ما يحدث في ليبيا.. أمر يندي له جبين كل إنسان حر. ثورة عربية بيضاء أخري تفجرت غضباً من الطغيان والظلم ورغبة في تغيير وجه الحياة للأفضل.. وهي أهداف نبيلة بحق.. إلا أن النظام هناك مثل كل الأنظمة المستبدة يقاومها. ولأن للمقاومة مبادئ وسقفاً المفروض ألا يتجاوزه النظام.. فإن النظام الليبي لم يحترم تلك المبادئ واخترق هذا السقف وتجاوز الخطوط الحمراء باستخدام الجيش في قمع المتظاهرين.. مما يسقط شرعية هذا النظام. الآن.. الدول الغربية خاصة أمريكا تخطط لغزو لييبا بحجة الدفاع عن الشعب الليبي في حين إن هدفها الحقيقي هو نهب بترول الشعب الليبي صاحب المرتبة السادسة بين الدول الشرق أوسطية. القذافي لا يهمه سوي نفسه.. ولذا فإن النتيجة الحتمية هي سيناريو العراق المتمثل في اغتيال القذافي واحتلال ليبيا ونهب بترولها. هل نقول: صلوا من أجل ليبيا.. أم: البقاء لله في ليبيا؟ مازال الوقت مبكراً جداً لتقييم ثورتي تونس ومصر.. فالمستجدات تتوالي علي مدار الساعة. وأسقف الطلبات تعلو كل يوم. وعجلة الحياة والإنتاج لم تستقر علي الدوران الدائم والمنشود.. وبالتالي من الصعوبة بمكان أن نحدد بشكل نهائي ما للثورتين من نجاحات وما عليهما من اخفاقات وأخطاء رغم تحديد بعضها كشواهد ماثلة أمام أعيننا. لكن.. نحن الآن نعيش في قلب ثورة ثالثة تفجرت هذه المرة في ليبيا ومن رحم الثورتين "الأم".. إلا أنها أخذت منحي مغايراً لهما.. منحي مدمراً. *** الشعب التونسي أجبر رئيس الدولة علي الفرار مبكراً واللجوء للسعودية.. والشعب المصري أسقط النظام ودفع رئيس الدولة إلي التخلي عن منصبه. ويحسب للجيش في الدولتين أنه ناصر ثورة الشعب البيضاء "الياسمين واللوتس" وحماها من الرموز المتطرفة بكل نظام.. ولم يطلق رصاصة واحدة في صدر أي مواطن. الأهم.. ان الجيش التونسي بموقفه لم يسمح لأي قوي خارجية بأن تتدخل.. والجيش المصري بحسمه للأمور "غل" يد الدول الأجنبية وحال دون تنفيذ سيناريو "عدوان 1956" من جديد.. وأعتقد أنه كان علي وشك التكرار لو تأخر التنحي يوماً أو يومين. ثورة ليبيا.. تواجه موقفاً لا تحسد عليه حيث عمد النظام هناك إلي اتباع سياسة الأرض المحروقة وأوقع "اسم الجيش" في المحظور بيد مرتزقة ترتكب مجازر وعمليات إبادة ضد الشعب الثائر وضيوفه علي السواء وتستخدم في ذلك كل الأسلحة بما فيها المقاتلات مما أسقط أكثر من ألف شهيد.. كما أصبحت ليبيا بأكملها معرضة للضياع. الصورة السوداء أمام عيني تقول انه إذا لم يذعن النظام الليبي لصوت العقل ويستسلم لمعطيات الواقع وينجو ببدنه لكي يكون للناس آية.. فإن النتيجة الحتمية والوحيدة هي القضاء عليه بيد أجنبية وسقوط البلد وبترولها في مستنقع الاحتلال والنهب بطريقة منهجية منظمة بنفس السيناريو الذي اتبع في العراق. *** المشهد الآن كالآتي: * القذافي يعاند أو يعيش سكرات السلطة ويتصور انه قادر علي اخماد ثورة الشعب بكل الطرق دون أن يتعظ ويردد نفس الكلام الذي سبق أن سمعناه: ليبيا غير تونس ومصر.. وزاد عليه بأن القذافي غير زين العابدين ومبارك!!! ربما يكون القذافي صادقاً في جزئية واحدة هي أن ليبيا غير تونس ومصر لأن لديها البترول "هيروين الأمريكان والإنجليز" والقذافي غير زين العابدين ومبارك لأنه استخدم الجيش بيد المرتزقة في حصد أرواح الشعب ولديه الاستعداد أن يحرم الشعب من ثرواته ويحرق البترول والبلد كلها علي أن يترك الحكم وكأنه ورثه عن والديه في حين لم يستخدم زين العابدين ومبارك الجيش.. والجيش نفسه لم يكن ليسمح بهذه المهزلة التي تلوث شرفه العسكري. إذا استمر القذافي علي عناده وغيه وجبروته فإن الكارثة حتمية. * الكارثة هنا هي ان الدول الغربية عامة وأمريكا خاصة تستعد حالياً لاحتلال ليبيا. بالطبع.. فإن هذه الدول لن تحرك جيوشها وأساطيلها من أجل سواد عيون الليبيين ولا من أجل الإنسانية المعذبة والذبيحة ولكن من أجل بترول ليبيا حيث يصل الاحتياطي الاستراتيجي هناك إلي 