أشاد علماء الدين وفي مقدمتهم الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بفتوي مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي بتحريم الإساءة إلي الصحابة رضوان الله عليهم أو المساس بأمهات المؤمنين زوجات النبي - صلي الله عليه وسلم - وذلك ردا علي كلام الشيعي الكويتي ياسر الحبيب الذي أساء فيه لزوجة النبي السيدة عائشة رضي الله عنها. رحب العالم الإسلامي بجميع مؤسساته الدينية وفي مقدمتهم الأزهر حيث أعرب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في بيان له مؤخرا عن تقديره وترحيبه بفتوي خامنئي بتحريم الإساءة للصحابة أو المساس بأمهات المؤمنين زوجات النبي محمد صلي الله عليه وسلم. وصف د. الطيب الفتوي بأنها صادرة عن علم صحيح وعن إدراك عميق لخطورة ما يقوم به أهل الفتنة وتعبر عن الحرص علي وحدة المسلمين.. مشيرا إلي أنه مما يزيد من أهمية تلك الفتوي أنها صادرة عن عالم من كبار علماء المسلمين ومن أبرز مراجع الشيعة باعتباره المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. الأسئلة التي تفرض نفسها كيف يواجه المسلمون حملات الإساءة لرموز الإسلام خاصة إذا كانت هذه الإساءة من رجل مسلم.. وكيف يمكن التقريب بين المذاهب الإسلامية. يقول د. مصطفي الشكعة - عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن جهود التقريب بين المذاهب كانت قد بدأت منذ خمسين عاما علي يد الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر رحمه الله حيث كان يمثل الجانب السني لكنها توقفت أما ما يحدث هذه الأيام من مؤتمرات فلم ترق للمستوي المطلوب وكان آخرها عندما تلقيت دعوة للسفر إلي طهران لحضور مؤتمر هناك ولكن لم أستطع السفر لظروفي الصحية. أضاف أن هناك معوقات مازالت قائمة للتفريق بين المذاهب ساعد عليها الإعلام من جهة وأعداء الإسلام من جهة أخري بالإضافة إلي أن هناك مسائل فقهية عديدة تحتاج إلي مصارحة فهي من الأسباب الرئيسية لحدوث فرقة بين المسلمين.. وللأسف فإن هذه الفرقة القاتلة وتلك الدماء المهراقة علي مر القرون لم تفد الإسلام في شيء بل نخرت عظامه وأضعفت مقاومته لتيارات الغدر والاستعمار. ومن عجب أن الاستعمار الحديث أو بالأحري الصليبية المعاصرة والصهيونية الماكرة التي يعتنقها كل المستعمرين كل أولئك الأعداء لايزالون يستفيدون من تفرق المسلمين في مذاهبهم وهم من أجل ذلك يوسعون شقة الخلاف بين المسلمين من أبناء الوطن الواحد ففرقوا بين السني والشيعي في العراق ولبنان وبين السني والأباضي في تونس والجزائر. وساروا علي نفس الطريقة في بقية بلاد المسلمين فالفرقة تؤدي دائما إلي ضعف يمكن المستعمرين أعداء الإسلام أن يثبتوا أقدامهم في أرض المسلمين وذلك عن طريق تمزيق الشمل وتفريق الكلمة وتأليب المسلم علي أخيه المسلم ثم تقريب بعض ضعاف النفوس من أبناء بعض الفرق الإسلامية وتشجيعهم والإغداق عليهم وبناء آمال كاذبة وبذلك يخرجونهم عن الصف ويتخذون منهم معاول هدم وأدوات تدمير مثلما يحدث حاليا في العراق. وقد تمكن الاستعمار بهذه الطريقة الجبارة من أن يحرز بعض الانتصارات المؤقتة فكما ضاعت الأندلس في الماضي نتيجة الفرقة والتمزق فإن فلسطين قد ضاعت منذ بضعة عشر عاما لهذا السبب.. وهذه الأيام تشعل الخلافات بين السنة والشيعة نيران العداوة في العراق.. وطرد العرب من ديارهم وديار آبائهم وأجدادهم وسلبوا أموالهم ومرابعهم وأراضيهم ونخشي إذا استمر الأمر علي تلك الفرقة أن يسقط الوطن الإسلامي بلدة