بسبب الوزن.. عماد النحاس يستبعد نجم الأهلي من قائمة الفريق أمام المصري    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    مستشار الرئيس الفلسطيني يرد على الخلاف بين محمود عباس وشيخ الأزهر    السفارة المصرية بالتشيك تقيم حفل استقبال رسمي للبابا تواضروس    الدولار ب50.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 8-5-2025    ارتفاع 1060 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة محليًا وعالميًا    وزارة التموين تكشف موعد التحول للدعم النقدي    بعد سداد ديونها للبنك الدولي، قطر تمنح سوريا 29 مليون دولار شهريا لدعم رواتب الموظفين    الرئيس الفرنسي يؤكد ل «الشرع» ضرورة حماية كل السوريين دون استثناء    100 شهيد خلال 24 ساعة.. الاحتلال يواصل جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة    بنك التنمية الجديد يدرس تمويل مشروعات في مصر    سول: بيونج يانج أطلقت صاروخا باليستيا واحدا على الأقل باتجاه البحر    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    «مفاجأة كبرى للجماهير».. ميدو يعلن موعد حل أزمة القيد    «عتاب الحبابيب قاسي».. رسالة نارية من إكرامي ل الخطيب    زحام مرورى بسبب حادث تصادم أعلى الطريق الدائري بمنطقة السلام    طقس اليوم الخميس.. شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 34    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    دور العمارة الداخلية في تنشيط السياحة، رسالة ماجستير للباحثة هالة الزيات بكلية الفنون الجميلة    قاض يمنع إدارة ترامب من ترحيل مهاجرين إلى ليبيا.. ما السبب؟    لمدة 3 أيام.. بدء سريان هدنة فلاديمير بوتين بين روسيا وأوكرانيا    «نصيحة أعادت زيزو إلى الزمالك».. ميدو يكشف تطورات أزمة نجم الأبيض    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    إعلام حكومة غزة: نرفض مخططات الاحتلال إنشاء مخيمات عزل قسري    رسميًا.. انطلاق سيارات Lynk & Co لأول مرة في مصر - أسعار وتفاصيل    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    الرابع.. بلاغ بتعرض طفل جديد لهتك عرضه على يد "بعرور كفر الدوار"    حدث ليلًا| مدبولي يعلق على توقف الهجمات بالبحر الأحمر وموعد استطلاع هلال ذي الحج    طلب إحاطة بالبرلمان لمحاكمة مافيا سماسرة وشركات الحج    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    تفاصيل اعتداء معلم على تلميذه في مدرسة نبروه وتعليم الدقهلية يتخذ قرارات عاجلة    "أولياء الأمور" يشكون من جداول امتحانات الترم الثاني: تؤثر على نفسية الطلاب    سحب 116 عينة من 42 محطة وقود للتأكد من عدم «غش البنزين»    تحرك جديد من المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية - تفاصيل    رسميًا خلال أيام.. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 بعد قرار وزارة المالية (احسب قبضك)    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    «فستانك الأبيض» تحتفظ بصدارة يوتيوب.. ومروان موسى يطيح ب«ويجز» بسبب «الرجل الذي فقد قلبه»    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    قبل الإعلان الرسمي.. لجنة الاستئناف تكتفي باعتبار الأهلي مهزوم أمام الزمالك فقط (خاص)    بيولي ل في الجول: الإقصاء الآسيوي كان مؤلما.. وأتحمل مسؤولية ما حدث أمام الاتحاد    خريطة العام الدراسى المقبل: يبدأ 20 سبتمبر وينتهي 11 يونيو 2026    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    بعد تداولها على مواقع التواصل، مصدر يرد على جدل قائمة مصروفات جامعة القاهرة الأهلية    أخبار × 24 ساعة.. التموين: شوادر لتوفير الخراف الحية واللحوم بدءا من 20 مايو    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    عمرو الورداني يقدّم روشتة نبوية لتوسعة الخُلق والتخلص من العصبية    المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآنيون
نشر في الشعب يوم 18 - 08 - 2007


بقلم: الدكتور أحمد عبد الرحمن

نشرت جريدة الدستور بعددها الصادر يوم 19/7/2007 مقالا للدكتور محمد السعيد مشتهري حول "القرآنيين" ومنكري السنة، عرض فيه لبعض المشكلات المهمة، وأعرب عن آراء تستدعي المراجعة.
