الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة هي الثغرة التي ينفذ منها المستعمرون الأجانب لاثارة الفتنة بين هاتين الطائفتين علي طريقة "فرق تسد" ورغم انه لا يغيب عن فطنة علماء وأساتذة هاتين الطائفتين الغرض الذي يبتغيه هؤلاء من هذا الاسلوب الا انه للأسف الخلافات لاتزال قائمة ومثيرو الفتن يبتكرون الحيل والأساليب لاثارة القلاقل ولكي تستمر النزاعات بينما هؤلاء الغزاة ينفذون مخططاتهم لنهب خيرات بلاد هاتين الطائفتين. كما انهم يبذلون أقصي الجهد لتظل هذه الخلافات مستعرة والانشغال يستمر بالخلاقات ورغم انها في الفروع إلا ان التشبث بالرأي والانقياد للتحزب الطائفي هو الذي لايزال سائدا ولعل ما تشهده أرض الواقع في بلاد العالم الإسلامي هو أبلغ دليل علي استمرار هذه النزاعات الطائفية! ورغم ان هذه المقدمة قد تجاوزت الا انني أراها ضرورية حتي يدرك كل الاطراف ان الخلافات لن يستفيد منها احد وان تدمير بعضنا البعض يتنافي مع عقيدتنا التي تقطر سماحة من كل جانب.. "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" كما انه أي عالم من هؤلاء الرجال الذين نعتز بكل واحد منهم لا يرضيه هذا التشرذم وذلك الخلاف والسباب الذي يطول قامات كبيرة من أبناء عالمنا العربي والإسلامي. حقيقة لقد جاءت في الوقت المناسب رسائل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للرئيس الإيراني أحمدي نجاد خلال استقباله بمقر المشيخة بالقاهرة وقد أوضح الدكتور الطيب الحقائق بلا رتوش ولمس صميم الجراح التي تثير استياء كل مسلم غيور علي دينه وأهله خاصة تلك الكوكبة من هاتين الطائفتين السنة والشيعة. الرسالة الأولي إلي أن الأزهر دائما كان سباقا للتفاهم بين السنة والشيعة والدعوة إلي الوحدة بين العالم الإسلامي. والرسالة الثانية ان سب الصحابة من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان والبخاري وكذلك سب السيدة عائشة أم المؤمنين كل ذلك مرفوض ويتعين علي المراجع الشيعية أن تصدر فتاوي تجرم ذلك بالإضافة إلي ما يتعرض أهل السنة في الاحواز وحرمانهم من حقوقهم التي جاءت في شكواهم مع ان هذه التصرفات تتنافي مع أبسط المباديء المتفق في النظم الحديثة والشريعة الإسلامية. هذه المصارحة من الإمام الأكبر للرئيس الإيراني هدفها الأسمي وقف نزيف هذه الجراح بين أبناء الملة الواحدة "ان هذه أمتكم أمة واحدة" كما تطرق شيخ الأزهر إلي مسألة أخري في غاية الأهمية وهي الاختراق الشيعي لمذاهب أهل السنة والجماعة فمصر علي سبيل المثال كانت ولاتزال معقلا لأهل السنة وهذا الأمر مرفوض رفضا قاطعا بالإضافة إلي التدخل في شئون البحرين والدول العربية وكذلك ضرورة بذل الجهود من أجل وقف نزيف الدم في البلد العزيز سوريا. في نفس الوقت لقد تناول الإمام الأكبر هذه الأوجاع بكل سعة الصدر والحرص علي أن تكون الوحدة هي القاعدة الأساسية بين أبناء العالم الإسلامي وفي اشارة لهذه الحقيقة فإن الأزهر علي مدي تاريخه الطويل يدرس كل المذاهب دون تفرقة وان هناك من أساتذة الأزهر من تخصص في فلسفة الإمام صدر الدين الشيرازي وهناك غيره وذلك دون غضاضة أو تفرقة بين شيعي وسني الكل اخوة العقيدة واحدة والاختلاف في الفروع لا يؤدي إلي القطيعة والفرقة كما نري علي أرض الواقع هذه الأيام ولعل ما يجري في بعض مدن العراق لا يخفي علي أحد. وقد أعرب الرئيس أحمدي نجاد في هذا اللقاء عن رأيه حين قال: ان كل من يسيء إلي الصحابة ليس منا. لكن يجب أن تتحول هذه الأقوال إلي أفعال علي أرض الواقع وأن يتم استئصال هذا التزييف الذي ينخر في جسد العالم الإسلامي خاصة ان قيم الدين الحنيف وعقيدة التوحيد تتطلب أن تكون الوحدة هي السبيل لاستعادة نهضة وحضارة السلف الصالح الذين أثروا الدنيا بعلمهم ووحدتهم التي أبهرت الدنيا بأسرها. هذه الدعوة من الإمام الأكبر ليست غريبة علي رجالات اقدم جامعة في العالم الإسلامي فقد سبق ان صدرت من رحاب الأزهر دعوات للتقريب بين مذاهب السنة والجماعة واخوانهم من أهل الشيعة انها جهود بذل فيها الأزهر وكذلك رجال من الشيعة وتم عقد لقاءات بين الجانبين وقد كان الشيخ محمود شلتوت رحمه الله شيخ الأزهر صاحب جهود في هذا المجال وكذلك كانت هناك جهود لاحياء هذا التقريب من الشيخ حسن الباقوري لكن توارت هذه الأعمال في صخب الحياة وانشغال كل طائفة ودولة بهمومها ومشاكلها بينما ظلت لغة الخلاف والانقسام هي السائدة هذه الأيام. اعتقد ان دعوة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يجب أن تكون نبراسا لابناء الطائفتين وطريقا لعودة التقريب بينهما وسد كل الثغرات التي تثير الفتن والخلافات وتجعل كل طائفة تتمسك بأفكارها وارائها دون اهتمام بضرورة وحدة الفكر والرأي لدحر مؤامرات خصوم الإسلام وإغلاق الطريق أمام هذه الدسائس وعقد اللقاءات والحرص علي تفعيل أفكار التقريب واحياء دعوة العقلاء والحكماء من السنة والشيعة. كفانا انقساما وسبابا لرموز أمتنا وخلفائنا الراشدين. يا أبناء العالم الإسلامي ان المتربصين ببلادكم ينفثون سمومهم لكي تشتعل الخلافات بصورة أكبر ويستمر الطعن والتناحر بيننا وتمضي بلادنا في هذا النفق المظلم بينما التخلف والجهل يطارد أبناءنا ويكفي ان نلقي نظرة علي ما يجري من معوقات لحرمان إيران من حقها المشروع في الطاقة النووية في الأعمال السلمية. إلي غير ذلك من الاهداف الرامية إلي أن يظل هذا العالم متناحرا ونزيف التخلف بلا توقف. هذه الأغراض الخبيثة لا تخفي علي أحد. ليتنا ندرك الأمر ونبذل أقصي الجهد لاحياء "التقريب" دون تخاذل ونبذ أي نزعات للفرقة والسعي إلي الوحدة وادراك ان السني شقيق للشيعي. نتطلع إلي خطوات فاعلة لتحقيق ما جاء في رسالة شيخ الأزهر والله من وراء القصد.