إثر بلدة كأوراق الخريف في يوم عاصف شديد. لا خلاف بين السنة والشيعة أكد د. الشكعة أنه إذا أمعنا النظر جيدا وطرحنا الأفكار البالية الجامدة خلف ظهورنا فإننا لن نجد خلافا كبيرا بين كل من مذاهب السنة والشيعة الزيدية وكذلك بين السنة والإباضية فالإمام أبوحنيفة السني كان تلميذا للإمام زيد بن علي الذي إليه ينتسب المذهب الزيدي أخذ عنه الفقه أصول العقائد والإمام زيد تلميذ لواصل بن عطاء أحد رءوس المعتزلة وكان ملازما له وقد ليم في ذلك لأن واصلا لا يوافق الشيعة في كل ما قالوه عن الإمامة ولكن زيدا صاحب الأفق الواسع والمدارك السمحة ضرب بكل ذلك عرض الحائط وظل مخلصا لتعاليم واصل بن عطاء وأخذ عنه ولذلك فإننا نري الكثير من سمات الاعتزال طافية واضحة علي صفحة المذهب الزيدي وبذلك نري كيف أخذ الإمام أبوحنيفة السني عن الإمام زيد الشيعي عن واصل بن عطاء المعتزلي. قال إنه من الميسور أن تقترب هذه المذاهب الواحد من الآخر في سهولة ويسر وأن تلتقي في صواب الطريق وأن تعقد الجلسات والمؤتمرات التي تظللها السماحة ويكون رائدها الخير للإسلام والمسلمين ونحن نعتقد مخلصين أنه لو حسنت النيات وألقيت رواسب الماضي البعيد جانبا لخرجنا من هذه المحاولات صفا واحدا. توحيد الصف د. أحمد عمر هاشم - رئيس جامعة الأزهر السابق - يري أن توحيد صف العلماء والتقريب بين آرائهم له أهمية كبري لمنع الخلافات التي تتسبب في فرقة الأمة.. فمع أن الاختلاف لا يفسد للود قضية فإن علي المؤسسات الدينية العمل علي توحيد صف الأمة.. فالتقريب بين المذاهب أمر سهل لو صدقت النوايا وخلصت الاتجاهات لأن المعروف أنه ليس هناك خلاف بين جميع المسلمين سنة وشيعة وغيرهما في أن الله واحد وأن محمدا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وأن القبلة واحدة كذلك الصلاة والصيام والحج والقرآن ولكن الخلاف في الفروع فقط. قال إن الدين الإسلامي يدعو للأخوة والوحدة والتضامن لأن أعداءنا يتكاتفون ضدنا ويخططون للنيل من الإسلام والمسلمين ويعملون علي إثارة النعرات وإذكاء نار الخلافات.. فجدير بنا أن نكون عقلاء وأن نطفئ نار حقدهم باتحادنا لأن وحدة المسلمين مطلب شديد الأهمية في حياة الأمة فهي الحصن الحصين الذي يقيها من كل الآفات.. وما هانت الأمة إلا بعد غياب وحدتها التي دعانا الله إليها في قوله تعالي: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" ونهانا عن التفريط فيها عندما قال: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". ظروف خارجة يؤكد الشيخ محمود عاشور - وكيل الأزهر الأسبق وعضو لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية بالأزهر - أن جهود التقريب لم تفشل لكنها تتوقف أحيانا لظروف خارجة فلقد كانت جهود التقريب قائمة حتي وقت قريب حيث حضرنا مؤتمرا في إيران ضم وفود 70 دولة عربية وإسلامية ولكن تسبب فيلم "إعدام فرعون" وقتها في توقف الحوار مؤقتا. قال: إن الأزهر كمؤسسة قديمة عمرها أكثر من ألف عام هو الذي بدأ بالتقريب بين المذاهب الإسلامية والدليل أن جامعة الأزهر مازالت تدرس الشيعية والزيدية وغيرهما من المذاهب.. لكن التقريب ليس معناه التخلي عن المذهب فهناك ضوابط لابد من الالتزام بها خاصة أننا ندين بدين واحد ونؤمن بإله واحد ونتبع نبيا واحدا ونقرأ قرآنا واحدا ونتجه لقبلة واحدة فكل هذه روابط تؤلف بيننا وتجعلنا دائما إخوة قال تعالي "إنما المؤمنون إخوة".. ولا شك أن المجلس الاستشاري