فارق بين الدين وبين الفكر الديني.. فالدين: وحي سماوي معصوم, ووضع إلهي ثابت.. ونقده.. وخاصة أصول الإيمان فيه زندقة وإلحاد وخروج علي الملة ونقض لعري الإيمان. أما الفكر الديني, فهو الفهم البشري للدين, والاجتهاد غير المعصوم الذي يراه العلماء ممثلا للصواب في فقه أحكام الدين.. وهذا الاجتهاد ملزم لأصحابه فقط, وليس ملزما للآخرين. وإذا كان نقد غير المتخصصين للفكر الديني هو جهالة وسفاهة, كتبت في التحذير منها الكتب مثل كتب حجة الإسلام الغزالي,054 505 ه8501 1111 م]: إلجام العوام عن علم الكلام و: المغنون به علي غير أهله .. فإن نقد الفكر الديني من قبل العلماء الراسخين في العلم هو الشرط والمقدمة للاجتهاد والتجديد.. إذ لو سلم الخلف بكل ما قاله السلف لما كانت هناك حاجة لإعمال العقل كي يراجع الموروث, ويقدم الجديد, ويواكب المستجدات, ولكنا جميعا مع الذين قالوا:, إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون] الزخرف:32 .. وفي تاريخ الفكر الديني لأهل السنة والجماعة الذين يمثلون09% من المسلمين شاعت وتشيع الانتقادات والمراجات للمقولات, بل الانتقال من مذهب الي مذهب آخر, وذلك بسبب نفي العصمة عن الأئمة والعلماء, ولأن الأغلبية عادة تكون أكثر اطمئنانا وجرأة في نقد الذات.. وليس كذلك الحال في الفضاءات الفكرية للأقليات الإسلامية, التي تدفعها العصبية كي تحافظ علي الذات الي الابتعاد عن نقد الأفكار, وخاصة إذا كان النقد موجها الي الأصول التي بنيت عليها مذاهب هذه الأقليات.. ولهذه الحقيقة التي يعرفها الخبراء بالمذاهب الإسلامية كانت سعادتي بالغة بالكتاب الفذ الذي ينشره الآن المعهد العالمي للفكر الإسلامي للعالم الشيعي البارز الشهيد آية الله مرتضي مطهري,8331 0041 ه0291 0891 م] وهو تلميذ الخميني, وأحد أعلام الفكر والثورة في إيران. لقد كتب مطهري كتابا شجاعا جعل عنوانه:, نقد الفكر الديني].. سلط فيه الأضواء علي الانحرافات والخرافات التي شاعات في الفضاء الفكري الشيعي, بل التي مثلت قواعد للمذهب. وذلك من مثل: 1 النقد الذي وجهه للمدرسة الأخبارية, التي أقامت قواعد المذهب الشيعي علي الأخبار.. والمرويات, بعد أن استبعدت القران.. والعقل.. والإجماع لأن القرآن في زعمهم لا يفهمه إلا الإمام وهو غائب !.. ولأن العقل لا دخل له في الدين.. ولأن الإجماع قد جاء من عند أهل السنة, وهو الذي جاء بأبي بكر الصديق الي الخلافة بدلا من علي بن أبي طالب!!.. وفي نقد هذا المنهاج الأخباري قال آية الله مطهري: قبل نحو أربعة قرون, شهدت الأوساط الشيعية حركة سميت بالحركة الإخبارية, هيمنت علي عقول الناس ثلاثة قرون.. كانوا يرفضون منهج الاجتهاد, بحجة أنه مأخوذ من أهل السنة.. ولقد عارضوا حجية ثلاثة من الأدلة الأربعة: الكتاب.. والعقل.. والإجماع.. عارضوا القرآن, لأنه بزعمهم أرفع مرتبة من أن يفهمه البشر العاديون, بل لا يحق لأحد غير الأئمة أن يفهم القرآن, وهو إنما نزل كي يفهمه الأئمة فقط.. فنحن لسنا مخاطبين بالقران.. لقد أسقطوا اعتبار حجية القرآن!!. وأسقطت هذه الحركة الأخبارية حجية العقل.. وقالوا: إن