يجد قاريء كتاب الأئمة الأربعة للكاتب الكبير سليمان فياض نفسه أمام اجابات يطرحها التاريخ الإسلامي عن أسئلة راهنة تتعلق بالواقع المعاصر, فالكتاب الذي وزع مجانا مع عدد أغسطس لمجلة الدوحة القطرية. لا يسترجع سيرة أئمة الفقة الإسلامي الأربعة الكبار بمعزل عن الواقع السياسي المعقد الذي عاشوه و بحس الروائي المتمكن العارف بتاريخ الفكر الاسلامي يمسك فياض بأنفاس القاريء الذي يجد نفسه أمام سردية تاريخية كتبت بلغة سهلة, لا تغيب البعد الدرامي في حياة هؤلاء الكبار ولذلك يبدو تعبير المحنة هو التعبير الأكثر الحاحا في الكتاب, حيث لم تكن حياة أبي حنيفة الامام الشافعي والامام مالك وأحمد ابن حنبل خالية من المحن التي تعود في جانب كبير منها لتعقد علاقتهم بالحكام وذوي السلطان في زمانهم. وعلي خليفة هذه التيمة الدرامية يستطيع القاريء أن يتعرف علي جذور الصراع السياسي والديني حول العقيدة الاسلامية في فترات تاريخية مختلفة, وفي القلب منه تأجج حوار آخر لم يك خاليا من الدماء حول أفكار ونظريات صنعها الفقهاء وعلماء الكلام ولم يكن في أفضل أحواله سوي صراع بين أهل العقل وأهل النقل. ففي سيرة الإمام أبي حنيفة يمكن التوقف أمام وقائع ذات دلالة كبيرة في واقعنا المعاصر, الأولي اصراره علي الوقوف الي جانب العلويين علي الرغم من المواجهة الدامية التي خاضوها مع الحكام الأمويين وبسبب هذا الاصرار قرر الأمويون محاسبته وعلماء آخرين واختبار ولائهم لبني امية باغرائهم بالمناصب فقد دعي أبي حنيفة للعمل في ديوان الإمارة لكنه رفض, عندئذ أقسم ابن هبيرة أن يسجن أبا حنيفة ويضربه, وتم ذلك بالفعل وضرب لأيام متتالية, ثم هرب ابو حنيفة من العراق إلي مكة. وكانت المحنة الثانية لأبي حنيفة عندما قام بالتجريح في قضاء أبي ليلي بشكوي الذي إشتكاه بدوره للخليفة المنصور وكان صفو علاقته بأبي حنيفة متعكرا في تلك الفترة, وسار صدام بينهم أدي إلي حبس الفقية وجلده كل يوم عشرة أسواط. كذلك يلفت النظر في سيرة أبي حنيفة اصراره علي ممارسة مهنته كتاجر الي جانب دوره كعالم وفقيه. ولم تختلف محن الامام مالك عما تعرض له ابو حنيفة اذ تعرض للضرب بالسياط في عهد أبي جعفر المنصور ومدت يداه حتي انخلعت كتفاه, لأنه عند خروج محمد ابن عبد الله علي الخلافة العباسية, تصادف أن مالكا كان يحدث الناس آنذاك بحديث ليس لمستكره طلاق, ووجد الناس في هذا الحديث ما يدل علي أنه بالمثل ليس لمستكره بيعة, ولذلك فلا بيعة للمنصور, ووجد الكائدون لمالك فرصة للكيد له عند الوالي وقد كان., لكن مالك علي الرغم مما تعرض له وايمانه بأن الحكام الأمويين والعباسيين الذين عاصرهم لم يكونوا ذوي عدل الا أنه لم يكن من أنصار الخروج علي الحاكم ليأسه من الاصلاح عن طريق الثورة!! وكان الإمام الشافعي محورا لذلك لم يقطع صلته بالخلفاء بأمل ارشادهم واصلاح أحوالهم بالموعظة الحسنة ظلت نظرته للسياسية اجمالا في الحدود التي وصفها الأمام محمد أبو زهرة بأنها تجمع بين المثل الأعلي للحكم واعتبار الواقع الذي تستقيم به أمور الناس. ومن الامور التي تلفت النظر في سيرة مالك كذلك رفضه سب الصحابة أو المفاضلة بينهم لانها تؤدي الي المنازعة وانتقاص أقدار بعضهم. وفي الفصل الثالث يطالع القاريء سيرة الامام الشافعي الذي شغل الناس بعلمه في كافة عواصم العالم الإسلامي لكن حياته لم تخل من محن مع العباسيين بسبب تعاطفه أيضا مع العلويين لكنه نجح في صياغة آرائه الفقهيه في ظل مناخ اتسم بالحوار الخصب بين مختلف حضارات الدولة الاسلامية لذلك تبدو قريبة من آراء علماء الكلام لكنها ظلت آراء فقيه محدث, لا بد له من استخدام العقل مع النقل عند الحديث عن العقيدة وقد تبلور هذا الاستخدام علي نحو لافت في المرحلة الثالثة من حياته التي عاشها في مصر حيث قدم مراجعة للكثير من أفكاره. وفتحت أصول الشافعي الباب لوضع كتب في مذاهب أخري في الفقه الإسلامي. في وقت عاصر فيه نمو افكار المعتزلة. وكرس سليمان فياض الفصل الاخير من كتابه لسيرة إمام الاتباع أحمد بن حنبل الذي تعرض لمحنة عظمي بتعبير فياض إذ أن الخليفة المأمون وكان صاحبا للمعتزلة كان يقول مثلما يقولون أن القرآن الكريم مخلوق ومحدث, وأراد من الفقهاء أن يقولوا مقالته في خلق القرآن ومنهم الإمام أحمد بن حنبل لكنه رفض وأصر علي قوله أن القرآن كلام الله, لذا تعرض لمحنة مدوية استمرت في عهد المأمون وفي عهد المعتصم والواثق من بعده, لقي فيها العذاب, فطوال28 شهرا كان يضرب بالسياط إلي أن يغمي عليه, وينخس بالسيف فلا يحس, وحين يئس معذبوه أطلقوا سراحه, ثم جاء الخليفة الواثق وأعاد محنة بن حنبل عن طريق منعه من إلقاء درسه في المسجد أو غيره ومنعه من أي اجتماع مع الناس, وجاء المتوكل بعد الواثق وأوقف هذا الإضطهاد الذي ظل في التاريخ الإسلامي وأثار محنة يسميها العلماء محنة خلق القرآن التي تركت وراءها شهداء. لكن ما يشدد عليه المؤلف أن اتباع أبن حنبل ظلوا أقلية بسبب تعصبهم لارائهم بعد هذه المحنة.