في أواخر يوليو سنة 1950 أعدت وزارة مصطفي النحاس باشا تشريعات لتنظيم عمليات النشر والحصول علي المعلومات.. وكان الغرض الأساسي منها هو الحد من حرية الصحافة وكذلك تفسير عبارة "النظام الاجتماعي" الذي نصت المادة 15 من دستور 1923 علي حمايته.. ولكن نقابة الصحفيين احتجت علي اصدار مثل هذه التشريعات واضطرت الحكومة الي سحبها وأعلن وزير الداخلية في البرلمان ان الحكومة تنحني لارادة اصحاب الاقلام. ثم رأت الحكومة ان تعيد صياغة هذه التشريعات فاستصدرت تشريعات أخري تقضي بتنظيم أخبار القصر الملكي بحيث لا تنشر إلا الأخبار التي يتم إجازتها والخاصة بالملك وشئون القصر.. وتضمنت هذه التشريعات حصول الصحف علي إذن من وزير الداخلية بالنشر.. ورغم تواصل الاحتجاجات الا ان هذه التشريعات صدرت.. وفي 18 يناير 1951 قرر مجلس الوزراء تعطيل جريدة مصر الفتاة.. لانها نشرت في عددها الصادر في هذا التاريخ صورا لبعض المواطنين وهم نائمون في ملابس رثة علي الأرصفة في عز البرد وكتب عليها تعليق يقول "رعاياك يا مولاي.." وجىن جنون الملك بعد هذا النشر وطلب من الحكومة مصادرة العدد وتعطيل الجريدة.. ولكن محكمة القضاء الاداري ألغت قرار مجلس الوزراء وقررت عودة الجريدة الي الصدور. واستنادا لهذا التشريع الحكومي للحد من حرية الصحافة فقد تم مصادرة صحف الأهرام والمصري ومجلة آخر ساعة لنشرهم اخبار رحلة الملك فاروق في كابري يوم 15 يناير 1951 دون إذن وزير الداخلية.. واحتجت نقابة الصحفيين علي هذا الاجراء التعسفي إذ ان تلك الاخبار قد اجازت نشرها رقابة التلغرافات الخارجية. المهم أن أحمد نجيب الهلالي باشا وكان قطباً وفدياً كبيرا لم تعجبه هذه التشريعات التي أصدرتها الحكومة الوفدية فعلق عليها قائلا بدلا من تقييد الحريات يجب ان نقيد الشهوات وبعد عشرين يوما من هذا التصريح قرر الوفد فصل الهلالي باشا من عضويته. وفيما يبدو أن في كل عهد أصبح واجباً علي الحكومات اصدار قوانين جديدة للصحافة.. تحت مسمي حرية الصحافة في حين ان الهدف كان نشر ما يريدونه لا ما يريده الشعب.. كما حدث في ثورة 23 يوليو عندما قررت الثورة حجب معظم الاخبار عن الشعب والسماح بنشر الاخبار التي يريدون ان يعرفها الشعب فقط.. ولهذا انتشرت في هذه الآونة محطات الاذاعة الاجنبية التي راحت تذيع كل الاخبار الممنوعة كذلك قررت حكومة الثورة اغلاق بعض الصحف التي كانت تصدر في مصر مثل المصري والجمهور المصري.. وغيرها كما فرضت الرقابة علي الصحف ولا ينشر الا ما يجيزه الرقيب واستمر هذا الحال الي منتصف السبعينات.. بعد انتهاء حرب اكتوبر عندما اصدر الرئيس الراحل انور السادات عدة تشريعات كلها تتم في ظاهرها علي منح الصحفيين حرية الكتابة.. والزم الموظفين ورؤساء الهيئات والمصالح بمد الصحف بكل ما يريدونه من معلومات ولا يحجبون أي خبر عنهم.. وطبعا هذا لم يحدث وصار منع الموظفين من التحدث للصحافة أمراً الزاميا لهم.. ومضت التشريعات الصحفية في الصدور وتم انشاء المجلس الاعلي للصحافة ليكون مالكا للصحف مع تبعيته لمجلس الشوري واحالة كل من بلغ سن الستين الي المعاش وكانت هذه أول مرة ربما في العالم يتم احالة الصحفي الي المعاش.. في ظل النظام السابق ساد قول مأثور.. دعهم يكتبون وينتقدون كما شاءوا.. ولنا وللحكومة ان نفعل ما نشاء. اما سن المعاش فكان يطبق تبعا للمزاج ولمدي استلطاف مؤسسة الرئاسة لرؤساء التحرير.. والآن وبعد ثورة 25 يناير اتجه مجلس الشوري الي اعادة تنظيم الصحافة القومية بما يساير روح الثورة ووضعت بعض القواعد منها تنفيذ سن المعاش بقدر الامكان.. واجراء زيادات في الاجور طبقا للمتاح.. في الوقت نفسه طالب وزير الاعلام باصلاح التشريعات المنظمة للحريات الصحفية ورفع كل القيود التي تكبل الصحفيين وتعرقل حقهم في الحصول علي المعلومات.. ومازال الجدل ساريا حول هذه الآراء.