عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأئمة..أبوحنيفة:إذا جاءنا الحديث عن الرسول أخذناه..وإذا جاءنا عن الصحابة تخيرنا
نشر في الدستور الأصلي يوم 23 - 08 - 2010

أبو حنيفة: إذا جاءنا الحديث عن الرسول أخذناه.. وإذا جاءنا عن الصحابة تخيرنا.. وإذا جاءنا عن التابعين زاحمناهم
قال المنصور لبعض أهل الشام: ألا تحمدون الله إذ دفع عنكم الطاعون منذ ولينا عليكم.. فرد عليه الشامي: إن الله أعدل من أن يجمعكم والطاعون علينا
الصحابة رجال والأئمة كذلك.. ونحن لا علاقة لنا بالاثنين!
الصحابة رجال والأئمة كذلك.. ونحن لا علاقة لنا بالاثنين!
فكلما قرأت ما قاله الإمام أبو حنيفة «نحن رجال وهم رجال» توقفت أمامها طويلا لأنه كان يقصد أن الصحابة كانوا يفكرون وهم مثلهم، لكن بعد قرون من رحيل الصحابة والتابعين كثر المدعون، فلا أحد يفكر ولا أحد يفسر ولا أحد يقول رأيا يستحق الوقوف أمامه، والأغلب يفتي بغير علم وحتي من يفتون بعلم فلا وجه للمقارنة بين علم كل شيوخ مصر - الآن - مجتمعين وعلم إمام واحد فقط من الأئمة الكبار أو حتي تلاميذهم.
الأئمة الكبار أربعة هم: أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس بن مالك والشافعي وابن حنبل، وهؤلاء يصدق فيهم قول الرسول - صلي الله عليه وسلم - أنهم أحبابه الذين آمنوا به ولم يروه، لكن هناك أئمة آخرين يعدهم بعض الباحثين من أهم أئمة الفقه الإسلامي ولا يقلون عنهم في المكانة والعلم وهم زيد بن علي زين العابدين وجعفر الصادق والليث بن سعد وابن حزم والعز بن عبد السلام وكل واحد منهم يعد عالما لعصره وإماما يجب اتباعه لعلمه وصدقه وورعه وتقواه وحكمته وبلاغته وقدراته الاستثنائية في الفقه والتفسير لعلوم الدين
الإمام أبو حنيفة
هو إمام مذهب أهل الرأي الذي يعتمد بجانب تقبل النص واحترامه علي إعمال الفكر واستنباط الحكم والاجتهاد في تفسير النص، اعتبر العلماء مذهبه صورة حية لصلاحية الفقه الإسلامي لكل زمان ومكان وأبرز معالم مذهبه التيسير في العبادات والمعاملات ورعاية جانب الفقير والضعيف.
وكان يقول:« إذا جاءنا الحديث عن رسول الله أخذناه، وإذا جاءنا عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاءنا عن التابعين زاحمناهم»، حيث كان يري أن أقوال التابعين غير ملزمة وله حق الاجتهاد مثلهم فكان يقول:« قوم اجتهدوا فاجتهد كما اجتهدوا و«هم رجال ونحن رجال».
هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه، وسمي النعمان علي اسم أحد ملوك الفرس، وهو أول الأئمة الأربعة ميلادا وأولهم وفاة، حيث ولد بالكوفة عام 80 من الهجرة وهو من أصل فارسي وكان مولده في ولاية الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وتوفي عام 150 في ولاية الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ودفن شرقي بغداد بمقبرة الخيزران.
لم يشغل العلم بال أبي حنيفة في بداية حياته حيث اشتغل بالتجارة فقط -وظل يعمل بتجارة الثياب حتي وفاته - وكان تاجرا أمينا لا يخدع ولا يبالغ في الربح إلي أن رتب القدر موقفا كان نقطة التحول في حياته لينتقل من أبي حنيفة التاجر إلي أبي حنيفة الإمام الأعظم، وذلك حين مر يوما علي الإمام الشعبي فسأله :«إلي من تذهب؟» فرد أبو حنيفة : «أذهب إلي السوق».فقال الشعبي:«لم أعن السوق بل العلماء» فرد أبو حنيفة:«أنا قليل الذهاب إليهم» فقال له الشعبي:«لا تفعل، وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أري فيك يقظة وحركة».