*فهو يعترض على وضع"القرآنيين" في سلة واحدة وإصدار الحكم عليهم (دون تمييز) بأنهم ينكرون السنة!
والحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن الحكم بإنكار السنة لا يصدر على عنوان أية جماعة تسمى " القرآنيون"، أو" أهل القرآن" بل مناط الاتهام والحكم هو موقف الجماعة أو الفرد من السنة. وقد تحدث تجاوزات من بعض الوعاظ أو الخطباء، ولكن حين يصل الاتهام إلى ساحة القضاء فإنه لا يثبت إلا على من ينكر السنة بصرف النظر عن اسم جماعته أو مذهبه. وكذلك حكم علماء الحديث المعتبرين. وهؤلاء هم المستند.
ولا يثبت" إنكار السنة" على من ينكر حديثا معينا إذا قدم الأدلة العلمية التي تبين أن في سنده أو متنه علة، تحتم إخراجه من نوع الحديث الصحيح إلي نوع الحديث "الحسن" الذي هو أدنى في درجة الصحة. ومنذ عهد النبوة أنكر بعض الصحابة بعض الأحاديث لتصادمها مع آيات الكتاب العزيز. ولعل أشهر من فعل ذلك أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. ولا يزال الباحثون المسلمون ينكرون صحة بعض الأحاديث، لتصادمها مع آية من آيات القرآن الكريم أو مع حديث آخر أصح منها. وقد كتبت أنا مقالا أنكرت فيه أن اليهود سحروا النبي صلى الله عليه وسلم، نشرته مجلة الاعتصام، ثم نشرته دار الاعتصام في كتابي "رسالة إلى خطيب مسجدنا" سنة 1992. ولم يقل أحد إنني أنكرت السنة!، لأنني قدمت الأدلة العلمية التي تثبت أن السند والمتن معتلان، مما يبين أن الخبر من وضع مؤلف كذاب، وليس من الأحاديث النبوية! والمحدثون المسلمون فحصوا الأحاديث النبوية فحصا دقيقا صارما، أعادوا فحصها جيلا بعد جيل، وكانت الغاية النبيلة هي: صون السنة المطهرة من الإضافة والانتقاص. وقد سجلت جهودهم الجبارة في مؤلفات علمية عديدة. ووضعت الأخبار المزورة في مجلدات خاصة سميت كتب "الموضوعات" أو "الضعفاء"؛ ولعل من اشهرها كتاب " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" للإمام عبد الرحمن الجوزي رحمه الله، حيث أنكر نسبة ألف وواحد واربعين خبرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يقل أحد إن ابن الجوزي من منكري السنة، لأنه لم ينكر خبرا واحدا إنكارا تعسفيا دون بيان العلة في السند أو المتن.
ولقد خاض علماء الحديث الكبار معارك طاحنة ضد المزورين، الوضاعين من الزنادقة والمبتدعة والمتعصبين، واستطاعوا أن يبلوروا معايير صارمة لتمييز الحديث الصحيح من الخبر الزائف الموضوع، وهي:
1- التضاد مع القرآن الكريم،
2- التضاد مع أحاديث نبوية صحيحة،
3- التناقض مع بدهيات العقل،
4- التناقض مع شواهد الحس،
5- قرائن حال الراوي أو الخبر المروي،
6- ركاكة الألفاظ والمعاني. (مقدمة ابن الصلاح؛ ص315 )

وحرم العلماء رواية الأخبار الموضوعة إلا مقرونا بوصفه بالضعف. وبرع المتخصصون في تمييز الحديث الصحيح من الأخبار الزائفة إلى حد يثير الإعجاب، وفي هذا يقول ابن الصلاح: "إن إنسانا لو خدم إنسانا سنين ، وعرف ما يحب وما يكره، فجاء إنسان وادعي انه يكره شيئا يعلم ذلك انه يحبه؛ فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيب من قال إنه يكرهه". (المرجع نفسه ص 315) هذا طبعا إلى جانب المعايير العلمية السابقة. ولم يقل أحد إنهم منكرون للسنة، بل وصفهم المسلمون دائما بأنهم خدام السنة وحماتها.
