فى هذا الوقت الذى بدأت فيه دعوات للتقارب بين مصر وإيران، أو بمعنى أدق بين أهل السنة والشيعة، يصدر كتاب عن مجلة الأزهر، ليس هناك غرض من ورائه سوى إعلان أنه لا يمكن أن يحدث تقريب أو حوار حقيقى بين السنة والشيعة، فالكتاب يفتح الباب مجددًا أمام المئات من الأسئلة حول الشيعة ومعتقداتهم، ورؤيتم للحكام، وهل يجب طاعتهم أم أنهم جميعا من مغتصبى السلطة. الكتاب بعنوان «الخطوط العريضة لدين الشيعة»، وهو للعلامة المجاهد محب الدين الخطيب (1886- 1969)، وهو هدية مجلة الأزهر الشريف فى عددها لشهر ذى الحجة 1433، بتقديم ودراسة للدكتور محمد عمارة رئيس تحرير المجلة. لا للحوار مع الشيعة تشعر من مقدمة د. عمارة أن الغرض الأساسى من إعادة نشر هذه الدراسة فى هذا التوقيت، هو الإجابة بوضوح عن السؤال الخاص بمدى إمكانية النجاح فى التقريب بين السنة والشيعة، ليعلن بوضوح - أيضا- أنه لا يمكن أن يحدث ذلك، وأن الغرض من مثل الحوارات التى تتم وتمت منذ سنوات بين السنة والشيعة، لا تهدف سوى لمحاولة الشيعة القضاء على عزلتهم، أما الفروق فى الاعتقاد فى الأمور الدينية فلا يمكن التقريب بينهما. يقول د. عمارة: سيتساءل القارئ عن قصة التقريب بين الشيعة والسنة!.. وعن شعار الوحدة الإسلامية التى يعقد الشيعة لها المؤتمرات السنوية!.. وهى من القضايا التى عرض لها هذا الكتاب، باعتبارها وهمًا من الأوهام التى يروّج لها الشيعة لخداع الجهلاء والبلهاء!. ويضيف: إن وحدة الأمة الإسلامية فريضة دينية وضرورة حياتية.. لكن الشيعة – الذين يدعون نفرًا من أهل السنة إلى مؤتمرات الوحدة - قد أخرجوا جميع أهل السنة – منذ عصر الخلافة الراشدة وإلى يوم الدين - من أمة الإسلام ودين الإسلام! فهل هناك - مع هذه العقيدة الشيعية المعلنة - مصداقية لدعوة الوحدة أو التقريب؟! بل إن زعماء الشيعة يعلنون أن مقاصدهم من وراء الدعوة إلى الوحدة والتقريب إنما إخراج الشيعة من عزلتها كى تبشر بمذهبها - أو دينها - فى الأوساط السنية، لتحويل المجتمعات السنية الموحدة مذهبيّا إلى مجتمعات طائفية سهلة الاختراق! آراء تلميذ الخمينى ويستشهد عمارة على رؤيته السابقة بما قاله آية الله مرتضى مطهرى (1920-1980) وهو تلميذ نجيب للخمينى - الذى رفع شعار الوحدة الإسلامية - وتلميذ لآية الله بروجردى ( 1875- 1961) الذى عمل على دعوة التقريب بين الشيعة والسنة بمصر فى أربعينيات القرن العشرين، وتولى الإنفاق على أنشطة هذه الدعوة، ها هو آية الله مطهرى يقول: «إننا لا نعتبر – نحن الشيعة - أن أصغر حكم- حتى المستحب والمكروه - يمكن أن يضحى به من أجل الوحدة.. وإن ما نتوقعه ونأمله هو خلق أجواء التفاهم الإيجابية التى تسمح لنا كشيعة لنا أصولنا وفروعنا، ولنا الفقه والحديث والكلام والفلسفة والآداب الخاصة بنا، أن نعرض على الآخرين ما نملك، لكى لا تبقى الشيعة فى عزلة، وتبقى أسواق العالم مغلقة فى وجه المعارف الموجودة لدينا».. ويعلق د. عمارة على ذلك قائلا: «تلك هى حقيقة الدعوة الشيعية إلى الوحدة وإلى التقريب.. وعلى المخدوعين من الجهلاء والبلهاء وأيضا العملاء أن يسألوا أنفسهم: هل هناك مصداقية لأى دعوة للوحدة أو التقريب بعد هذه الحقائق - التى قدمنا طرفا منها - عن تكفير الشيعة لأهل السنة، وإقصائهم لهم، وإخراجهم عن دين الإسلام». وبلغة حاسمة ينهى د. عمارة دراسته ومقدمته لدراسة العلامة محب الدين الخطيب، بالتأكيد على أننا أمام حقائق صلبة وعنيدة ذكرناه لإيقاظ الغافلين ولتحصين الجسد الإسلامى فى المجتمعات السنية ضد تمدد هذا السرطان، الذى يريد تفتيت هذه المجتمعات وتحويلها إلى مجتمعات طائفية ليكون بأسها بينها شديدا.. الأمر الذى