وقد كان لكلمات الإمام الشعبي أثر كبير في حياة أبي حنيفة علي أثرها توجه لدراسة النحو ثم الفقه بعد أن ضاق علم النحو ذو القواعد المحددة عن استيعاب قياساته واستنباطاته العقلية حين أراد جمع كلمة «كلب» علي «كلوب» قياسا علي «قلب» «قلوب»، كما درس علم الكلام وكان من أهم شيوخه حماد بن أبي سليمان الأشعري - فقيه الكوفة - والذي لازمه أبو حنيفة حتي وفاته وكان يحفظ أقواله ويعيدها ببراعة جعلت حماد يعجب به ويقول لمن حوله في مجلس العلم:« لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي - بمحازاتي وبجانبي - غير أبي حنيفة »، وولاه أمر التدريس في وقت سفره وتولي التدريس بعد وفاته.
وكما كان تلميذا نجيبا كان معلما عظيما يتبني طلاب العلم ويزودهم من علمه وخبرته ويساندهم معنويا وماديا، تتلمذ علي يده عدد كبير من الفقهاء تولي بعضهم القضاء وعلي رأسهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي وكان فقيرا فأعانه أبو حنيفة بالمال والرعاية حتي صار فقيها وتولي القضاء بعد ذلك وألف كتبا في الفقه منها كتاب «الخراج».
الإمام مالك بن أنس
لم تكن أم الفتي تعرف أنه سيصبح يوما ما إمام أهل الحجاز وإمام دار الهجرة وأحد أشهر وأهم أئمة الإسلام وهي تثنيه عن رغبته في العمل بالغناء وتنصحه بالتوجه لدراسة الفقه والحديث.
كان هذا الفتي هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن غيمان
المولود عام 93 من الهجرة في بلدة شمال المدينة تسمي «ذو المروة»، وكان ولد لأسرة تشتغل بالفتوي وتدرس الحديث وجده أبو عامر من صحابة رسول الله-صلي الله عليه وسلم- وشهد معه الغزوات كلها إلا بدرًا، بدأ حفظ القرآن الكريم ثم الحديث النبوي الشريف وكان يتميز بقوة الذاكرة.
امتثل لنصيحة أمه وراح يجلس إلي الشيوخ والفقهاء وكان شغوفا إلي التعلم حتي إنه أخذ العلم عن 900 شيخ منهم عبد الله بن هرمز الأعرج - ودرس علي يده 7 سنوات - وجعفر بن محمد الباقر وغيرهم من فقهاء عصره فكان طبيعيا أن يصل إلي منصة التدريس ويأخذ دور المعلم وهو لم يتجاوز السابعة عشر من عمره بعد أن شهد له سبعون شيخا من العلماء أنه أهل لذلك، بل إن أستاذيه يحيي الأنصاري ومحمد بن مسلم الزهري كانا يجلسن في مجلسه الذي اختاره في نفس المكان الذي كان يجلس فيه الرسول - صلي الله عليه وسلم - ومن بعده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسمعان له وينقلان عنه.
وكان تلامذته من أقطار شتي حيث كانوا يأتون حجاجا لبيت الله وزوارا لمدينة رسول الله-صلي الله عليه وسلم - فيجلسون إلي الإمام مالك ويأخذون العلم عنه ومنهم سفيان الثوري والليث بن سعد وعبد الله بن وهب وأسد بن الفرات.
وقد عني الإمام مالك عناية شديدة بحديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حتي صار إماما فيه وأصبح سنده أصح الأسانيد عند علماء السنة ولم يكن الوصول لهذه المنزلة سهلا بل جاء بعد تعب واجتهاد، حيث كتب بيده مائة ألف حديث وكان يدقق كثيرا في اختيار الرواة، وكان إذا شك في شيء من الحديث تركه وكان يوقر كلام رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أبلغ التوقير حتي إنه لدغته عقرب ذات مرة وهو يروي حديثا فاحتمل اللدغة ولم يقطع الرواية ولما سئل عن ذلك قال :«صبرت إجلالا لرسول الله».
ومن احترامه وإجلاله لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - كان الإمام مالك يشير إلي قبر الرسول ويقول:«كل أحد يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذه الروضة» وبلغ حبه وتقديسه للرسول أنه كان يستحيي أن يركب دابة في المدينة كراهة أن تطأ بحافرها أرضا يضم ترابها جسد رسول الله - صلي الله عليه وسلم -!
ألف الإمام مالك عدة كتب أشهرها علي الإطلاق كتاب «الموطأ» الذي قال عنه الإمام الشافعي:«ما في الأرض من العلم أكثر صوابا من موطأ مالك»، وله أيضا «تفسير غريب القرآن» و«رسالة في الرد علي القدرية» و«كتاب السرور».