41.5 بليون برميل وهي الدولة السادسة من حيث هذا الاحتياطي وفق التقويم الشرق أوسطي بعد السعودية 262 بليون برميل وهي الأولي عالمياً أيضا. والعراق 144 بليوناً. وإيران 136 بليوناً. والكويت 102 بليون. والإمارات 98 بليوناً. من هنا يتضح سر الحركة الدءوبة بين أروقة صناع القرار الأمريكي استعداداً للغزو المحتمل بين ليلة وضحاها سواء بغطاء دولي وفق البند السابع كما حدث مع افغانستان أو بأسلوب "البلطجة البوشية" وبدون أي غطاء كما حدث مع العراق.. فالطريقان سيوصلان "شمامي" البترول إلي الحقول الليبية الغنية التي تستأثر بها عائلة القذافي فقط. ولأن القذافي "اغبي" من صدام حسين.. فسوف يقع في المحظور وسيهلك بلاده ويسلمها بالهنا والشفا للأمريكان. في رأيي ان أمريكا تتريث في التدخل العسكري لسبب وحيد ان تدخلها الآن وهي قوة خارجية قد يقلب الترابيزة عليها إذ ربما يتعاطف الشعب مع قادته وتجد مقاومة عنيفة.. ولذا تتباطأ حتي يثخن القذافي في القتل ويسقط المزيد والمزيد من الشهداء ويستجير الشعب الليبي وبالتالي يستقبلها استقبال الفاتحين. وأمريكا هنا هي الأغبي علي الإطلاق فالعبرة ليست بالبداية ولكنها دائما بالخواتيم.. وعليها ان تستعيد سيناريو غزو العراق.. حيث استقبلها الشعب العراقي بالترحاب.. ثم سرعان ما انقلب عليها عندما وجد انه غير نظاماً ديكتاتورياً باحتلال أجنبي مصاص دماء وشمام بترول.. وهذا ماسيحدث في ليبيا ايضاً.. ويقيني ان التنظيمات الإرهابية بالعراق ستنقل جزءا منها إلي ليبيا لو تدخلت أمريكا.. وستكون الكارثة كارثتين. كلنا يدرك تماماً أهداف أمريكا.. ولماذا تتمسك بالعراق رغم سقوط أكثر من أربعة آلاف جندي من أبنائها قتلي في أرض الرافدين. العراق الآن لديه احتياطي قدره 144 بليون برميل بترول.. وتوقع مركز التجارة العالمي أن يصل هذا الاحتياطي الي 300 بليون برميل خلال 5 سنوات ليقفز الي المركز الأول عالميا ويسيطر علي ربع البترول العالمي.. ويكفي مثلاً ان حقل "الرميلة" احتياطيه 17 بليون برميل بما يمثل أكثر من خمسة أضعاف احتياطي مصر كلها.. وهو الحقل الذي اقتنصته شركة "بي . بي" البريطانية من أمريكا في منافسة عنيفة لن تنساها واشنطن وتريد رد اعتبارها في الأرض الجديدة.. ليبيا. من المؤكد ان القذافي لايدرك كل ذلك.. فكل مايدركه ويعيه ان يظل في السلطة قائداً لثورة الفاتح التي حتماً عفا عليها الزمن. وملك ملوك وسلاطين إفريقيا.. ومن المؤكد انه سيطلق علي نفسه لقباً آخر يوحي بصموده أمام الخونة.. ثوار ليبيا ومحرضيهم!!! *** مابعد الاحتلال معروف للكافة.. ويكفينا أن نستعيد شريط الذكريات الأليم والبشع لعراق مابعد صدام.. سواء سلخانة أبوغريب أو القتل العشوائي والجماعي غير المميز أو هدم المنازل بسكانها والمساجد والكنائس فوق المصلين أو جرائم الاغتصاب واهدار الانسانية والتطهير العرقي. وحتماً فان فرق القتل والتعذيب الأمريكية والبريطانية جاهزة الآن جنباً إلي جنب بجوار كتائب الغزو والاحتلال. أمريكا تؤمن جداً "بفائدة الأذنين".. فهي تسمع بأذن كل الاساءات والانتقادات العنيفة والمطالبات بعدم تدخلها في الشأن الداخلي للدول.. وتخرج كل ذلك من الأذن الأخري فوراً.. وتعاود التدخل بلا حياء أو خجل. تدرك إنها القوة العظمي الوحيدة.. لذا تخرج لسانها للجميع.. وتقول: "اللي يقدر يمنعني.. يوريني نفسه" إنها لاتحترم سوي الأقوياء فقط والذين يتعاملون معها بذكاء يقوضون ذرائعها ويفوتون عليها الفرصة.. مثلما فعلنا معها يوم 11 فبراير. اتمني أن ينتهي الأمر سريعاً في ليبيا.. ويسقط النظام هناك بأيدي الليبيين ويعود البترول الليبي إلي اصحابه الاصليين.. الشعب. ومن الآن إلي أن يسقط النظام.. ادعو الجميع واقول: صلوا من أجل ليبيا.. حتي لانضطر إلي ان نقول: البقاء لله في ليبيا.. فهي الآن بين فكي الرحي: حاكم متغطرس ومجنون. وغزاة قراصنة لايخشون الله.. وسيحولون ليبيا من الأرض المحروقة.. إلي الأرض المنهوبة!