ولا تزال عمليات النقد والفحص والمراجعة جارية، حتى يومنا هذا؛ وهذه العمليات هي التي يطاق عليها اليوم "تنقية السنة". وقد أساء د. مشتهري فهم كلام المفتي عن "التنقية". قال المفتي: "إن آلية التصحيح لا تقوم على الحذف والاستبعاد التام للأحاديث الضعيفة والموضوعة، كما ذكر أن فضيلة المفتي قال: " أنا مابضيعش حاجة. أنا بحافظ على الكل". فتسائل د. مشتهري: "ألا يعني ذلك أن علماءنا أنفسهم متشككون حجية الحديث عندما يخافون أن يحذفوا شيئا يرونه ضعيفا، لعل شخصا يأتي غدا ويراه صحيحا؟"
*هاهنا جملة أخطاء. فقد فهم الكاتب من كلام المفتي آن العلماء يحافظون على كل ما عرف من أخبار وروايات، دون تمييز بين الأخبار الضعيفة والموضوعة!
وهذا خطأ جسيم. فكلام المفتي لا يمكن أن يعني أن العلماء المسلمين متشككون في حجية السنة، فهم- علي العكس – موقنون بحجية الأحاديث الصحيحة. (راجع: مقدمة ابن الصلاح؛ ص 100) والخطأ الثاني الكبير هو إصدار الأحكام على الأحاديث بالجملة! والعلم يقتضي تناولها حديثا حديثا. فما ثبتت صحته وضعوه في طبقة الصحيح، وما ثبت "حسنه"، سلكوه ضمن الحسن، وما تبين لهم انه موضوع عزلوه ضمن "الموضوعات" التي لا يحل لأحد روايتها إلا مقرونة بوصمة الوضع.
والمحدثون لا يكفون عن الفحص والنقد جيلا بعد جيل؛ وهم يتناولون الصحيح والحسن والضعيف والموضوع للتأكد من صواب التقويمات السابقة؛ والهدف النبيل هو: استبعاد كل خبر زائف، وضم كل صحيح أو حسن. والخلاف بينالألباني والسقاف يجب أن يسلك ضمن الفحص الدائم للسنة المطهرة. وهذه ظاهرة صحية، إيجابية وليست داعيا لأي تشكيك أو تعجب أو سخرية.
وهذا العمل العلمي بدأ منذ القرن الثاني الهجري، حين فحص أبو الحسن الدارقطني صحيحي البخاري ومسلم – اصح كتب السنة – أبدى ملاحظاته على عدد منها.
وهنا نقابل الخطأ الأكبر الذي ورد في مقال د. مشتهري فقد نقل كلام المفتي عن "تنقية" السنة وختمه بقوله: " يقال إن في البخاري حوالي عشرة بالمائة أحاديث ضعيفة، وكذلك صحيح مسلم". وهنا نصطدم بالفرق الشاسع بين كلام العلماء المدققين، وكلام المجازفين! فالعلماء المدققون لا يتحدثون عن صحيحي البخاري ومسلم بإصدار أحكام عاقة على مئات الأحاديث (10% = 400 حديث تقريبا في البخاري)، قبل الشروع في "التنقية"! المدققون – كالدار قطني وابن حجر وغيرهما – تناولوا الأحاديث حديثا حديثا، لأن لكل حديث فردانيته من حيث السند والمتن. تناول الدار قطني مائة وعشرة أحاديث في صحيح البخاري، حديثا حديثا، لا ليثبت ضعفها، بل ليتأكد من استيفائها شروط الصحة؛ ووجد أن بعضها يجب أن ينزل إلى درجة "الحسن" أو" الضعيف"؛ أعاد ابن حجر العسقلاني فحص تلك الأحاديث، حديثا حديثا، واثبت أنها تستوفي شروط الصحة. (هدى الساري؛ 346- 383) . وقال في إيجاز شديد – بعد بحوثه الدقيقة المفصلة، إنه: "لا يظهر منها ما يؤثر في اصل موضوع الكتاب – بحمد الله- إلا النادر". ( المرجع نفسه ص 348 )

وميز ابن الصلاح بين نوعين من الأحاديث في صحيح البخاري: النوع الأول صحيح بلا إشكال، وهو الذي روي بإسناد متصل؛ والنوع الثاني حذف من إسناده راو أو اكثر، فينزل من مستوى الصحيح إلى مستوى الحسن، لكنه ليس" موضوعا" يعني ليس كذبا. وبصفة عامة حين يقول المحدثون عن حديث إنه: " ليس صحيحا" فهم لا يقصدون انه كاذب، بل يريدون إنزاله إلى مرتبة "الحسن"، أو الضعيف.