وكان الإمام مالك صاحب رأي جريء مع الحكام حيث كان يدعو العلماء إلي الدخول علي السلاطين لدعوتهم إلي الخير ونهيهم عن الشر، وكان يعظ الخلفاء والولاة ويوصيهم بتقوي الله وتعرض في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور للتعذيب والإهانة بسبب ترديده لحديث الرسول: «ليس علي مستكره طلاق»، وكان المنصور يكره ذلك ويطالبه بإنكار الحديث حتي لا يقيس الناس عليه فيخرجون علي بيعة المنصور التي كانوا مكرهين عليها.
توفي الإمام عام 179 هجرية ودفن بالبقيع تاركا ثلاثة أولاد وبنتًا كانت تحفظ كتابه «الموطأ» وتصحح لتلامذته وتاركا إرثا عظيما من العلم - رحمه الله -.
الإمام الشافعى
شاب فقير يتيم..لم يمنعه فقره وضيق ذات يده من طلب العلم وأن يقوم بجمع قطع الخزف والجلود وسعف النخيل وعظام الجمال ليدون عليها ما يتلقاه من علم..ويطلب بعض الأوراق من الدواوين ليكتب عليها..لم يكن يخطر بباله أو ببال أحد ممن يراه بهذا الحال أنه سيصبح يوما الإمام الشافعي «مجدد القرن الثاني» و«ناصر الحديث» وصاحب أحد المذاهب الرئيسية في الفقه الإسلامي.
هو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، فهو عربي قرشي هاشمي يلتقي مع الرسول - صلي الله عليه وسلم - في جده «عبد مناف» لذلك يقال عنه «ابن عم الرسول»، ولد بغزة بفلسطين عام 150 هجرية لأسرة فقيرة ومات أبوه وعمره سنتان فانتقلت به أمه فاطمة بنت عبد الله الأزدية إلي مكة.
حفظ القرآن الكريم بسرعة وهو صغير وبدأ يحفظ الأحاديث ويكتبها، واهتم بتعلم أصول اللغة العربية وقواعدها وفي سبيل ذلك رحل إلي البادية وعاش مع قبيلة «هذيل» - باعتبارها أفصح العرب - حوالي عشر سنوات فتعلم أصول اللغة وحفظ أشعارهم كما تعلم الرمي، ويصف الشافعي تجربته هذه فيقول: «كانت همتي في شيئين : الرمي والعلم فصرت في الرمي بحيث أصيب من العشرة عشرة» وسكت، فقال بعض من سمعه :« أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي».
ومن دراسة الشعر والأدب في البادية إلي دراسة الفقه بمكة علي يد شيخه وأستاذه «مسلم بن خالد الزنجي، حيث برع فيه إلا أنه عندما أذن له أستاذه في الإفتاء لم يقنع الشافعي بما حصله بل واصل طلبه للعلم في المدينة متلقيا إياه عن الإمام مالك مستعدا للقائه بقراءة كتابه «الموطأ» وحفظ أكثره فقال له الإمام مالك :«إن الله - تعالي - قد ألقي علي قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية» وظل الشافعي يرافق الإمام مالك حتي وفاته.
وكذلك تعدد شيوخ الإمام الشافعي من مكة والمدينة واليمن والعراق واختلفت أنماطهم فمنهم المهتم بالحديث في المقام الأول ومنهم المائل لمذهب الرأي ومنهم المعتزلي والشيعي....، وقد أفاد هذا التنوع في توسيع أفقه وتضخيم ثقافته، وكان طبيعيا أن يتعدد تلامذته من مكة وبغداد ومصر وغيرها وأبرزهم الإمام أحمد بن حنبل.
ألف الإمام الشافعي حوالي 113 كتابا في الفقه والتفسير والأدب وغيره ذلك، ويعد أهمهما كتابا «الأم» و«الرسالة» الذي تحدث فيه عن أصول الفقه، ويعد فقه الإمام الشافعي ازدهارا في تاريخ التشريع الإسلامي، لأنه يجمع بين فقه أهل العقل والرأي وفقه أهل النقل والحديث وأهم ما يميز مذهبه أنه حدد طرقا لفهم القرآن والسنة وقواعد لاستنباط أصول الفقه كما وضع شروطا وقيودا علي الأخذ بالإجماع بعد القرآن والسنة.
وفارق الإمام الشافعي الحياة في مصر عام 204 هجرية عن عمر 54 عاما.