الأعلي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يتبع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إسيسيكو" يلعب دورا كبيرا في عملية التقريب. أضاف أن تعصب البعض من السنة والشيعة والمذاهب الأخري تسبب في نكسات لتاريخ الأمة الحديث.. فالتقارب له مجالان أولهما الفقه بشكل عام والفقه السياسي بوجه خاص وثانيهما مجال العقيدة.. وفي رأيي أن التقارب في الفقه أمر ميسور أو هو موجود بالفعل أما في مجال العقائد فلا أعتقد أن الأمر سيكون سهلا بل سيواجه بصعوبات كثيرة ولذلك لابد أن يبدأ الجميع حركة في الاتجاه الصحيح وهو اتجاه التقريب والتوحيد ليس فقط في مجال المذاهب الفقهية بل في ظل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها مما لابد منه لاكتساب الأمة عناصر القوة. أضاف أن النزاع العرقي والطائفي والمذهبي بين أبناء الأمة يعد أكبر التحديات التي تعوق مسيرتنا الحضارية في الحاضر والمستقبل من هنا فإن التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية فريضة وضرورة يحتمها الواقع ويوجبها الدين فنحن نريد أن يفهم بعضنا بعضا ويحسن بعضنا الظن بالآخر ونصارح بعضنا بعضا ونتكاتف ونبعد الغلاة والمتطرفين من طرفي السنة والشيعة ونقرب أهل الحكمة والاعتدال منهما. هجوم عنيف شن الدكتور محمد فؤاد شاكر - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس - هجوما عنيفا علي الذين أساءوا للسيدة عائشة ووصفهم بأنهم أعداء السنة فقد كانت - رضي الله تعالي عنها - ثاني أكثر الصحابة رواية للحديث النبوي بعد أبي هريرة - رضي الله عنه - وبلغت الأحاديث النبوية التي روتها أكثر من ألفي حديث نبوي. كما أن السيدة عائشة هي الصحابية الوحيدة التي نزلت براءتها من السماء بقرآن يتلي إلي يوم القيامة وكان ذلك عندما اتهمها المنافقون في قصة الإفك المشهورة فقال تعالي في كتابه الكريم "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم". يقول د. شاكر إن "الصراع بين الحق والباطل ظاهرة موجودة في كل زمان ومكان ولذلك فرض الله الثواب والعقاب.. ومن المعروف تاريخيا أن الشيعة ظهروا في عام الفتنة بعد مقتل الإمام علي كرم الله وجهه.. وهي فرق كثيرة منها الغلاة ومنها ما يقترب كثيرا من أهل السنة.. ومن الغلاة فرقة السبئية نسبة إلي عبدالله بن سبأ بن سلول كبير المنافقين وهذه الفرقة تقول بألوهية علي ثم تأتي بعدها منزلة فرقة "الرافضة" وهي التي تجيز بل تتعبد وتتقرب إلي الله بشتم الصحابة وسبهم ولاسيما الصديق أبوبكر والفاروق عمر وذو النورين عثمان ومعاوية وأبوهريرة وأم المؤمنين عائشة. وقد استباحوا ذلك علي المنابر وفي افتتاحيات محافلهم وهذه الفرق التي توجد الآن في إيران والخارج وهم "الرافضة" يظهرون غير ما يبطنون فهم يؤمنون بفكرة "التقيا" إخفاء ما بداخلهم وإظهار شيء آخر. ومن أضل فرق "الرافضة" الذين يقولون إن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الصحيح إنما القرآن الحكيم "قرآن فاطمة" أخذه المهدي المنتظر بزعمهم ثم اختفي في السرداب وهم ينتظرون عودته ولذلك تسمع دعاءهم المشهور "اللهم عجل بظهور عبدك المهدي"! ونحن لا نري مانعا كما يقول د. شاكر من أن يجتمع المسلمون بشتي أفكارهم ومعتقداتهم تحت مظلة واحدة لكن ليس علي حساب الإسلام وعقائده ونظمه.. فإن أردنا أن نكون يدا واحدة علي الشيعة أن يتخلوا عن مخالفاتهم بحقيقة الإسلام وأن يتوقفوا عن سب أصحاب النبي - صلي الله عليه وسلم - عندئذ لا نري مانعا من أن نتقارب فيما بيننا لنمثل كلمة واحدة وهدفا واحدا.