وأجمع المحدثون على ندرة " الحسن" و" الضعيف" في صحيحي البخاري ومسلم. وان وجد ففي الشواهد، لا في صلب موضوعات الأبواب.
* فأين هذه المناهج العلمية الرصينة من المجازفات التي تحكم على 10 %من أحاديث البخاري بأنها من النوع الضعيف قبل كل بحث أو فحص؟!
* وحدد العلماء الأسانيد الصحيحة ورجالها، أهمها: " الزهري عن سالم عن أبيه". و" الأعمق عن إبراهيم عن علقمة عن عبيد الله". و" مالك عن نافع عن ابن عمر". (مقدمة ابن الصلاح؛ ص 84)
وفحص العلماء حالة كل من قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"من حيث العدالة والضبط والاتصال. فالإمام محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، رحمه الله، فحص أكثر من أحد عشر ألف راو من الرجال والنساء، وأورد أقوال الأئمة في حالة كل راو. ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال).
وهكذا اصبح تزوير الأحاديث شبه مستحيل. ولقد تحدى الإمام احمد بن حنبل خلفاء بني العباس أن يأتوه بحديث يسوغ قولهم إن القرآن مخلوق، وكان العلماء من المعتزلة محتشدين في مجالس الخلفاء يشهدون التحدي، فلم يستطع أحدهم أن يزور حديثا ينتصر لمذهب الخليفة! لأن الإمام احمد كان قادرا على إثبات التزوير!
* والإمام احمد وأمثاله من جهابذة الحديث هم الذين يؤخذ عنهم مذهب أهل السنة، لا الأحاديث التلفازية والتحقيقات الصحفية! وقد نقل د. مشتهري عن أحد الشيوخ في برنامج "الحقيقة" قوله إن الإمام البخاري معصوم!! ومعلوم للكافة أن المعصوم عند أهل السنة فقط هو النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وعصمة النبي ليست مطلقة؛ أي أن احتمال أن يخطئ في الأمور غير الدينية وارد. وللعلماء تفاصيل في المسألة. وهذا بخلاف الشيعة الإمامة الذين يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الإثنى عشر معصومون عصمة مطلقة.
هذا هو الطريق إذا أردنا أن نقدم للناس حقائق الدين الصحيحة، وان نجنبهم الأخطاء والخرافات، أما خطف كلمة من التلفاز وأخرى من مقال، فلا يحقق شيئا!
وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة أخرى في المقال موضع المراجعة.

* إلغاء المذاهب
فالدكتور مشتهري يرى: " وجوب العودة إلى فكر الأمة الواحدة الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم جميعا، قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة".
وهذه الدعوة تبدو جميلة وسليمة، لكنها في الحقيقة مجرد خيال بعيد عن الحقائق والواقع. وذلك لان المذاهب تعبيرات عن الخلاف بين الأفراد والجماعات، لدى الأمة المسلمة وجميع أمم العالم. والخلاف فطرة لا يمكن القضاء عليها، وليس مطلوبا القضاء عليها، لأنها مصدر التباين والتنوع والثراء في الفكر البشري. ولم يحدث قط أن وجدت أمة دون وجود خلاف بين أفرادها، إبتداءا من ابني آدم عليه السلام! وقد أورد الشهرستاني في كتابه: " الملل والنحل" آراء العرب في الجاهلية، فمنهم منكرو الخالق والبعث والإعادة، ومنهم من عرف الله ولكنه أشرك معه الأوثان؛ وهؤلاء هم الذين عارضوا التوحيد الذي دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقالوا- كما جاء في القرآن الكريم- : " أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب" (سورة ص – الآية رقم 5).