لو تم - لا قدر الله - سيقطع الطريق على قيام النهضة الإسلامية المنشودة، فتفتيت وحدة المجتمعات السنية – الذى تسعى إليه الشيعة – هو الذى يحقق كل مقاصد أعداء الإسلام والمسلمين. الخطوط العريضة لدين الشيعة يستعرض كتاب «الخطوط العريضة لدين الشيعة» تاريخ نشأة الشيعة فى الإسلام، ومواقفهم ومعتقداتهم، ويبين أن الشيعة أبغضوا أصحاب رسول الله (صلى عليه وسلم)، الذين قام الإسلام عل أكتافهم، واخترعوا عداوة كاذبة لا أصل لها بين علىّ وإخوته فى الله وافتروا على الفريقين حكايات سودوا بها صفحات السوء من أسفارهم، وبنوا دعوتهم على أن الحب والبغضاء فى الإسلام ليس لرسالة الإسلام نفسها، بل لأشخاص اخترعوا لهم شخصيات وهمية لا يعرفها التاريخ ورووا بألسنة ناس معروفين بالكذب أقوالا على ألسنة أولئك النفر من آل البيت لا صحة لها، ولم تصدر عنهم، وإن العقل والمنطق يكذبانها، ونقضوا قول علىّ كرم الله وجهه (أعرف الرجال بالحق.. ولا تعرف الحق بالرجال) فسنوا قاعدة: «اعرف الحق بما رواه الكذبة عن رجال مخصوصين، ولا تنقد ما نسب إليهم كذبا بعرضه على ميزان الحق وقواعد المنطق، واخترعوا عداوات بين آل البيت أنفسهم، إلى أن أسقطوا جميع آل البيت إلا ذلك النفر القليل الذى ثبت حتى فى كتب الشيعة أنه كان يلعنهم ويتبرأ منهم، فميزان الشيعة ميزان «شخصيات وهمية» زعموا لها ما ليس للبشر من صفات، وتعصبوا لما اخترعوه هم من مبادئ وعقائد تخالف مبادئ الإسلام وعقائده، رغبة منهم فى تبديله والقضاء على رسالة الإسلام. نقاط الاختلاف بين السنة والشيعة ويسرد العلّامة محب الدين الخطيب عددًا من نقاط الاختلاف بين السنة والشيعة فى المعتقدات الإسلامية، فمثلا يرى أن مفهوم الفقه الإسلامى عندهما لا يرجع إلى أصول مسلمة عند الفريقين، والتشريع الفهى عند الأئمة الأربعة من أهل السنة قائم على غير الأسس التى يقوم عليها التشريع عند الشيعة. ويؤكد مؤلف الكتاب أن أول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه «التقية» فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما لا يتظاهرون له به من رغبتهم فى التفاهم والتقارب، وهم لا يريدون ذلك، ولا يرضون به ولا يعملون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد، مع بقاء الطرف الآخر فى عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة، ولو توصل ممثلو دور التقية منهم إلى إقناعنا بأنهم خطوا نحونا بعض الخطوات، فإن جمهور الشيعة كلهم من خاصة وعامة يبقى منفصلا عن ممثلى هذه المهزلة، ولا يسلم للدين يتكلمون باسمه لهم حق التكلم باسمه. ويتوقف مؤلف الكتاب - كذلك - عند موقفهم من القرآن الكريم: «وحتى القرآن الكريم الذى كان ينبغى أن يكون من المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب نحو الوحدة، فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، وإلى غير ما فهمه منها أئمة الإسلام عن الجيل الذى نزل عليه القرآن، بل إن أحد كبار علماء النجف وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقى النور الطبرسى، ألّف كتابا بعنوان «فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم فى مختلف العصور، بأن القرآن قد زِيد فيه ونقص منه. أما عن موقفهم من الحكام ورأيهم فيهم، فيسوق مؤلف الكتاب كلاما خطيرا، بدأه بأنه يلفت نظر حكوماتنا الإسلامية إلى أن أصل مذهب الشيعة الاثنى عشرية، التى تسمى أيضا الجعفرية، قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى هذه الساعة - عدا سنوات حكم على بن أبى طالب - حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعى أن يدين لها بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما هو قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد حكومات مغتصبة، والحكام الشرعيون فى دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الأئمة الاثنا عشر وحدهم، سواء تيسر لهم مباشرة الحكم أو لم يباشروه، وكل من عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من أبى بكر وعمر إلى من بعدهما حتى الآن، مهما خدموا الإسلام ومهما كابدوا فى نشر دعوته، وإعلاء كلمة الله فى الأرض، وتوسيع رقعة العالم الإسلامى، فإنهم مفتئتون مغتصبون إلى يوم القيامة، لذا يلعن الشيعة أبا بكر وعمر وعثمان وكل من تولى الحكم فى الإسلام غير علىّ. قد بلغ من حنقهم على مطفئ نار المجوسية فى إيران، والسبب فى دخول أسلاف أهلها فى الإسلام، سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أن سموا قاتله أبا لؤلؤة المجوسى «بابا شجاع الدين» روى على بن مظاهر- من رجالهم- عن أحمد بن اسحاق القمى الأحوص شيخ الشيعة ووافدهم: «أن يوم قتل عمر بن الخطاب هو يوم العيد الأكبر، ويوم المفاخرة، ويوم التبجيل، ويوم الزكاة، ويوم البركة، ويوم التسلية». حكومات غير شرعية يوضح أكثر العلّامة محب الدين الخطيب فكرته الخاصة بأن الشيعة ينظرون إلى الحكومات على أنها غير شرعية قائلا: «ومن أبى بكر وعمر وصلاح الدين الأيوبى، وجميع الذين فتحوا للإسلام ممالك الأرض، وأدخلوها فى دين الله، والذين حكموها باسم الإسلام، إلى هذا اليوم الذى نحن فيه- كل هؤلاء فى عقيدة الشيعة التى يلقون الله عليها- حكام متغلبون ظالمون ومن أهل النار، لأنهم غير شرعيين ولا يستحقون من الشيعة الولاء والطاعة والتعاون على الخير، إلا بقدر ما تتيحه عقيدة التقية والطمع فى الأخذ منهم والمداجاة لهم، ومن عقائدهم الأساسية أنه عندما يقوم المهدى (وهو إمامهم الأثنا عشر) الذى هو حى الآن، وينتظر خروجه ليحاكم جميع الحكام الذين سابقوه، لأنهم اغتصبوا منه ومن آبائه الأحد عشر إماما الحكم». ويؤكد مؤلف الكتاب أن الشيعة من أيام الدولة الصفوية إلى الآن متمسكون بهذه العقائد أكثر مما كانوا عليه قبل ذلك، وهم الآن مؤمنون بكل ذلك، أو متعلمون تعليمًا عصريّا انحرفوا به عن هذه الخرافات إلى الشيوعية، فالشيوعية فى العراق، وحزب تودة فى إيران، يتألف من أبناء الشيعة، وليس فيهم حزب وسط، إلا من يتظاهر بالتقية لمآرب مذهبية أو دبلوماسية أو حزبية أو شخصية، ويضمر غير الذى يتظاهر به. وبلغة حاسمة – بعد أن استعرض فكرهم- يرى محب الدين الخطيب، استحالة التقريب بين طوائف المسلمين وفرق الشيعة، وذلك بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين فى الأصول، كما اعترف بذلك وأعلنه منظروهم من أمثال الطوسى وأقره عليه نعمة الله الموسرى وباقر الخونسارى، وأقره كل شيعى. من هو محب الدين الخطيب الجدير بالذكر أن العلامة محب الدين الخطيب (1886- 1969) ينتمى لأسرة عريقة فى العلم والخطابة والتدريس بمساجد دمشق، وله العديد من المواقف الداعمة لاستقلال الشعوب، وهو من أوائل العلماء والزعماء الذين اشتركوا فى تكوين جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام 1927 لمواجهة التحديات الاستعمارية والتغريبية التى حدثت فى الشرق الأوسط، بعد سقوط الخلافة العثمانية، ومن مؤلفاته: اتجاه الموجات البشرية فى جزيرة العرب، تاريخ مدينة الزهراء بالأندلس، ذكرى موقعة حطين، الأزهر ماضيه وحاضره والحاجة إلى إصلاحه، الرعيل الأول فى الإسلام، دفاع عن الحديث النبوى بالاشتراك مع آخرين، الحديقة صدر منها ثلاثة عشر جزءًا، اشتملت على روائع اللغة والأدب العربى، سرائر القرآن الذى ترجمه من التركية إلى العربية.