسم الفنان.