كذلك عرض الشهرستاني مذاهب الهنود من البراهمة، والقائلين بالتناسخ، وأصحاب الروحانيات وعبدة الكواكب وعبدة الأصنام. ( الملل والنحل؛ ج 3 ص 76– 109).
فكان التوحيد هو المذهب الذي عارض الوثنية وتعدد الآلهة؛ ثم إن بعض العرب كانوا مسيحيين وعارضوا الإسلام وجادلوا النبي والمسلمين جدالا طويلا. وفي المدينة اصطدم الإسلام باليهودية، ودارت بين النبي واليهود مجادلات عنيفة.. واختلف الصحابة مع النبي نفسه في عدة مواقف يوم أحد، ويوم الخندق، وإمارة أسامة بن زيد، حيث لا نص ولا وحي. وكانت مسائل الخلافة والإمامة هي اخطر المسائل الخلافية يوم السقيفة بين الأنصار والمهاجرين. وتفاقم الخلاف بعيد مقتل عثمان رضي الله عنه بين علي بن أبى طالب أمير المؤمنين، رضي الله عنه وبين معاوية بن أبى سفيان والي الشام الذي تذرع بالثأر لعثمان ليسوغ لنفسه التمرد على الخليفة الشرعي للامة. وفي مجالات الفقه والعمل اختلف كبار الصحابة في مسائل عديدة، وكتب الفقه مليئة بعرض تلك الخلافات تحت عنوان: مذهب أبى بكر، ومذهب عمر، ومذهب علي. ثم تبلورت تلك الخلافات في صورة مذاهب في الأصول والفروع.
فلم توجد أمة مسلمة أو غير مسلمة دون خلافات ومذاهب، قبل ظهور الإسلام، وفي عهد النبوة، وفي عهد الراشدين. لهذا قلت إن ما ينادي به د. مشتهري خيال شعري جميل، لكنه لا يتصل بالواقع بأية صلة. إنه مصادرة على الفطرة البشرية ذاتها – تلك التي عبرت عن نفسها منذ عهد أبينا آدم عليه السلام.
ومن المفارقات إن د. مشتهري الذي يطالب بالعودة إلى فكر الأمة الواحدة، ينكر وجود هذه الأمة الآن، وينكر على العلماء المسلمين أن يتحدث أحدهم باسم هذه الأمة غير الموجودة، كأنه سوف يخرجها من العدم!
ولا ريب أن الأمة ككيان سياسي واحد لم تعد موجودة بعد إسقاط أتاتورك لدولة الخلافة العثمانية سنة 1924م، لكن الأمة المسلمة موجودة ككيان معنوي؛ والتفكك السياسي لم يستطع أن يخفي الوحدة الوثيقة بين الشعوب المسلمة. ولقد قاتل التركي إلى جانب العربي، إلى جانب الزنجي، إلى جانب الأوروبي دفاعا عن أفغانستان حتى اخرجوا السوفيت منها. ولا يزالون يقاتلون ضد حلف الأطلسي، جنبا إلى جنب. وكذلك في العراق. أليس هذا دليلا على وجود الأمة المسلمة؟ وحين أسئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدانمارك، ثارت الشعوب المسلمة كلها. فعلام يدل ذلك؟ ومن الذي يقول "لا" في وجه الأخطبوط الأمريكي؟ أليست الأمة المسلمة في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان والصومال وباكستان، وحتى في قلب أوروبا وأمريكا؟! وإذا لم يكن كل هذا دليلا كافيا على الوجود، فماذا يكون الدليل؟!
ويظن د. مشتهري أن الخلاف بين تلميذين (شافعي وحنفي) يثبت زوال الأمة المسلمة ووحدتها! وهذا منهج مرفوض في المجال العلمي. وكان على د. مشتهري أن يثبت فروضه بالرجوع إلى أبى حنيفة والشافعي، لا إلى مسلسل تلفازي!! ولو انه رجع إلى الفقيهين الكبيرين لما وجد ذلك الخلاف السخيف بين غلامين!! ولوجد أن الزواج بين اتباع المذاهب الأربعة أمر مشروع. ونحن في مصر شافعية، ومع ذلك كنا إلى عهد قريب نستند إلى فقه أبي حنيفة في الأحوال الشخصية! بل إن أصحاب المذاهب في الأصول – أهل السنة والشيعة والمعتزلة والخوارج والمرجئة – لا يحرمون الزواج من اتباع المذاهب المختلفة. واليوم لم نعد في مصر نتقيد بمذهب معين، بما في ذلك الفقه الجعفري الشيعي. هذا فضلا عن الزواج بالكتابيات.
