بين حين وآخر يطرح المسئولون فكرة طرح أراضي الدولة بنظام حق الانتفاع وليس التمليك. كما هو معتاد.. ورد هذا المقترح علي لسان العديد من المسئولين ولكل حجته وآماله.. لكن ما رصد تلك المقترحات علي أرض الواقع وهل يمكن تطبيقها.. وما هي مقترحات الخبراء حتي تدخل تلك الأفكار حيز التنفيذ؟!! "المساء" فتحت ملف "الانتفاع" وناقشت القضية مع رجال أعمال وخبراء اقتصاد ومستثمرين.. اختلفت الآراء كالعادة وانقسم الضيوف إلي فريقين.. 1⁄4 الفريق الأول يؤيد الفكرة. ويؤكد أنها تضمن استغلال مساحات كبيرة دون تحميل الدولة لأعباء إضافية.. كما تحمي حق الأجيال القادمة في ثروات الوطن. 1⁄4 أما الفريق الثاني فيعارض من منطلق أن التطبيق مستحيل. لأن إقامة مشروعات علي أراض مملوكة للدولة. فكرة غير عملية ولا تتسق مع حب المصريين للتملك.. كما أن ظروف البلاد الحالية الأمنية والسياسية لا تسمح بدخول الفكرة حيز التنفيذ. "المساء" تنقل في السطور التالية آراء الفريقين بكل الحياد والتجرد.. * المهندس عمر الشوادفي مدير المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة: حان الوقت للاستفادة من المساحة الشاسعة من الأراضي والخروج من الوادي الضيق.. وهذا يقتضي ضرورة استثمار الأراضي الصحراوية وتعظيم الاستفادة منها. وحسن استغلالها.. وبالتالي كان لابد من إصدار تشريعات تنظم استغلال تلك الأراضي. قال: إن هذا المقترح يستهدف الحفاظ علي موارد الدولة السيادية وتوظيف استخداماتها. والقضاء علي الأسلوب العشوائي غير المخطط. مع ضمان استخدام الأرض في الغرض الذي خصصت من أجله بإنشاء المشروع الاستثماري المرخص به وضمان عدم تجزئة الأرض. أو تفتيت ملكيتها علي أن للدولة اليد العليا علي المشروع ليحقق الأثر المرجو في خطة التنمية. أضاف أن حق الانتفاع يجب أن يكون وفقاً لطبيعة المشروع وحجمه وقيمة الأموال المستثمرة فيه.. وفي حالة إقامة المشروعات الكبيرة والعملاقة. الأفضل أن تكون عقود الإنشاء والتشييد والنقل بنظام BOOT لأنه يحقق المصلحة. مع عدم تحميل موازنة الدولة أعباء.. أما في المشروعات المتوسطة فيكون حق الانتفاع مجدياً إذا روعي شرط المدة ومداها. حتي يطمئن المنتفع إلي مستقبله الاقتصادي بالأرباح المنتظرة. مطالباً أن يكون طرح المشروعات في صورة مناقصات عامة. أما بالنسبة للمشروعات الصغيرة ذات النطاق المحدود فلا يكون لحق الانتفاع أثر ملموس ويجب إعادة النظر فيه ليكون التملك بديلاً عنه تشجيعاً لرءوس الأموال الصغيرة. رد الفعل * الدكتور علي إسماعيل رئيس الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية: الهيئة طرحت حق الانتفاع. ثم التملك بعد 5 سنوات من اكتمال أعمال الزراعة. وحق الانتفاع بأسعار مخفضة. وتكون هناك زيادة سنوية بسيطة لمدة 49 سنة بالنسبة للشركات العربية والاستثمارية ذات المساحات الكبيرة. أما فيما يخص المصريين فيكون الانتفاع بغرض التملك فيما لا يتجاوز 100 أو 200 فدان الحق الأقصي للملكية. وستقام ورشة عمل للمتخصصين في هذا المجال ومن الشباب لمعرفة رد الفعل المجتمعي لهذا المشروع لأن جميعها مجرد أطروحات وقد تزيد النسبة من 30% إلي النسبة50%. قال إن حق الانتفاع يضمن استغلال المساحات الكبيرة للدولة. ويجب الحفاظ علي حق الأجيال القادمة في أرض الدولة ومردود التنمية وحق الانتفاع يورث للمستثمر لكن بالنسبة للأجنبي لا يجدد حق الانتفاع. ولا ينبغي أن يكون بسعر مرتفع لتحقيق ضخ استثمارات.. وبالنسبة لسيناء فالمصريون لهم الحق في الامتلاك. أما العرب والأجانب فلا يحق لهم ذلك. دراسة جديدة * د.