الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية اشتهر بآرائه الجريئة وأنه لا يخشي في الحق لومة لائم.. وقد تبني مهمة التقريب بين المذاهب الإسلامية ومازال يترأس جمعية مهمتها لم شمل الطوائف المتفرقة وجمعها علي كلمة سواء حتي تقوي شوكة الأمة الإسلامية وتعود لها مكانتها لتكون *خير أمة أخرجت للناس* كما قال المولي سبحانه وتعالي. *المساء الديني* التقت الشيخ محمود عاشور في منزله وأجرت معه هذا الحوار: * إيران تسعي جاهدة للتقريب بينها وبين المصريين في الوقت الذي يتخوف فيه البعض من المد الشيعي.. فما أسباب هذا الخوف؟. ** أسباب الخوف يسأل عنها الخائفون أما موضوع أنهم يشيعوننا فهذا أمر غير مقبول لا شكلا ولا موضوعا لسبب بسيط أن الأزهر من بناه هم الشيعة.. فالأزهر حين بني بناه الفاطميون وكانوا علي المذهب الشيعي واستمروا علي ذلك لفترة ثم انتقل في عهد صلاح الدين الأيوبي من الشيعي إلي السني ولم يحدث أن تراجع الأزهر أو خفت دوره أو استسلم.. إذن هذا الكلام مردود عليه ومرفوض والدليل أن الصينيين والأمريكان والإنجليز والبوذيين يحضرون إلي مصر ولم يحدث أي تحول إلي البوذية أو كذا وكذا ولا خوف علي ديانة المصريين منهم. كما أنني أتساءل هل المصريون عقيدتهم هشة جدا إلي حد أن من يقول لهم تشيعوا يستجيبون ؟.. صحيح نحن نهيم حبا بآل البيت والمصريون عشاق آل البيت إنما حب معتدل متزن عاقل وسطي والذي نشره الأزهر الشريف في هذا المجتمع وهذه البيئة.. وبالتالي من يأتي لن يستطيع أن يحولنا عن عقيدتنا أو إيماننا وعن يقيننا الذي نعيش فيه أبدا إنما هي دعاوي القصد منها التشويش والتشويه وخدمة إسرائيل. * لماذا الخوف من زيارة الرئيس الإيراني مؤخرا للقاهرة ؟. ** لعبة الموازنات في السياسة ليست نظيفة.. كونك تعمل موازنة بين هنا وهناك وبين القائم وغير القائم ومن يحكم ومن لا يحكم هذه مسألة تحتاج من رجل الدين أن يكون واضحا وله خط صريح ليس فيه مواراة لأحد.. فمن الجائز أن أقول للرئيس الإيراني أنكم تسعون للتشيع وأنكم مخطئون ونحن ضد التشيع في بلاد السنة والتسنن في بلاد الشيعة.. إنما هناك قوة تحرك وتفعل وهذه القوة نعمل حسابها. * هل يمكن أن يتبني الأزهر عملية التقريب في المرحلة القادمة ؟. ** الأزهر منذ البداية وهو يتبني عملية التقريب وهناك الكثير من الجهود في هذا المجال. جمعية التقريب بين المذاهب * لماذا توقف نشاط جمعية التقريب بين المذاهب في مصر التي تترأسها فضيلتكم؟. ** هذه الجمعية لم تتوقف ومازالت قائمة ولكن التيارات المتشددة أقوي منها فنحن نسعي للتقريب ولكن التيارات المتشددة تروج للتخويف والترهيب من الشيعة خاصة في الفضائيات والكتب وغير ذلك. نحن عشنا في مصر منذ الفتح الإسلامي حتي ثورة 25 يناير أمة واحدة كنا نختلف وعندنا أحزاب من أيام الملك ولكن لم نصل لمرحلة السباب والشتائم والاتهامات القائمة الآن.. فالمصريون يحترمون ويحبون ويجامل بعضهم بعضا وخير مثال علي ذلك أنه في الفترة من 25 يناير حتي 11 فبراير اجتمع المصريون أمة واحدة ولم يسأل أحد الآخر ما دينك أو من أين أنت وما بلدك أبدا اجتمعوا أخوة متحابين يقتسمون الطعام مع بعضهم البعض.. وشاهدنا في وسائل الإعلام المسيحيين يوضئون المسلمين في ميدان التحرير ويحرسونهم أثناء الصلاة.. هذه كلها كانت صورا جميلة وعظيمة.. لكن ثورة 25 يناير لها توابع كتوابع الزلزال يخرج منها الثعابين والحيات والعقارب والحشرات الضارة وحدث.. خرجت كلها من جحورها ويرون أنهم أصحاب الحق وغيرهم ليس معهم.. وأصبحت الدنيا متفرقة طوائف تحت مسميات إخوان وسلفيين وجماعة وجهاديين