وسط حالة من الحزن والغضب شيع أبناء وزارة الداخلية الجثمان الطاهر للشهيد كريم وجيه سيف من مسجد آل رشدان في جنازة عسكرية تقدمها اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ولفيف من قيادات الوزارة وأهالي وأقارب وزملاء الفقيد حيث تم مواراة الجسد الطاهر في مدافن الأسرة بالعاشر من رمضان. كانت الدموع هي لغة الحوار بين مودعي الشهيد.. فالفراق صعب وتبقي الآهات والآلام في صدور كل من عرفوه من الأقارب والأصدقاء. الأم المكلومة سهام مصطفي كمال التي تعمل مديرة بإحدي الشركات عاد بها التاريخ الي الوراء فوالد الضابط الشهيد كان ضابطاً ومات شهيداً أيضاً وترك لها كريم وفتاة وأنجبت بعد استشهاد فتاة لم تر والدها وحرمت من كلمة "بابا". واليوم تري تلك الأم حفيدها ياسين "8 شهور" وقد حرم من والده لتتجمد الدموع في عينها. وكلما تلقت العزاء في ولدها.. طالبت زملائه الاستمرار في عملهم لتخليص البلاد من كافة عناصر الشر. بدت الزوجة دنيا أسامة مدبولي في حالة انهيار تام تشعر وكأنها في "كابوس" لا تصدق أن زوجها الإنسان الطيب الحنون الخجول والقوي الجريء في عمله قد رحل وتركها تلاطم أمواج الحياة وحدها. ومن يري تلك الزوجة يدرك ما يدور في ذهنها: لمن سيقول "ياسين" ابن الثمانية شهور "يا بابا" وعندما يكبر سيجد نفسه دون أقرانه لم ير والده من قبل. الزوجة الثكلي تنظر الي جثمان زوجها وكأنها تتحدث إليه هل رحلت عن دنيانا حقاً وهل تركت "ياسين" في الحياة وحيداً ومتي سألقاك في جنة الخلد.. "حسبي الله ونعم الوكيل". آهات كثيرة مكتومة في صدور الضباط ولا يستطيعون الحديث والبعض يتساءل غاضباً: هل كتب علي الشباب الذي يفوق الورد جمالاً الاستشهاد علي يد عناصر الاجرام في الوقت الذي يحرصون فيه خلال العمليات علي ضبط تلك العناصر أحياء دون أن تسيل نقطة دم. التقت "المساء" مع بعض الضباط الذين تمالكوا أنفسهم.. أكد المقدم تامر فتحي "قائد الكتيبة" التي كان الشهيد أحد أفرادها أن استشهاد كريم كان إرادة من الله وكأنه كان يندفع الي نيل هذا الشرف لأن كل الملابسات تؤكد ذلك. أضاف أن الشهيد لم يكن بين الضباط الذين تم اختيارهم للمشاركة في مأمورية القبض علي الشقي الخطر أحمد حسن الشهير ب"بسلة" بعد أن وردت معلومات عن تردده علي مقهي في حي المناخ ببورسعيد حيث تم اختيار عشرة ضباط لكنه ألح علي المشاركة وتم استبداله بضابط آخر وبعد ذلك طلب من الجميع الوضوء وعلي غير العادة قمنا بالصلاة جماعة. أضاف أن الضابط الشهيد كان معروفاً عنه الخجل وقلبه كان مثل قلب الأسد في العمل وكان قليل "التهريج والهزار" إلا في هذه المرة وجدناه يبتسم في وجه الجميع ويطلق بعض القفشات ولم يتوقف عن الضحك حتي الوصول الي مكان التمركز الذي يسبق التوجه للمقهي وعندما سألته عن سر سعادته قال "أنا مبسوط لأن ياسين بدأ يتعرف علي" وقلت له: هل بدأ يقول كلمة "بابا" قال "لسه شوية". أشار الي أنه تم تشكيل مجموعة الاقتحام وأيضاً لم يكن هو المكلف بالدخول في المقدمة لكنه فاجأ الجميع وتقدم داخل المقهي وطالب الموجودين فيه بالتزام الهدوء في مقاعدهم وطلب من الشقي الخطر تسليم نفسه وقال لمن في المقهي: نحن لن نطلق النار ولن نريد أن نموته أو نؤذي أحداً وكل ما نطلبه هو الشقي الخطر. أضاف: لكن البلطجي أطلق النار من طبنجة كانت بحوزته بعشوائية أدت طلقة إلي استشهاد كريم وأصيب زميله شادي مجدي وكنا من خلفهم فقمنا بمبادلة المجرم بالنار حتي لقي مصرعه. قال المقدم تامر إن الضابط الشهيد كان يؤكد قبل دخول المقهي أنه يريد القبض علي المتهم حياً حتي نستطيع أن نتعرف علي باقي عناصر التشكيل الذي يتزعمه حيث حقق ثروة طائلة وأصبح لديه سياراتن يتم فارهتان وعدد من الشقق وأموال وكان يتم تأجيره من قبل "عناصر الشر" وسبق أن أطلق النار علي سجن بورسعيد العمومي وقد استشهد آنذاك الضابط أحمد البالكي الذي ترك طفلة عمرها 4 شهور. أكد النقيب مالك ماجد نوح زميل وصديق الضابط الشهيد أن علاقته بكريم وجيه بدأت منذ 4 سنوات في الأمن المركزي ب"العمليات" قبل أن ينتقل "كريم" الي الإدارة العامة للقطاع وكان رحمه الله أشبه بالملائكة في تصرفاته وترفعه عن الصغائر وكان مداوماً علي الصلاة ويحب عمله ويخلص فيه وعلي الرغم من تلك المشاعر الرقيقة التي كان يتمتع بها إلا أنه كان قوياً في أداء واجبه لا يهاب شيئاً ولا يخاف إلا الله يتقدم الزملاء.. أضاف: كان الشهيد سيتقدم بطلب للعودة الي "العمليات" حتي يشارك زملاءه في مواجهة "عناصر الشر" في هذه الظروف التي تحتاج فيها مصر لكل أبنائها لاعادة الأمن الي الشارع المصري وكان أهم ما يميزه أنه "ابن بلد". قال النقيب عمر هلال: "كريم" كان يستحق الشهادة.. مشيراً الي أنه رأي الشهيد مبتسماً في ثلاجة الموتي بالمستشفي. أما اللواء سامي مدبولي والد زوجة الضابط الشهيد فقال إن ما يحدث الآن في مصر لابد أن يتوقف.. فدم المصري أصبح رخيصاً علي شقيقه المصري. كان جثمان شهيد الواجب قد وصل الي مسجد آل رشدان ملفوفاً بعلم مصر وأديت الصلاة عليه وأقيمت الجنازة العسكرية.. يتقدمها وزير الداخلية واللواء أشرف عبدالله رئيس قطاع الأمن المركزي واللواء أحمد حلمي مساعد الوزير لقطاع مصلحة الأمن العام واللواء أسامة الصغير مساعد الوزير مدير أمن القاهرة واللواء عبدالفتاح عثمان مساعد الوزير للعلاقات والإعلام واللواء عادل فتيح مدير العلاقات الإنسانية.