ما بين شهري يناير وفبراير 2013 كان المتابعون لكرة القدم علي موعد مع تدهور غريب وضياع للكرة الأفريقية وانهيار للكرة العربية.. فقد تابعنا أكثر من بطولة. في مقدمتها أمم أفريقيا وشاهدنا المستوي المتدني والصادم لمعظم الفرق.. كشفت البطولة عظمة منتخب مصر وتأثير غيابه المقترن بالمتعة والإثارة والجماهيرية.. ثم رأينا منتخب مصر نفسه يرفض تلك الهدية وهذا التميز وراح يسقط تباعاً في مبارياته الودية حتي بات وكأنه أدمن الخسائر فانهزم في ثلاث مباريات ودية متتالية. أيضاً نتابع بطولة الدوري المصري وحالة الخمول التي تسيطر علي مبارياته بسبب طول فترة التوقف وغياب الجماهير والخوف من حدوث ما يعكر صفو الانطلاقة فيعود الدوري للتوقف.. وخليجياً لم تكن البطولة الأخيرة معبرة عن مستوي الكرة آسيوياً هذا التدهور والتراجع والانهيار والخمول دفع الناس بالفعل لمتابعة الدوريات الأوروبية.. محلياً وقارياً. وخلال السطور القادمة نرصد معاً الظواهر الأبرز والأهم في هذه المجالات في جنوب أفريقيا تابعنا بطولة الأمم الأفريقية.. وفيها شاهدنا أداء عاد بنا للوراء كثيراً لزمن الكرة الأفريقية التي تعتمد علي الجري والقوة والعنف وبلغة الكرة "عجن".. ولذلك غابت المتعة والمهارات وظهرت الفرق صاحبة الأجسام القوية واللياقة البدنية الأعلي ووصل للنهائي نسور نيجيريا وجياد بوركينا فاسو. الاعتماد علي سلاح القوة هو الذي أقصي فريقي مالي وغانا من دور نصف النهائي.. وقد كان واضحاً كم لعبت اللياقة والقوة دورهما في حسم السباق لاسيما أن مالي اعتمدت علي الأداء الفني الراقي.. وكلنا يعرف أن غانا هي برازيل أفريقيا ولم ينفعها ذلك اليوم. يمكن استثناء منتخب نيجيريا من هذه الرؤية.. حيث ظهر الفريق في أحلي صورة له منذ سنوات طويلة تمتع بالقوة والمهارة والإبداع الفردي والجماعي.. أجاد الكر والفر والخداع يعرف متي يبدأ مهاجماً ومتي يبدأ مدافعاً.. متي يباغت منافسه ومتي يترك له الساحة.. وقد كانت مباراتاه أمام كوت ديفوار ومالي خير شاهد علي ذلك.. فهاجم كوت ديفوار وتقدم ثم هدأ وعاد وثار وفاز.. أما في لقاء مالي فقد كان هادئاً متوازناً لأكثر من 20 دقيقة ثم انطلق وراح يحلق وحيداً ليمطر شباك منافسه برباعية كان يستطيع مضاعفتها ولكنه تذكر أن أمامه مباراة نهائية فهدأ قليلاً. ومن يتابع هجوم نيجيريا يجد أنه يلعب علي طريقة هجوم برشلونة والتي تعتمد علي الطاحونة ولا تعرف من أين سيأتي الهدف برغم أن في الفريق مهاجماً هو الأخطر في البطولة إيمينيكي والذي خرج مصاباً وقد لا يلحق بالمباراة النهائية وسيفتقده النسور كثيراً. وبرغم ذلك فإن أمام جياد بوركينا فاسو فرصة في انتزاع اللقب إذا وضعنا في الحسابات عدة نقاط مثل انتهاء زمن الكبار حيث بات البطل يولد خلال 90 دقيقة هي عمر المباراة.. كما أن الفريق الذي يصل لنهائي أي بطولة هو بطل.. وهناك حقيقة فنية أخري هي أن لكل فريق أسراره وقد ينجح منتخب في فك