وليبراليين وعلمانيين وصوفيين وشيعة وكل هذا ظهر فجأة علي الساحة.. وهناك نزال قائم بين هؤلاء وأولئك ولقد سمعنا من يقول علي الفضائيات إن العلمانيين والليبراليين والصوفيين والشيعة كفرة.. فالقضية أننا أصبحنا نري أناسا لا يفهمون ولا يعرفون الدين ولم يتعمقوا فيه ويقولون إنهم أصحاب الدين والمسئولون عنه وأنهم من يوزعون الدين علي الدنيا كلها وأصبح التكفير الآن منهجا ممنهجا وصار كل الناس عندهم كفرة أو علي الأقل إن لم يكن كافرا فهو فاسق أو مبتدع. * وما الحل؟. ** الحل أن يأتي حكيم يؤلف بين هذه الطوائف جميعا ويقول للمخطئ أخطأت وللمصيب أصبت فنحن نعيش في فوضي عارمة لا أحد يقول للمخطئ أخطأت ولا نقول للمصيب أصبت والدنيا *سايبة* تماما حتي صار عندنا انفلات أخلاقي وديني واقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني وكل هذا يحتاج لمن يضبطه. نحن نعلم أنه بعد الثورات يحدث اضطراب وأشياء مثل هذه لكنها تحتاج من يضبطها فنحن عندنا رئيس منتخب عليه أن يضبط كل هذه الأمور وأن يكون رئيسا لكل الناس وليس رئيسا لمجموعة أو فرقة أو جماعة بل رئيس لمصر جميعا لأن من انتخبه هم المصريون وعليه أن يلم شتات هذا الوطن ويجمع الشراذم المتفرقة فيها ويؤلف ويوحد بينهم ولن ينجح إلا إذا فعل هذا.. فهذه قضية ضرورة حياة بالنسبة له لأنه إن فعل سينجح ويسير إلي الأمام ومصر ستقوي وتشتد وتصبح مهابة من الآخرين أما إذا تركنا الأمور هكذا فسيأتي المتردية والناطحة وما أكل الكلب يلعب عندنا وتبقي الأمور عندنا غير سليمة ولا صحيحة. * هل أنت قلق علي الأزهر في المرحلة القادمة ؟. ** أنا قلق علي مصر كلها بما فيها الأزهر الشريف حلقة مفرغة * هل من الممكن أن يكون للتيارات المتشددة دور مؤثر بحيث ينجحون في القضاء علي الأزهر؟. ** إذا لم يتم ضبط الأمور وتنتهي حالة الفوضي سوف نظل ندور في حلقة مفرغة وتقع الكثير من المشاكل التي تشوه صورة الأزهر وتهز من قيمته.. والدليل أنه في الوقت الذي كان يكرم فيه شيخ الأزهر علي دوره الريادي ونشر الوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي نجد الطلبة يسبونه ويرفعون الأحذية بعد حالة التسمم في المدينة الجامعية وهذا غير مقبول فشيخ الأزهر اسمه شيخ الإسلام والإمام الأكبر بصرف النظر عن شخصه فالمسألة تزري بنا جميعا وتزري بمصر وبمكانتها ووضعها فعندما ينجح شيخ الأزهر في وساطته مع الإمارات في الإفراج عن 103 مساجين من المصريين وتقديم دعم مادي مهول للأزهر فهذا فخر وشرف لنا ويجب أن نستعين به في مثل هذه الأمور. * الثقافات الوافدة علي الأوطان العربية تهدد أبناءها وتنشر بذور الفتنة بينهم فما دور المؤسسات الدينية في مواجهة هذه الثقافات؟. ** نحن نهدم المؤسسات الدينية وكل يوم نبتعد عنها ونشوه صورتها فكيف تستطيع أن تقوم بدورها في توعية الشباب.. فهناك أشياء مفتعلة وقائمة ويستغلها الآخرون في تشويه صورة الناس أو في القضاء علي المؤسسات الدينية. * كيف تري حال الدعوة وما هي التحديات التي تواجهها؟ ** شاهدنا بعد ثورة 25يناير في التليفزيون أن البعض أنزل إماما من فوق المنبر واستعانوا بإمام آخر لأن السلفيين يريدون أن يخطبوا ولا يريدون إمام الأوقاف أن يخطب.. في ظل مثل هذه الأمور لن تستقيم الأحوال ولن تنجح الدعوة.. فالدعوة تحتاج خطا واحدا ولغة واحدة ومنهجا واحدا تسير به لتبني وتعلي وترقي إنما واحد يبني والآخر يهدم لن يستقيم البنيان ولن يصلح. كما أن هناك صراعا بين العاملين أنفسهم في الأوقاف فمثلا يعزلون الإمام لأن دمه ثقيل وهناك من رفع دعوي للعودة لمسجده وغير ذلك من الصراعات.. ليست هذه