لم نكن نتخيل أن يقدم قائد عربي مسلم علي قتل أبناء شعبه المطالبين بالحرية والديمقراطية مستخدما في ذلك الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية بطريقة منهجية وعلي نطاق واسع, ولم نكن نتصور أيضا أن يصل به الأمر إلي الاستعانة بالمرتزقة من دول أجنبية ليس فقط لقمع مظاهرات المدنيين من أبناء شعبه, بل لقتلهم وانتهاك حرماتهم, وهو ما يشكل جرائم دولية يندي لها الجبين. وإن رفض طائرات وسفن حربية تلبية الأوامر الصادرة لها بقصف المدنيين, وتصفية النظام الليبي للجنود الذين يعصون الأوامر الصادرة لهم بإطلاق النيران علي المدنيين يدلل علي استهداف القذافي لأبناء شعبه بالقتل الجماعي. كما أن محاولة النظام إخفاء جثث الضحايا وتشويهها بهدف إخفاء معالم جرائمه ينبئ عما يضمره قائد هذا النظام في نفسه للشعب الليبي. ولذلك تتهم العديد من منظمات حقوق الإنسان القذافي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد شعبه, خاصة بعد أن أطل نجله علي شاشات التليفزيون يهدد المتظاهرين باستخدام السلاح ضدهم وإراقة أنهار من الدماء قبل يوم واحد فقط من الهجوم الشامل عليهم, وأعقب ذلك الهجوم ظهور القذافي نفسه يهدد شعبه بالقمع والقتل. ومن أخطر ما ورد بخطابه قوله بأنه أعطي الأوامر لضباطه بالقضاء علي الجرذان, لأن المحاكم الجنائية الدولية قد اعتبرت أن استخدام مثل هذه التعبيرات الموجهة من خلال الخطب ووسائل الإعلام يشكل تحريضا علي الإبادة الجماعية. وبذلك يتربع القذافي علي عرش عتاة الإجرام الدولي من قادة الدول الذين يتم ملاحقتهم ومحاكمتهم أمام المحاكم الدولية. مع الوضع في الاعتبار أن معظم هؤلاء المجرمين الدوليين قد وجهوا أسلحة جيوشهم وميلشياتهم إلي غير بني جلدتهم أو ممن ينحدرون من قوميات أخري, أما أن يتعمد حاكم قتل بني شعبه بهذه الطريقة الهمجية التي يرتكبها القذافي حاليا فهو أمر غير مسبوق سوف يتم التصدي له لا محالة بواسطة القضاء الجنائي الدولي. وكما فعل مجلس الأمن من قبل وأحال بعض الوقائع المماثلة للمحاكم الجنائية الدولية, فمن المرتقب أن يتم إحالة ما يرتكبه النظام الليبي من جرائم إلي ذات القضاء الدولي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بل جرائم الإبادة الجماعية إذا تمادي النظام الييبي في غيه. وبالفعل فقد طالب الأمين العام للأمم المتحدة ومفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان بتحقيق دولي مستقل بشأن حملة القمع الليبية ضد المحتجين المناهضين للحكومة. ولن يكون للقذافي التذرع بمبدأ الحصانات الدولية للتنصل من مسئوليته الجنائية, لأن الاتفاقيات الدولية والدساتير الوطنية لم تمنح رؤساء الدول تلك الحصانة لارتكاب الجرائم الدولية في حق شعوبهم. ووفقا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة يكون لمجلس الأمن اتخاذ بعض التدابير اللازمة لوقف ما يرتكب من مجازر ضد المدنيين الليبيين, والتي تتمثل في طلب الوقف الفوري لأعمال العنف التي ترتكب ضد الشعب الليبي, ثم توقيع الجزاءات السياسية والاقتصادية, وقطع العلاقات الدبلوماسية, ووقف وسائل المواصلات الدولية, وحظر السلاح, إلي إمكانية استخدام القوة العسكرية لوقف تلك المجازر وفقا لنص المادة42 من الميثاق, باعتبار أن ما يحدث في ليبيا يشكل خرقا للأمن والسلم الدوليين. وتمهيدا لاتخاذ الإجراءات المتقدمة أصدر مجلس الأمن في جلسة طارئة له قرار أدان فيه استخدام الحكومة الليبية العنف ضد المتظاهرين, وطلب من السلطات الليبية تحمل مسئوليتها بشأن حماية شعبها, واحترام القواعد الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني, ومحاسبة المسئولين عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين. وإذا لم تتوقف حمامات الدم فمن الممكن أن تكون الخطوة القادمة اللجوء إلي قواعد القانون الدولي بشأن التدخل الإنساني, إذ أن جسامة الجرائم التي ترتكب ضد أبناء الشعب الليبي تسمح بهذا التدخل. وتعني عبارة التدخل الإنساني استخدام القوة من قبل دولة أو مجموعة من الدول علي اقليم دولة