طلاسم العديد من الفرق ثم يفشل أمام فريق بعينه. بقي أن نذكر من الأفارقة منتخب كوت ديفوار.. أو عواجيز الأفيال وهم الظاهرة الأغرب في التاريخ.. فهذا الفريق يلعب ويفشل في خامس بطولة علي التوالي.. ومنذ بطولة عام 2006 في مصر والكل يصفه بفريق العواجيز وبرغم ذلك لم يتم تجديده وتطويره بالشكل المناسب لذلك واصل فشله وسقوطه وسيستمر لو لم يغير جلده. وفي أمم أفريقيا كان السقوط العربي مدوياً.. فبجانب عدم تأهل مصر وخروج منتخب الجزائر مبكراً وكنا ننتظر منه الكثير.. وفشل المغرب برغم أن بدايته لم تكن سيئة وفشل التوانسة وكانوا يلعبون أفضل من الأشقاء في الجزائر والمغرب.. ولكن المدهش أن تخرج هذه الفرق دفعة واحدة.. وفي نفس التوقيت نجد منتخب مصر في ثلاث مواجهات ودية يسقط وبشكل سيئ للغاية.. أمام غانا ثم كوت ديفوار وأخيراً تشيلي.. 3 و4 و2 وبأخطاء ساذجة دفاعية أو من وسط الملعب.. يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه الجميع أن غياب مصر يفقد البطولة متعتها الفنية والجماهيرية.. ولكن البعض لم يتحسر كثيراً لغياب منتخب مصر بعد أن شاهد مستواه الغريب والذي كان قمة في لقائه الودي أمام قطر ثم توقف العطاء وتراجع منتخبنا الذي يستعد لثالث مبارياته في تصفيات كأس العالم.. ولا مجال لخسارة جديدة قد تصعب من مهمة بلوغ كأس العالم الذي تنتظره جماهير مصر بأمل كبير بعد الفشل في الوصول لنهائي أمم أفريقيا مرتين متتاليتين. واستمراراً للحديث عن الكرة العربية فلم نجد متعة كافية في كأس الخليج وظهرت المنتخبات الكبيرة أيضاً بشكل متواضع فخرج المنتخبان السعودي والكويتي ولم يتمكن العراق الحصان الأسود في السنوات الأخيرة من حصد اللقب ولم أجد نفسي والكثير مشدودين لهذه البطولة كما تعودنا ليتأكد لنا استمرار تراجع الكرة العربية والتي نخشي اختفاءها من المونديال القادم. أما الدوري المصري فكما يري المحللون أن أمامه وقتاً لكي يستعيد عافيته ولن يحدث ذلك قبل أن تعود الجماهير وترتفع معدلات اللياقة البدنية ويرتفع إحساس الأندية بالآمان ومعهم الجماهير وندخل في حسابات النقطة واللقب والهبوط..هذه الرؤية زادت من تدافع الجماهير لمتابعة الدوريات الأوروبية وبطولة أوروبا والكلاسيكو في كل مكان.. وقد كان لسوء حظ جماهير الكرة الأفريقية والعربية أن شاهدوا جميعاً منذ عشرة أيام الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد وبرشلونة والذي انتهي بالتعادل 1/1 وقدم فيه الفريقان أقوي وأحلي وأمتع عرض منذ سنوات طويلة.. ربما يكون في إسبانيا وغيرها علي مستوي الأندية والمنتخبات. بقي أن نؤكد علي أن الكرتين الأفريقية والعربية في حاجة للتعديل والتحسين.. وأن رصيد الكبار نفد والتاريخ بات يتلاشي والحاضر الذي نعيشه سيكون للصغار.. أما المستقبل فهو في علم الغيب. وعلي منتخب مصر أن يصحو من غفوته بإرادته قبل أن يفيق علي صدمة مؤلمة لاسيما أن الظروف تتحسن لصالحه وليس ضده.