علمنا شباب ميدان التحرير نمطاً جديداً في التفكير.. أكثر حرية مما كنا نحلم به.. وأكثر ديمقراطية مما كنا نتوق إليه.. علمونا كيف تكون الليبرالية ممارسة علي الأرض أفضل ألف مرة من كل ما سطره المفكرون والخبراء في كتبهم. وعلمنا شباب ميدان التحرير كيف تتسع مصر للجميع.. بلا إقصاء ولا استثناء.. وكيف يكون احترام إرادة الآخر مهما كانت الخلافات والاختلافات والتناقضات.. وكيف يكون للتعدد والتنوع طعم جميل في إطار الوطن الواحد. وعلمنا شباب ميدان التحرير كيف يكون التغيير سلمياً.. بالوردة والأغنية وليس بالتكسير والتخريب والبذاءة.. علمونا كيف تمارس ثقافة التغيير السلمي بدون عنف.. وبدون دروس.. وبدون قيادة. لقد قفزوا بنا فوق الواقع العتيق الراكد.. وحملونا معهم إلي مستقبل أفضل.. وقفزوا بنا فوق قواعد الديمقراطية ونظرياتها لكي نعيش حلم مصر الجديدة.. مصر الحوار والنقاش واتساع الأفق.. مصر الجريئة بلا خوف.. القوية بلا اندفاع. كنا دائما نخشي من أن تتحول أية حركة احتجاجية الي عنف وفوضي.. إلي 18 و19 يناير ..1977 وكان هاجسنا الأكبر أن تنقلب ثورة الشباب إلي "هوجة" تخريبية.. فإذا بهذا الشباب الرائع يعطينا دروساً تاريخية في النظام والنظافة والصمود والوعي والحب والإيثار والتضحية والتمسك بالقيم النبيلة. وليس عيباً أن نتعلم من أبنائنا.. ونسد بعطائهم ما فينا من ثغرات.. العيب كل العيب أن نتعالي عليهم.. ونرفض الاعتراف بأخطائنا.. ونظل متجمدين متحجرين علي ما توارثناه من مفاهيم التنظيم السياسي الواحد.. والفكر الواحد.. والأنا المتعالية. يجب أن نعترف بالفضل لشباب ميدان التحرير الذين فتحوا لنا نوافذ الحرية علي مصاريعها.. وأيقظونا من وهم الثقافة الأحادية التقليدية.. ثقافة "الكل في واحد".. وثقافة "المستبد العادل".. لنري معهم عالم الحقيقة.. عالم اعتراف الكل بالكل.. واحترام الكل بالكل.. والتعايش الجماعي بحقوق متساوية وواجبات متساوية.. بعيداً عن فكر المؤامرة والتخوين والتخابث والمكائد. ويجب أن نفحر بأننا عشنا إلي اليوم الذي رأينا فيه هذا العالم الجميل الذي كنا نظنه عالماً افتراضيا فقط لكن أبناءنا في ميدان التحرير حولوه الي حقيقة واقعة.. يؤدي المسلمون صلاة الجمعة في حراسة إخوانهم المسيحيين.. ويتحدث الخطيب عن القدوة الحسنة في سيرة محمد والمسيح عليهما الصلاة والسلام.. ويؤدي المسيحيون قداس الأحد في حراسة إخوانهم المسلمين.. المحجبة مع المنتقبة مع السافرة.. لا أحد يعلو علي أحد. يا إلهي.. حلم هذا أم علم؟! يتجاور شباب 6 أبريل مع شباب كفاية وشباب خالد سعيد وشباب الجمعية الوطنية للتغيير والشباب الناصر والوفدي والإخواني والتجمعي.. وشباب آخرين قد لا نعرفهم اليوم لكننا بالتأكيد سوف نعرفهم غدا أو بعد غد لنقدم لهم ما يستحقون من تكريم وإعزاز. هؤلاء ليسوا شباب المخدرات والملاهي والتحرش.. وليسوا شباب البلطجة واللصوصية والاعتداء علي الحرمات.. وليسوا شباب موجة أفلام العنف والكراهية والحقد الطبقي التي اجتاحتنا خلال السنوات الماضية. إنهم شباب يصنعون التاريخ كما ينبغي أن يكون.. ويصححون ما أفسد آباؤهم وأجدادهم.. شباب هم نبت طيب من هذا البلد وليسوا مستوردين من الخارج.. ولا تصدقوا أبداً أنهم صناعة "فريدوم هاوس" أو معهد كارنيجي أو منحة السلام.. هم مصريون دماً ولحماً وروحاً. وربما لأنها المرة الأولي التي نكتشف فيها أن لدينا طاقة التغيير الشبابية السلمية هذه فقد أطلق البعض عليها ثورة "زهرة اللوتس" مثلما أطلق التونسيون علي حركتهم ثورة "زهرة الياسمين" للتأكيد علي أنها سلمية وناعمة ورقيقة.. واختيار زهرة اللوتس له مدلول مهم في هذا السياق يناسب شباب ميدان التحرير وثقافة التغيير السلمي التي أظهروها.. فهي زهرة مصرية أصيلة عرفها أجدادنا منذ قدماء المصريين.. ترتوي من ماء النيل.. وتمد رأسها إلي الشمس في شموخ ولاتذبل في المساء.. وهي الآن تحاول أن تستنشق هواء الحرية النظيف. وتبقي بعد ذلك مهمة تاريخية تقع علي كاهل المصريين جميعا.. أن يحافظوا جميعا علي هذه الروح الوطنية الراقية التي أبدعها شباب ميدان التحرير.. ويحافظوا علي مكاسب ثورتهم السلمية.. وأن يطوروا هذه المكاسب يوما بعد يوم. وهذا لن يتحقق إلا من خلال الحوار الموسع الذي تشارك فيه كل الأطياف السياسية والفكرية.. وكل صاحب رؤية واجتهاد.. حوار مفتوح مخلص.. لايبتغي غير مصلحة الوطن والمواطن.. يجعل الحرية للجميع.. والكرامة للجميع.. ولايؤثر فئة علي أخري إلا بقدر ما يعطي لها الشعب من أصوات في انتخابات حرة نزيهة.. تنفض عنا غبار الماضي وغشاواته. وإذا مرت المرحلة الانتقالية الحالية بسلام.. من خلال هذا الحوار السلمي الراقي.. فسوف تدخل مصر إلي "الجمهورية الثانية".. الجمهورية الليبرالية الحرة.. التي تناسب عصر شباب ميدان التحرير.. الجمهورية الدستورية التي يعلو فيها صوت القانون فوق الجميع. تعالوا معاً نحاول قراءة كتاب الشباب.. وثقافة الشباب.. تعالوا معا "نتعلم من جديد".