شوقي السيد أستاذ القانون الدستوري: حق الانتفاع يجب أن يختلف تطبيقه حسب نوعية الأراضي الموجودة في الدولة. فهناك أرض لا تقبل الانتفاع. ولكنها تقبل التملك فقط. فالأمر حسب ظروف كل حالة. قال: إن الأهم من ذلك أيضاً عمل دراسة جيدة لكيفية استخدام هذه الأرض وتكون هناك لجنة من خبراء قانونيين وخبراء في التنمية العقارية والاستثمارية لتحديد المناطق التي يكون عليها نسبة أكبر من الإقبال.. وهؤلاء الخبراء يحددون الأرض التي ينفذ عليها حق الانتفاع أو التي يفيد معها التملك. ويتم الترويج للمشروع والعمل علي جذب المستمثر. مشيراً إلي أن كل المقترحات يجب أن تكون قابلة للمناقشة. المرافق السيادية * د.أسامة عبدالخالق.. الخبير الاقتصادي بجامعة الدول العربية والأستاذ بجامعة عين شمس: من مصلحة المستثمر والدولة اللجوء لنظام الانتفاع وليس البيع.. وهذا النظام يحقق للدولة الحفاظ علي ثروتها القومية المتمثلة في العقارات سواء أراض أو مبان مع عدم تحمل تكاليف إدارتها أو صيانتها أو الضرائب العقارية المفروضة عليها.. هذا بخلاف حفاظ حقوق الأجيال القادمة. أوضح أن هذا النظام لا يصلح في مجال المرافق السيادية مثل "قناة السويس والسكك الحديدية".. وبالتالي بعض أملاك الدولة يصلح فيها نظام الانتفاع والبعض الآخر يصلح فيه نظام الاستثمار المشترك BOOT مشيراً إلي أن جهاز تخطيط أراضي الدولة يجب أن تكليفه بإعداد قائمة بالمشروعات والأراضي والعقارات التي يصلح فيها تطبيق النوع الأول والمشروعات التي تصلح للنظام الثاني. أضاف: بالنسبة للمستثمر الأجنبي فلا يوجد ما يمنع في كل الأحوال من تطبيق نظام الملكية أو البيع مع وضع اشتراطات تضمن الحفاظ علي عدم تملك الأجانب. وهذا يتطلب في حالة طرح الأسهم في البورصة بحيث يقتصر التداول علي المصريين فقط دون غيرهم ضماناً لاستمرار سيادة الدولة علي أراضيها. شروط الحكومة * د.حمدي عبدالعظيم.. الخبير الاقتصادي: حق الانتفاع لا يعطي الملكية للأفراد وتكون الملكية للدولة وحق استغلالها يكون بالشروط التي تضعها الحكومة وتحدد الدولة مدة الانتفاع بالأرض حسب الأنشطة التي تقام عليها في مدة لا تقل عن 30 أو 50 سنة أو 99 سنة مثل مشروعات الطرق والكباري وبهذه الطريقة تكون الأرض ملكيتها للدولة بعد نهاية المدة وقيمتها تتزايد كل عام وتأخذ عائداً مادياً مقابل الانتفاع. وتحمل الدولة تكلفة المرافق علي سعر الأرض أيضاً. أضاف أن الكثير من الأراضي غير مستغلة. ولدينا ما يقرب من 94% من المساحة خالية ولابد من التعمير لفائدة الأجيال القادمة. وحتي نتمكن من جذب الاستثمارات إلي مصر. وكان هذا النظام مطروحاً من قبل النظام السابق ولم يتم تطبيقه بسبب أحداث ثورة يناير. حيث تم طرحه في نهاية عام .2010 قال: بالنسبة لسيناء. فيجب مراعاة أهميتها الأمنية. أو يكون لها وضع خاص في تمليك الأرض أو الانتفاع.. ولذلك يكون التملك هو الأفضل للمصريين فقط. ارتباك كبير * د.