الإمام أحمد بن حنبل
« مع المحبرة إلي المقبرة»...كانت هذه الجملة هي شعاره ومبدأه في الحياة..مع وعاء الحبر والقلم والأوراق وتلقي العلم حتي آخر العمر حتي بعد أن أصبح إماما وله تلاميذ كان يقول لهم: «أنا أطلب العلم إلي أن أدخل القبر».
لقب ب «عالم السنة» و«إمام الدنيا» و«قدوة أهل السنة» و«الصابر في المحنة» و«الرجل الصالح» و«الزاهد المحتسب» و«مجدد القرن الثالث».
إنه عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد المولود ببغداد عام 164 هجرية بعد أن خرجت به أمه صفية بنت ميمونة وهو جنين في بطنها من مدينة «مرو» إلي بغداد، وهي التي تولت رعايته بعد وفاة أبيه وهو صغير وكان لها مكانة كبيرة في نفسه حتي إنه خرج مرة إلي الكوفة فأصيب بحمي فقال: «فرجعت إلي أمي ولم أكن قد استأذنتها»، حيث ظن أن الحمي أصابته بسبب عدم استئذان أمه.
كان ابن حنبل فقيرا حتي اضطر للعمل بصناعة الثياب أو يقوم بالتقاط بقايا الزروع من الحقول عقب الحصاد بعد استئذان أصحاب الأرض أو يكتب بالأجرة وعندما سافر إلي اليمن طالبا للعلم لجأ إلي العمل «حمال» ولم يقبل معونة من أحد.
كان محبا للعلم حفظ القرآن ودرس اللغة وتعلم الكتابة وهو لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره وكان دائم الخروج لطلب العلم حتي إن أمه كانت تشفق عليه من التعب حين يريد الخروج إلي العلم قبل الفجر فكانت تأخذ بثيابه وتستمهله حتي يأتي الصباح!.
وبالرغم من أن أستاذه الأول هو أبو يوسف بن إبراهيم القاضي - صاحب أبي حنيفة- فإن تأثيره فيه لم يكن بمثل تأثير أستاذه الثاني هشيم بن بشير بن أبي خازم الواسطي حيث لازمه ابن حنبل أربع سنوات وكتب عنه ثلاثة آلاف حديث، كما تتلمذ علي يد الإمام الشافعي حتي جلس للتدريس وهو في سن الأربعين ربما لأنه كان يستحي أن يفعل ذلك في حياة شيوخه احتراما لهم ومن أهم تلاميذه البخاري ومسلم وأبو داود.
اعتمد فقه ابن حنبل علي النص القرآني والنبوي بشكل رئيسي وكان لا يتصور وقوع خلاف بين القرآن والسنة وكان يرد علي من يأخذ بظاهر القرآن ويترك السنة بأن تفسير القرآن الكريم يأتي من خلال السنة، ثم يأخذ بعد ذلك بأقوال الصحابة وفتايهم، ويأخذ بعد ذلك أحيانا بالقياس والإجماع وقد تشدد المذهب الحنبلي في بعض المسائل.
ومن أشهر كتب الإمام حنبل «المسند» الذي يحوي 40 ألف حديث أخرجها من 700 ألف وله أيضا كتب «الزهد» و«الصلاة» و«الناسخ والمنسوخ».
أراد الله أن يختبر ابن حنبل فتعرض لمحنة شديدة سببت له أذي وعذابا ولكنها أورثته عزا ومجدا وشهرة، وهي المحنة المعروفة ب«فتنة خلق القرآن»، حيث قالت فرقة المعتزلة إن القرآن مخلوق، وكان ذلك في عهد الخليفة العباسي المأمون الذي يعتنق مذهب المعتزلة وتولي وزيره أمر الإرسال إلي العلماء والفقهاء في المدن المختلفة لينتزع منهم موافقة علي أن القرآن مخلوق إلا أن الإمام ابن حنبل أصر علي أن القرآن كلام الله وليس مخلوقا فتم سجنه وتعذيبه بسبب ذلك ولكنه ظل متمسكا برأيه حتي مات في بغداد عام 241 هجرية.
هذا بجانب أن هناك خمسة أئمة آخرون يعدهم بعض الباحثين من أهم أئمة الفقه الإسلامي هم: زيد بن علي زين العابدين، وجعفر الصادق، والليث بن سعد، وابن حزم، والعز بن عبد السلام.
المراجع:
- الأئمة - أحمد الشرباصي.
- أئمة الفقه التسعة - عبد الرحمن الشرقاوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.