أخري بهدف منع أو إنهاء انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تجري علي اقليم تلك الدولة, ويجري عادة النظر إلي هذا التدخلباعتباره البديل الذي ينبغي اللجوء إليه في حالة إخفاق الأساليب الأخري المتعارف عليها. ومن أهم شروط التدخل الإنساني وقوع انتهاكات جسيمة بشكل منظم لحقوق الإنسان الأساسية, واستنفاذ كافة محاولات وقفها, شريطة أن يطلب ضحايا تلك الإنتهاكات هذا التدخل أو يوافقون عليه, وألا يكون من أهدافه تحقيق مصالح للدولة أو الدول المتدخلة, أو أن يسعي إلي إحداث تغيير في هيكل السلطة في المجتمع, وألا يكون انتقائيا بل يقع حيثما تتأكد موجبات وقوعه, وأن يتم بإرادة جماعية بناء علي قرار شرعي صادر عن الأممالمتحدة أو عن إحدي المنظمات الدولية أو الإقليمية الأخري ذات الصلة, وألا يكون من شأن هذاالتدخلإحداث أضرار تتجاوز الهدف المتوخي منه. إن استقالة عناصر مؤثرة من النظام الليبي الحالي كوزيري العدل والداخلية ومندوب ليبيا الدائم لدي جامعة الدول العربية, والعديد من السفراء في العواصم العالمية احتجاجا علي استخدام العنف ضد المدنيين, ودعوة البعثة الدبلوماسية الليبية في الأممالمتحدة القذافي إلي التنحي, فضلا عن الاستغاثات المتكررة من المواطنين الليبيين لعظم ما يرتكب ضدهم من فظائع يشكل ذريعة للمجتمع الدولي للتدخل لوقف تلك الانتهاكات. إن العنف المفرط والاسلوب القمعي المسلح الذي يستخدمه النظام الليبي في مواجهة المحتجين سوف يؤدي لامحالة إلي حمل أبناء الشعب الليبي السلاح ونشوب نزاع مسلح داخلي بما يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين, ويدعو إلي تطبيق قوانين الحروب الواردة باتفاقيات جنيف الأربع وغيرها من اتفاقيات القانون الدولي الإنساني الأخري. إننا لا نرحب بطبيعة الحال بتدخل دول أجنبية في الشأن الليبي بما يشكل مساسا بالسيادة الوطنية لدولة عربية, ولكننا من ناحية أخري نؤكد أنه لا يمكن للمجتمع الدولي ألا يحرك ساكنا بشأن ما يرتكب ضد مدنيين عزل من مذابح ومجازر حقيقية. وللسلطات المصرية الحق في معرفة الحقيقة بشأن ظروف مقتل عدد من المصريين أثناء تلك الأحداث, واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين سلامة المواطنين المصريين في ليبيا. هذا ونلاحظ أن العديد من الحكومات الأجنبية وبعض الجهات الدولية قد شرعت في توجيه تحذيرات حادة إلي النظام الليبي بوقف المجازر التي تقترف في ليبيا, وذلك يرشح لتدخل دولي مماثل لتدخل فيتنام في كمبوديا عام1979, وبعثة الأممالمتحدة للمساعدة في رواندا عام1994, وقوات حلف الناتو لحماية المدنيين في كوسوفو عام1999, والإدارة الانتقالية للأمم المتحدة في تيمور الشرقية عام1999, وإننا نأمل ألا يأتي هذا التدخل متأخرا حتي لا يحدث في ليبيا مثل ما حدث في رواندا من قبل. ومن الجدير بالذكر أن المادة52 من ميثاق الأممالمتحدة, تمنح المنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية- الحق في معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة علي السلم والأمن الدوليين في الأقاليم التابعة لها طالما كان ذلك متلائما مع مبادئ ومقاصد الأممالمتحدة. ويعد قرار جامعة الدول العربية الصادر عنها مؤخرا بالتنديد بالجرائم المرتكبة ضد التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية الجارية في المدن الليبية والعاصمة طرابلس, والتعبير عن الاستنكار الشديد لأعمال العنف ضد المدنيين, ووقف مشاركة وفود حكومة الجماهيرية العربية الليبية في اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها أولي الخطوات الجادة الصادرة عنها في هذا الشأن. إن استخدام رئيس دولة قوات مرتزقة لقتل أبناء شعبه, وترحيبه بنشوب حرب أهلية تسفك خلالها الدماء, من أجل الإبقاء علي نظامه يدل علي مدي استخفافه بأبسط قواعد حقوق الإنسان وتجاهله لقيم الشريعة الإسلامية الغراء التي ما لبس يتشدق بها. تحية للجيش المصري الذي أبي أن يطلق عيارا واحدا نحو أبناء شعبه, وتحية لأبناء الشعب المصري الذين أعلوا بتضحياتهم رايات الكفاح.