يمكنك أن تختلف مع فاروق جويدة كشاعر.. أنا عن نفسي أختلف مع شعره وإن كان ذلك لا يعني أنه شاعر ضعيف أو صاحب موهبة عليها أي خلاف. أو بلا جمهور يقرأ له. فجمهوره يكاد يكون الأكبر بالنسبة إلي جمهور أي شاعر آخر.. لكن في كل الأحوال هناك تيارات واتجاهات وأذواق عديدة. وكل واحد يختار ما يحب ويشعر أنه يلبي احتياجه من الشعر. الأمر الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان هو مواقف فاروق جويدة التي تحظي باحترام الجميع.. فهو رجل صاحب موقف وثابت علي مبادئه وكم هاجم النظام في عز سطوته وجبروته دون أن يخشي في الحق لومة لائم. من يراجع كتابات فاروق جويدة لن يملك إلا احترام وتقدير هذا الشاعر كثيف الطلقات ضد كل ما هو فاسد في هذا الوطن.. ولذلك لم يكن غريباً علي شاعر بهذه "التركيبة" أن يرفض عرضاً بتولي وزارة الثقافة في هذا الظرف الملتبس وغير محدد المعالم. لقد عرض د. أحمد شفيق رئيس الوزراء علي فاروق جويدة منصب وزير الثقافة وحسب معلوماتي فإن الرجل اعتذر عن عدم تولي هذا المنصب بشياكة ولم يشأ أن يدخل في طابور المزايدات واكتفي بالاعتذار دون ذكر الأسباب. وظني أن فاروق جويدة كانت لديه العديد من الأسباب لرفض هذا المنصب. ربما يكون أهمها أنه ليس من "طلاب المناصب" لم يكن جويدة "عبده مشتاق" وإلا اتضح ذلك من كتاباته ومواقفه.. المشتاقون تفضحهم كتاباتهم ومواقفهم.. وفاروق جويدة لم يكن أبداً منهم في أي يوم من الأيام. الأمر الثاني أن فاروق جويدة كشاعر ومثقف كبير يدرك تماماً أن الحكومة القائمة بلا شرعية أساساً.. فهي حكومة عينها الرئيس السابق حسني مبارك.. ولك أن تقول. باطمئنان شديد. أن أغلبها من اختيار ابنه جمال فيما عدا الوزارات السيادية التي كان الابن مبعداً عنها ولا يستطيع الاقتراب منها.. دعك من الإعلام فأمرها معروف. وقد أدرك فاروق جويدة أن هذه الوزارة فاقدة للشرعية فمادام من عينها قد رحل. فإن الأصول تقضي برحليها هي الأخري.. فما معني أن نخلع رئيساً ثم نحتفظ بحكومته.. يرحل الرئيس فترحل حكومته علي الفور.. وإلا فإن الأمر يشي بمحاولات التفاف علي ثورة 25 يناير المباركة.. ومحاولات الالتفاف قائمة وواضحة لكل ذي عينين. ولعل شاعرنا الكبير فاروق جويدة لحظة أن عرضت عليه وزارة الثقافة كانت صورة د. جابر عصفور وزير الثقافة السابق حاضرة أمامه. وكيف أن الرجل - حسب تصريحاته - فوجئ بأن شيئاً لم يتغير وبأن حكومة الحزب الوطني هي التي تحكمنا حتي لو كانت مجرد حكومة تصريف أعمال. ولعل فاروق جويدة فكر ايضا في أن الوزارة الحالية فيها من وزراء تقبيل الأيادي والأقدام المكروهين من الشعب وهؤلاء سيجلسون معه علي طاولة واحدة بعد أن يصبح واحداً منهم.. كيف بالله عليكم يزامل شاعر وكاتب كبير في حجم فاروق جويدة وزيرة مثل عائشة عبدالهادي التي كانت تقبل يد زوجة الرئيس السابق؟ كيف يضحي بتاريخه الناصع من أجل منصب وزير في حكومة غير شرعية. ومن أجل جواز سفر أحمر ومعاش وزير عند التقاعد؟ لقد كتب فاروق جويدة أجمل وأعظم قصائده عندما رفض هذا المنصب الزائل وفضل أن يكون في صفوف الكتاب والشعراء الأحرار لإدراكه أن الثورة لم تكتمل بعد وأن المشاركة في حكومة غير شرعية بمثابة الخيانة للوطن والشعر وكل القيم والمبادئ السامية. أنا مدين لهذا الشاعر الكبير باعتذار.. فكم هاجمت شعره وأنا بعد شاب صغير متحمس لقصيدة النثر ورافض كل الأشكال الشعرية الأخري.. وإن كنت في مرحلة لاحقة قد أيقنت بإمكانية التعايش بين جميع الأشكال الشعرية وأصبحت أكثر رحابة في تقبلها.. اعتذر لفاروق جويدة الذي اكتشف كل يوم أنه كبير جداً..