الدين ليس من مجالات تدخل العقل, فعلي الإنسان أن يخطي عقله, وإذا ما وجدنا رواية تخالف العقل علينا أن نرفض العقل ولا نسمح له بالتدخل.. ولذلك دعوا الي الأخذ بالروايات دون التمييز بين الصحيح والسقيم. كما أسقطوا حجية الإجماع, لأنه عندهم من أدلة أهل السنة, وهو وسيلة استخلاف أبي بكر وتنحية الإمام علي عن الخلافة, بعد الرسول صلي الله عليه وسلم.. وهكذا لم يبق عندهم من الأدلة الأربع إلا الروايات, التي دس فيها الوضاعون ما شاؤوا من الأكاذيب 2 كذلك انتقد آية اللة مطهري شيوع التخلف الفكري في الفضاء الشيعي, وانتشار الشعوذات والخرافات التي سيطرت علي العلماء والعوام مستندة الي الروايات والأخبار وذلك من مثل: المرويات التي تجعل الناس يدفعون قسما من الأموال لسدنة المراقد المقدسة, لكي يدفنوا بالقرب من قبور أولياء الله, حيث لا يجرؤ الملائكة علي تعذيبهم!.. فالدفن في هذه الأماكن يؤدي الي تجاوز السيئات, ويغني عن كل شيء!.. وحتي لو قضينا عمرنا الطويل بدون تقوي وبدون عمل, ثم نوصي أن يحملوا جنائزنا الي النجف لندفن هناك, فستنصلح أمورنا! وسيادة المرويات التي تجعل التشيع وحب آل البيت وسيلة للتهرب من تحمل المسئولية الإسلامية.. فالانتماء الي الإمام علي كاف للنجاة.. وهناك رواية مشهورة تقول: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة!.. ويكفي لضمان السعادة والحظوة عند الله أن يطلق المرء علي نفسه شيعي! وانتشرت الروايات التي تزكي الغرور, وتقول: إن الأعمال الصالحة من غير الشيعة غير مقبولة.. وأن الذنوب والسيئات التي يرتكبها الشيعة كلها مغفورة! وكثرة الروايات التي نسجت الأساطير عن الإمام علي, وعن سيفه الذي شق أحد الأبطال اليهود في خيبر نصفين متساويين, ثم تعداه الي جبريل فجرحه جرحا مرض بسببه أربعين يوما, الأمر الذي أخر صعوده الي السماء تلك المدة حتي يعالج جراحه!.. وانتشرت الروايات الأسطورية عن وقائع كربلاء, فاختلفت أسماء لأصحاب الحسين لا وجود لهم في التاريخ!.. وأسماء لأعداء الحسين لا وجود لهم في التاريخ!.. بل اختلاق أسماء لأبناء للحسين لا وجود لهم في الواقع والتاريخ!.. وانتشرت الروايات التي أدخلت عقائد مسيحية في الفكر الشيعي.. من مثل أن الحسين قد عرض نفسه الي القتل ليحمل علي عاتقه ذنوب الأمة!. 3 كذلك انتقد آية الله مطهري شيوع التعصب القومي الفارسي في إيران ضد العرب وضد العربية لغة القرأن الكريم.. وشيوع هذا التعصب القومي في الكتب والصحف والمجلات. 4 كما اعترف آية الله مطهري بأن هدف الشيعة من رفع شعار التقريب بين المذاهب, ليس تحقيق الوحدة الإسلامية.. وإنما الهدف الحقيقي هو إخراج الشيعة من العزلة التي يعانون منها.. وذلك حتي يعرضوا معارفهم في أسواق العالم الإسلامية المغلقة.. في وجههم!.. وذلك دون التنازل عن حتي مستحب أو مكروه من عقائد الشيعة في سبيل الوحدة الإسلامية, التي هي فكرة. غير عملية من الأساس!!. هكذا تحدث آية الله مطهري, بهذه الشجاعة, ناقدا الفكر الشيعي, علي هذا النحو المتميز, في هذا الكتاب الفذ الذي قدمنا منه هذه الإشارات. المزيد من مقالات د. محمد عمارة