في أحد الأيام قدم إلي مصر أحد الأئمة من علماء المسلمين من أرض الرافدين وله اجتهادات وآراء اختلف فيها مع الامام الشافعي رضي الله عنه ورغم هذا الاختلاف الا ان هذا العالم وقف في منطقة بالغورية قريباً من الجامع الأزهر ثم قال: السلام عليك يا شافعي هذا مقامي منك يعني ان الرجل يقدر للشافعي مكانته العلمية ويعرف قدره. ولذلك كان السلام علي الامام من مسافة بعيدة مما يوحي بالفرق بينهما في العلم والمكانة فكما ما بين منطقة "الغورية" والموقع المدفون به الامام وهي تتجاوز نحو أكثر من 6 كيلومترات .. هذه المسافة تؤكد مدي الفرق بينهما . أنه تواضع العلماء وتقديرهم لبعض. تلك هي مواقف أحد الأئمة من العلماء السابقين وهذا الموقف ليس بغريب علي علمائنا الأفاضل الذين أثروا الحياة العلمية والعملية بتصرفاتهم التي تؤكد ان الاختلاف في الآراء أيا كانت الهوة والفرق فيما بين آرائهم لا يتطرق إلي المساس بأي شكل من الاشكال الي النيل من بعضهم أو التطاول بأي صورة من الصور. التقدير وحفظ مكانة كل منهم في يقين كل امام من هؤلاء. لقد أرسي هؤلاء الأئمة معالم الطريق- لكل الأجيال المتعاقبة- في السيطرة علي هوي النفس والابتعاد عن المسيرة الشخصية لأي إمام ممن سبقه فها هم الكبار.. مالك. أبوحنيفة. الشافعي. أحمد بن حنبل. كل واحد منهم صاحب مذهب وله أراؤه لكنه لم يحدث علي مدي حياتهم أي تطاول أو تجريح لأي رأي. المبدأ الذي كان نصب أعينهم جميعاً رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري كذلك". إذ ان لكل منهم مكانته ودوره. ولذلك ازدهرت الحياة العلمية والاجتماعية والعملية في حياتهم وكانوا نجوماً نيرة ساهموا في نهضة الأمة العربية والاسلامية وكانوا مشاعل حضارتها وبناء الأجيال علي أساس من القيم الاسلامية الخالدة الحكمة ضالتهم وجمع المعلومات والانتفاع بجهد الاخرين في بناء الصروح الحضارية التي لا تزال شاهدة علي جهود هؤلاء الرجال أنها مهمتهم الأساسية. من تلك الاثار اننا نجد العالم الاسلامي لديه مذاهب الأئمة مالك وأبوحنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وقد كنا ندرس هذه المذاهب في المعاهد الأزهرية هذا طالب تخصص في الفقه الشافعي وزميل آخر في المالكية وثالث لأبوحنيفة ورابع المذهب الحنبلي وكان الرابط فيما بينهم ذلك القول المأثور: وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم. في نفس الاتجاه كان أساتذة علم الكلام والتوحيد فها هو الامام أبوالحسن الأشعري عندما اختلف معه واصل بن عطاء في الرأي لم يزد عن قوله "اعتزلنا واصل بن عطاء" تقديراً وعرفاناً بمكانته رغم الاختلاف بين الاشاعرة والمعتزلة في الآراء خاصة في أفعال العباد. كل له رأي ويحترمه الآخرون. كل له أتباع وتلاميذ ومريدون دون أي تناول أو المساس بأي عالم أو التطاول عليه ولا عبرة بأي اختلاف فالكل هدفه واحد في نشر العلم مع التأكيد علي الاختلاف وتنوع الآراء من السمات الاساسية لعلماء وأتباع الدين الاسلامي الحنيف. هذه الصورة المبسطة التي استعرضت في عجالة بعض الجوانب المشرقة في حياة هؤلاء الرجال التي كانت عطاء متميزاً في كل المجالات لكي أضع أمام المتحاورين من أبناء مصر وغيرها من العالم العربي والاسلامي وللتأكيد علي ان التنازع والاختلاف يؤدي إلي الفشل ويكفي ان نلقي نظرة علي ما يجري علي الساحة هذا يتناول الاخرين بألسنة حداد وذاك يبادله الاتهامات وصارت المناقشات عبارة عن سباب وشتائم لا تليق بمن ينتمون إلي الدين الحنيف انهم يسيئون إلي الاسلام انظروا إلي التراشق بين أي متحاورين خاصة من يرتدون الزي الأزهري تري العجب العجاب وكأن هؤلاء لم يلتفتوا إلي تاريخ علمائنا عبر القرون المتتالية فكانت كتب التفسير لآيات القرآن الكريم متعددة ومختلفة في الرأي كل له تأويل دون أي تطاول علي من سبقه أو من يعيش معه في زمان الحب والعطاء المودة والرحمة هي الصلات التي تربط هولاء الرجال ببعضهم البعض لكننا تجاوزنا كل الخطوط وتحولت حياتنا إلي شقاق وتنابذ وتطاول بصورة تتنافي مع أصالة وحضارة المصريين التي كانت مثار اعجاب الآخرين بدفء العلاقة التي تربط بين أبنائها خاصة في المجالات العلمية وكانت المقولة الخالدة "ان العلم رحم بين أبنائه من العلماء" وذلك علي مختلف مستوياتهم ليتنا نستلهم مواقف الأئمة السابقين في حياتنا هذه الأيام. صورتنا للأسف تحولت نحو آفاق سيئة تسمع عبارات وكلمات وألفاظا نابية القنوات الفضائية حافلة بالكثير من سفاسف الأمور ولذلك نري دائماً أن أحوالنا تمضي من سييء إلي أسوأ وتجاهلنا جميعاً نداء ربنا في القرآن "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" 103 آل عمران. حقيقة أي متابع في حيرة من أمره عندما يسمع الفاظاً تنبيء عن أحقاد وضغائن بصورة غير مسبوقة في حياتنا ولابد من العودة إلي قيمنا ورفض هذا الانفلات الأخلاقي الذي لن يؤدي إلي تقدم أو حضارة ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.