ليست مصادفة أن يخرج علينا مسئول أثيوبي كل بضعة أشهر ليدلي بتصريح استفزازي حول إعادة تقيم مياه النيل مفادة أن مصر لا تملك حق الاعتراض علي المشروعات والسدود المقررة في مجري النهر! وجاء تصريح وزير الدولة للشئون الخارجية برهان جبر كيرستوس منذ عدة أيام ليعضد هذا المخطط الأثيوبي حيث أكد ان بلاده ماضية في إنشاء محطة الطاقة الكهرومائية المقررة.. ولم ينس التأكيد علي أن أثيوبيا مصدر 86 في المائة من مياه النهر.. لكنه تجاهل متعمدا الاشارة إلي الاتفاقيات المنظمة للعلاقة بين دول الحوض أو إلي الحقوق التاريخية لمصر التي تمتلك حق "الفيتو" ولا يجوز لأي دولة في أعالي النيل اقامة مشروعات دون موافقتها وتجاهل الوزير أيضا الكلام عن الاحتياجات الفعلية واعتماد دول الحوض - باستثناء مصر - علي الأمطار كمصدر أساسي للزراعة. أقول ان الأمر ليس مصادفة فالمسئولون في بلاد الحبشة يروجون لفكرة تقسيم المياه لفرضها كأمر واقع مستغلين التعاون الكبير مع الكيان الصهيوني وحجم التسهيلات والمساعدات الكبيرة القادمة من تل أبيب التي تحاول القيام بدور مصر مع دول الحوض والسعي الدائم إلي تدمير العلاقات الألية التي جمعتنا علي مر التاريخ وهو الأمر الذي دعا إسرائيل إلي ارسال وفد إلي أديس أبابا أثناء انعقاد اجتماع دول الحوض بشرم الشيخ لافساد الاجتماع وتفريغه من مضمونه. وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مخططا آخر يتمثل في تمويل شركات إسرائيلية لإنشاء خمسة سدود في تنزانيا ورواندا بما يؤثر بلا شك في تدفق المياه بالنهر. والمجال هنا لا يتسع لسرد محاولات تل أبيب الدائمة لتسميم العلاقة التاريخية ودق أسافين بين دول الحوض والتي بدأت في سبعينيات القرن الماضي عندما قررت إسرائيل مساعدة أثيوبيا في إنشاء سد علي النيل الأزرق وهو ما دفع الرئيس الراحل أنور السادات إلي وضع خطة طواريء لمواجهة الموقف والتهديد باللجوء للخيار العسكري لتدمير أي سدود تؤثر علي حصة مصر من المياه. أجندة المصالح بين إسرائيل وبعض دول الحوض وعلي رأسها اثيوبيا قد تجعلنا نتفهم هذا الموقف وتلك التصريحات المتلاحقة التي تهدف إلي تهيئة الناس لواقع جديد لكن الذي لا نفهمه هو الصمت المصري تجاه واحدة من أهم قضايانا ان لم تكن اهمها علي الاطلاق. سياسة المسكنات والترحيل وتأجيل الحسم لم تعد مجدية والمواجهة باتت حتمية أيا كانت التبعات. مطلوب علي الفور انشاء ادارة طواريء تضم خبراء في مختلف المجالات لتتولي هذا الملف الشائك وتضع تصورها لكل الخيارات والسيناريوهات المحتملة قبل أن نستيقظ ذات يوم علي فاجعة كبري تستدعي مواجهة حتمية مع دول الحوض.