ويرى د. مشتهري أن تعدد المذاهب يتنافى مع الدعوة للتعايش! والحق أن المسلمين تعايشوا معان ومع اليهود والنصارى، قرونا طويلة، في فارس ومصر والشام واليمن والأندلس. وكانت الاضطرابات بينهم استثناءات. ولم تكن المذاهب المختلفة مانعة للتعايش. ومنذ منتصف القرن الماضي تبذل الجهود للتقريب بين المذاهب، لا لمحوها! ولكن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية المعادية تحاول إثارة الخلافات، مستغلة نظم الحكم المستبدة التي تعادي ثقافة شعوبها، ودينهم.
وغير المسلمين – للأسف – يشترطون للتعايش أن يخضع المسلمون خضوعا كاملا لنظرياتهم الإلحادية! فرفض التعايش يأتي من غير المسلمين، لأنهم الأقوى، وقد سيطروا على نظم الحكم في بلاد المسلمين عن طريق حكام متحالفين معهم.
والتعايش الممكن يجب أن يكون " تعايش المختلفين"، ولا يشترط له محو ثقافة الطرف الضعيف. والأمة المسلمة تشعر بتميز ذاتها، وتعتز بدينها، وترفض التبعية للآخر. وهذا هو ما يعتبره الغربيون رفضا للاندماج!!
ويرفض د. مشتهري أن يتحدث عالم مسلم باسم الأمة المسلمة، لأنها غير موجودة في نظره، ولا يوجد إلا مذاهب مختلفة. وقد بينت أن الأمة المسلمة موجودة وإن كانت ممزقة سياسيا. ومن حق أي عالم أن يتحدث باسم الأمة المسلمة في المسائل المتفق عليها، كالدفاع عن الإيمان بالله في مواجهة الملاحدة والمنكرين للإسلام، وشرح السيرة النبوية العطرة، والدعوة إلى الوحدة الإسلامية، والدفاع عن الشعوب المسلمة المعتدي عليها. والمسلمون على اختلاف مذاهبهم يحرصون على دروس الشيخ الشعراوى رحمه الله، وعلى أحاديث الدكتور يوسف القرضاوي. وإذا هاجم أعداء الإسلام ديننا ونبينا في عشرات المواقع على " النت" فإن على كل قادر على الرد أن يقوم به. لكن د. مشتهري يأخذ على حملة الشهادات العليا في العلوم الفيزيائية والكيميائية...الخ تسخير علومهم للدفاع عن مذاهبهم! والحق أن على كل عالم أن يدافع عن مذهبه، السني أو الشيعي أو المعتزلي، وعليه فبل هذا أن يدافع عن الإسلام والقرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته، وعن فقهاء الإسلام وقادته وأبطاله.
* وأخيرا نصل إلى مناقشة عنوان مقالة د. مشتهري: لماذا ظهر القرآنيون في المجتمعات السنية ولم يظهر لدى الشيعة؟
ولا ادري ماذا يقصد د. مشتهري بهذا السؤال. هل يريد تفسيرا لذلك؟ أم يريد تحميل أهل السنة وزر المنكرين للسنة!! فندع الفرض والتخمين وننظر في ظاهرة إنكار السنة، أو إنكار الأحاديث الموروثة، بصرف النظر عن اسم "القرآنيين" فالعبرة - كما سبق أن قلت- بالإنكار من عدمه، وليس بتسمية الشخص أو الجماعة. فأقول إن منكري السنة ظهروا بين أهل السنة كأفراد ضاقوا ذرعا بأحكام السنة، وبمجرد ظهور المنكرين كانوا سرعان ما يختفون، لان المجتمع السني يعرف قدر الحديث الشريف حق قدره، فكان يلفظ المنكرين لفظ النواة كما هو حالهم اليوم، على الرغم من المساندة العلمانية ( وكثير من العلمانيين ينكرون القرآن كما ينكرون الإسلام ككل!) ( راجع كتابي: نقد أعلام الفكر المصري المعاصر؛ مكتبة وهبة؛ سنة 2007) فأقول للدكتور مشتهري: إن منكري السنة ظهروا في المجتمعات المسلمة كما ظهرت المذاهب العديدة، واختفوا كما اختفوا، لان مذهبهم لا سند له من الدين أو المنطق، وذلك ضمن فطرة الاختلاف لدى البشر.