شريف حافظ.. رئيس المنتدي الاقتصادي للتنمية والعدالة الاجتماعية: الفكرة لن تلاقي صدي كبيراً في الوقت الحالي لأن الحالة الاقتصادية متدهورة وهناك ارتباك بير في الأسواق ولا يوجد مستثمرون يرحبون بالاستثمار في ظل هذه الأوضاع. كما أن فكرة الانتفاع ليست محببة وشعبية للمصريين. فهم يرحبون بفكرة التملك لإن الإطار التشريعي يحمي حقوق الملكية وفكرة الانتفاع لم تتأصل في القوانين المصرية. الأمر الثاني إذا كان حق الانتفاع يساوي 50% من القيمة التسويقية فلن يقبل عليه أحد. لكن إذا انخفضت القيمة من الممكن أن تشجع المستثمر المحلي بحيث لا تزيد القيمة علي 20 إلي 30%.. وعن المقترح الثاني الخاص بحق الانتفاع. ثم التملك بعد 5 سنوات نظير استصلاح الأرض فيجب أن نعرف أولاً متي سيتم تحديد سعر الأرض 5 سنوات من التملك أم في اللحظة التي حصل فيها علي الأرض وهل هذا النظام يطبق علي كافة المشروعات بالإضافة إلي أن الشباب لا يملك الإمكانيات المادية الكبيرة لأن عملية الاستصلاح تتكلف مبالغ طائلة فيجب إعطاء الأرض دون مقابل مادي حتي يستطيع أن يستصلحها.. وبالنسبة للمستثمر الأجنبي فتكون له ضوابط أخري ويكون حق الانتفاع من 50 إلي 100 سنة. وبعد انقضاء المدة تكون ملكيتها للدولة مرة أخري. * علاء الصفطي.. رئيس جمعية مستثمري مدينة بدر: نظام حق الانتفاع مطبق في جميع دول العالم. لكن في المجتمع الشرقي غير ملائم لارتباط الأشخاص بالأرض. والتملك لها. فإن حق الانتفاع يفقد جزءاً كبيراً من أهميته. فلا يجوز تطبيق هذا النظام علي مشروع سكني قد يكون ممكنا لمشروع تجاري أو صناعي. قال: إن الدولة ستخسر مبالغ كبيرة بسبب مد المرافق لهذه الأراضي من كهرباء ومياه.. فالمتر الواحد يتكلف حوالي 120 جنيهاً أو أكثر.. ولذلك لا يستطيع أحد أن يطبق حق الانتفاع حالياً. وفي ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد. أوضح أنه يجب وضع شروط جادة علي من يطبق عليه نظام الانتفاع وهي زيادة سنوية علي سعر الأرض لمن لا يستعملها. التنفيذ .. مستحيل * خالد الجارحي.. رئيس مجلس إدارة الغردقة للاستيراد والتجارة: التنفيذ مستحيل. فمن يقبل أن يقوم بعمل استثمارات علي أرض لا يمتلكها. مشيراً إلي أن الأمر قد يكون ممكناً في العقارات أو في الأرض الزراعية ولكنه أمر صعب في الأراضي الصناعية حتي لو كان هذا المستثمر أجنبياً. قال: إن معظم دول العام النامي تمنح الأرض للمستثمر دون مقابل مادي. وتفرض عليه بعد ذلك الضرائب والجمارك وغيرها من قرارات تضمن للدولة حقها. نظام غير مفيد * الدكتور مجدي عبدالغني.. رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر: عملية طرح أراضي الدولة بنظام حق الانتفاع غير مفيد علي الإطلاق. وعندما نريد أن ننفذ برنامجاً مثل هذا يجب أن يكون من خلال تخطيط عمراني منضبط بمعني أن يكون لدينا مدينة مقسمة تقسيماً جيداً. ومخصصاً بها أرض للإسكان وأخري للصناعات وأخري للزراعة لتكون التنمية شاملة. لكن مثل هذه المشروعات تعتبر أموالاً ضائعة. أضاف: للأسف تسند بعض الأراضي للمستثمرين وتكون غير مخططة إدارياً والأراضي علي الطريق الصحراوي مثال واضح علي ذلك.. حيث تم بيعها علي أنها أراض زراعية. ثم تحولت إلي منتجعات سياحية!!