كان من نتيجة السنوات السبع التالية للحرب العالمية الثانية في تاريخ مصر السياسي وما صاحبها من اشتراك ايجابي للجماهير الشعبية خاصة الطلبة في أحداث تلك الفترة. أن ظهر جيل من الفنانين نضج وعيه خلالها فانعكست أحداث تلك الفترة وما صاحبها من مد سياسي في أعمال هذا الجيل الفنية التي بدأ ظهورها بعد عام 1956. وفي مجال فن النحت شاهد معظمهم ذيوع اسم جمال السجيني كفنان سياسي.. وتعرفوا علي تمرده علي الاتجاهات التقليدية. وتولد فنهم من دراستهم علي أيدي اقطاب الجيلين الثاني والثالث.. فحاول معظمهم تخطي السلبيات التي ادركوها في إنتاج من سبقوهم وإضافة شخصياتهم المتحررة. ومن هذا الجيل بدأ الاتجاه الفردي في فن النحت المصري. كل فنان كان يحاول ان يكون نسيجا مستقلا. بسبب القضاء علي الجماعات الفنية الفكرية. لقد استمرت بعض هذه الجماعات التي كانت الظاهرة البارزة في الحركة الفنية في الاربعينيات بضع سنوات بعد عام ..1952 ولكن إلغاء الأحزاب السياسية أدي بالتدريج كانعكاس لتحريم قيام أي تجمع سياسي أو فكري إلي تحلل الجماعات الفنية وتفككها. هكذا اصبحت السمة الغالبة علي الحركة الفنية والثقافية بوجه عام هي الفردية. أو بتعبير مهذب "التفرد" ليكون كل فنان نسيجا خاصا لوحده. لا يشبه أحدا ممن سبقوه ولا يتبع مدرسة معروفة. فقد حدثت تغيرات عميقة اقتصادية وفكرية في المجتمع المصري بعد عام 1952. وبعد القضاء علي آثار نزول الفن للجماهير عام .1956 وتطور الفن بمعزل عن المجتمع. وأصبح الإنتاج لصفوة مثقفة بل لجزء من هذه الصفوة الذي له ثقافة تشكيلية. وظل الفنانون وحدهم هم جمهور معارضهم لسنوات. وهذا أدي إلي هجرة بعض المثالين من ميدان فن النحت إلي ميادين أخري مثل الرسم الصحفي أو رسم اللوحات الملونة أو العمل التطبيقي في المصانع الجديدة مثل مصنع الخزف والصيني. كل هذه التفاعلات حققت تأثيرها في جيل الوسط من الفنانين "أي وسط أو منتصف القرن العشرين". وبدأ تألقهم خلال مرحلة الاتجاه إلي التصنيع في الخمسينيات والستينيات وجميعهم ولدوا في الفترة من بداية الأزمة الاقتصادية العالمية "1929-1933" وحتي بداية الحرب العالمية الثانية. كان أهم أقطاب هذا الجيل هو آدم حنين "صمويل هنري" المولود عام .1919 فإن المرحلة الأولي من إنتاجه والتي تمتد من 1953 حتي 1971 تمثل علامة بارزة وهامة من علامات تطور فن النحت بمصر.. فقد تميزت تلك المرحلة بالأصالة التي ترتكز علي أرض صلبة هي البيئة المحلية والتراث المصري القديم.. أما إضافته لفن النحت في هذه المرحلة فتتمثل في قدرته علي التعبير عن الواقع الاجتماعي بحساسية فائقة. واستطاع أن يعبر بطريقة مستترة ذكية عن الأحداث. ويحقق الديناميكية والحيوية من داخل العمل الفني. ومن روحه العام. مبتعدا عن الأوضاع المسرحية التي سادت الفن السياسي قبله. وكان بهذه المميزات يتربع علي عرش فن النحت طوال الخمسينيات. وذلك عن التزام نابع من داخله وانفعال صادق بالأحداث التي عبر عنها في عمق وصفاء. ولكنه كان يحلم بالعالمية رغم ما حققه من مكانة كبيرة في مصر. فسافر إلي باريس وأقام بها من عام 1971 هاربا من الجو الطارد للثقافة عندما تحولت مصر من الاتجاه إلي التصنيع نحو الاقتصاد التجاري "الانفتاح" وأقام هناك متخليا عن فنه الاجتماعي. وتحول عن النحت إلي الرسم في بعض الفترات وتميز رسمه بالاتجاه إلي التجريدية البنائية. وأصبح إنتاجه في فن النحت محدودا حتي عودته إلي مصر ليتولي تنظيم مهرجان نحت الجرانيت السنوي في أسوان "السمبوزيوم". وقد عرض بعض أعماله التجريدية ذات المظهر البنائي ونال جائزة الدولة التقديرية. ثم جائزة "مبارك" أي جائزة النيل أكبر جوائز الدول. الفنان سيد أبوالسعود المولود عام 1929 والمتوفي عام 2010 كان يتبع الاتجاه الواقعي في أعماله وله العديد من الأعمال في الأماكن العامة. إبراهيم رمضان تايب "1929-1987" من المثالين التلقائيين أي الفطريين غير الدارسين للفن وقد ظهر انتاجه في بداية الستينيات وتقتصر تشكيلاته علي التماثيل المكونة من فضلات رقائق الحديد "الصاج" الملحومة إلي بعضها بلحام الاكسجين أو الكهرباء. ومن المحتمل أن تكون أعمال الفنان صلاح عبدالكريم من الحديد الخردة قد اشعلت حماسه ليتجه إلي تشكيل تماثيله من هذه الخامة. وقد حصل علي عدة جوائز عن هذه الأعمال في بعض المعارض التي شارك فيها. وفي تماثيله تفوق واضح في اقتناص حركة الحيوان وحيويته رغم طابعها الفطري.