وفي المجتمعات الشيعية ظهر المنكرون للأحاديث التي أخرجها الكليني في كتابه: " أصول الكافي"؛ ولم ينكر علماء الشيعة على الكليني رفع " الحسن إلى درجة الصحيح أو العكس، بل أنكروا أعدادا كبيرة إنكارا تاما. ولا وجه للمقارنة بين ما فعله الدارقطني مثلا بما فعله "المجلسي" في " بحار الأنوار" أو ما قاله آية الله العظمى السيد أبو الفضل البرقعي في كتابه: "كسر الضم"- وهو كتاب خصصه المؤلف لنقض أصول الكافي، وبعد أن أنكر البرقعي عشرات الأحاديث قال: " وخلاصة الأمر أننا عثرنا فيه على مئات الإشكالات، ولم نره في الوقت ذاته موافقا للقواعد العقلية".
إذاً الزعم بان إنكار السنة ظهر في المجتمعات السنية دون المجتمعات الشيعية غير صحيح. كذلك من الخطأ القول إن صحيح البخاري مثل " الكافي " " تماما" خطأ كبير، ومقارنة لا أساس لها. وأنا لا أقول هذا تعصبا لمذهبي السني، وإنما لتسجيل الحقيقة التي لمسها كلام د. مشتهري.

* ويرى د. مشتهري أن مقابلة القرآنيين يجب أن تكون بالفكر، لا بالمحاكمات أو الإدانة. وفي تراثنا الإسلامي يجب مواجهة الفكر بالفكر إذا كان الحوار مع غير المسلمين. أما الحوار بين المسلمين فيستند إلى العقل والفكر والى الكتاب والسنة، على أن تكون الكلمة العليا للكتاب والسنة. ومنكرو السنة – في نظر أنفسهم مسلمون- ، ومن ثم كانت مواجهتهم بالقرآن والسنة، والعقل والمنطق. وإذا كانوا قد تورطوا في مزاعم مضادة لقوانين البلاد، كان للنيابة العامة أن تحاسبهم، وللقضاء أن يبرئهم أو يدينهم. أما قول د. مشتهري إن الفكر يجب أن يقابل بالفكر فغير صحيح على إطلاقه.
ويؤكد د. مشتهري انه ليس من منكري السنة. وهو صادق في ذلك. لكنه ينكر المذاهب الإسلامية ويدعونا إلى " مشروعه الفكري". وهو يعدنا أن يقيم " مشروعه" هذا لفهم القرآن القرآن الكريم على ما سماه: " منظومة التواصل المعرفي"، التي يستحيل فهم القرآن دون الاستعانة بها. ويحس القارئ انه إزاء اجتهاد كبير. لم يسبق إليه أحد. لكن سرعان ما يتبدد ذلك الإحساس بقول د. مشتهري إن منظومته هي التي: " نقلت إلينا تفاصيل كيفيات أداء العبادات المتفق عليها اليوم بين جميع اتباع الفرق والمذاهب المختلفة". وبهذا يحملنا على التساؤل:
- هل هو مع المذاهب أم ضدها؟ وهل سيرجع إليها أم يغفلها؟
- وهو – كما قال – لا ينكر السنة. لكنه لم يذكر السنة ضمن الأصول التي سيعتمد عليها لفهم القرآن. وهذا هو ما يهز ثقتنا في انه ليس من منكري السنة.
* واعتقد انه لو تكرم وفسر لنا سورة الفاتحة طبقا لمشروعه الفكري، وشرح لنا آيتي الوضوء والرؤية، لزال كل التباس حول مشروعه الفكري... وإنا لمنتظرون.

د. أحمد عبد الرحمن
أستاذ علم الأخلاق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.