هي الدعوة فكيف يسمعنا الناس ونحن علي هذه الشاكلة وكيف نؤثر فيهم والدعوة نفسها مشتتة بهذه الصورة. زمان الشيخ الذهبي رحمه الله عندما كان وزيرا للأوقاف وممدوح سالم رئيسا للوزراء كان الشيخ محمود عيد في الإسكندرية ولسانه طليق يقول في الوزارة ما يشاء.. فممدوح سالم قال للشيخ الذهبي انقل الشيخ محمود عيد من الجامع الذي فيه فقال الشيخ الذهبي هذا زميلي ولا يمكن نقله ثم قال للشيخ محمود لا تخف رئيس الوزراء طلب نقلك ورفضت فقال الشيخ محمود دعني أقابله.. وقابل السيد ممدوح سالم وقال *انت فاكر إن أسوان مفيهاش دعوة زي اسكندرية أنا أقدر أجيب لك الناس من أسوان ليقتحموا عليك مجلس الوزراء*.. فاتصل رئيس الوزراء بوزير الأوقاف وقال له *خللي محمود عيد في مكانه*.. فالمسألة هنا أن الوزير يجب أن يكون أبا لكل الأئمة وإن لم يكن أبا فهو أخ أكبر وعليه أن يدافع عنهم ويحميهم وأن يوجههم فالذي أخطأ يحضره ويشد أذنه ويلومه وينصحه طالما الأبوة قائمة والبنوة قائمة سيسمع الكلام ويستجيب.. إنما أصدر قرارا بوقفه عن العمل فهذا لا يجوز.. يجب أن يكون هناك حصافة وفطنة وذكاء فنحن دعاة ولسنا غزاة والدعوة حدد ربنا مسارها بنفسه فقال *ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن* لابد أن يكون عملنا وتوجيهنا كله بالتي هي أحسن.. إنما عملية طرد هذا ونقل ذاك فيها هدم لأسر ولبيوت ولحياة.. فأنا عندما أنقل إماما من القاهرة لطنطا مثلا وعنده ثلاث أسر فأنا أخرب بيته سوف ينفق راتبه هناك وأهله "يشحتوا" هنا إنما المسألة يجب أن تراعي فيها جميع الأبعاد الاجتماعي والديني والسياسي والأخلاقي. الفتنة الطائفية * شبح الفتنة الطائفية يطل برأسه في مصر بين الفترة والأخري فما علاج هذه المشكلة من وجهة نظركم ؟. ** من يدعون الآن أنهم حماة الإسلام هم من يفعلون هذه الفتنة فيقولون لا تسلموا علي النصاري ولا تعيدوا عليهم ولا تبدأوهم بالسلام.. كل هذه فتن لوحدها لأن الأقباط في مصر شركاء وطن وكانوا هم أصل مصر قبل أن يأتي الإسلام ولما سيدنا النبي أراد أن يتعامل مع مصر لم يتعامل مع المستعمر الروماني الذي كان قائما فيها آنذاك وإنما تعامل مع الأقباط أهل مصر الأصليين وأرسل إلي المقوقس عظيم القبط رسالة كلها إنسانية وود وقابلها الرجل بود أكثر وأكرم رسول رسول الله وأرسل الهدايا ومنها مارية القبطية وأختها سيرين وبغلة وعطور وعسل.. وتزوج النبي منهم مارية القبطية يعني الأقباط في مصر أخوال إبراهيم ابن سيدنا النبي محمد صلي الله عليه وسلم.. والله سبحانه تعالي قال *يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم* فالذي خلقنا قال لنا إننا من أصل واحد آدم وحواء علي اختلاف الأديان والأشكال والألوان والبلاد.. ومعني لتعارفوا أي تتكاملوا وتتعاونوا وتتحابوا وتتلاقوا وتكون بينكم وبين بعض علاقات طيبة وود ثم يقيمنا الله بمعرفته *إن أكرمكم عند الله أتقاكم*. عملية الفتنة هذه كلها المقصود بها أيضا تفتيت مصر.. ولكي نقضي عليها لابد أن نفهم مبادئ الدين الإسلامي كما يجب قال تعالي *ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون*.. والنبي يقول *لهم ما لنا وعليهم ما علينا* علينا أن نطبق هذا ونعلم أنهم شركاء.. أليس للجار حق في الإسلام فلنعطيهم حقهم كجيران. وبما أننا شركاء في الوطن لابد أن نجتمع ونتوحد من أجل مصر لأنها تنادينا جميعا قال تعالي *واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا* فالوحدة تقوينا وتتلاقي الأفكار لما فيه صالح هذا البلد إنما تشتتنا وتفرقنا وتشرذمنا يعطي للأعداء فرصة أن يعيثوا فسادا في أرضنا.