نظمت لجنة الدراسات اللغوية والأدبية بالمجلس الأعلي للثقافة آخر مؤتمراتها هذا العام خارج قاعات المجلس - تقليد تحرص عليه في الفترة الأخيرة - في بيت ثقافة مدينة التل الكبير. حيث استضافتها جماعة "نحن هنا" الأدبية. وطرح للنقاش أهم قضايا الساعة. وهو الوضع في سيناء. أشار الروائي قاسم مسعد عليوة إلي الفجوة التي حرص الحكم السابق علي إحداثها بين المصريين في الوادي والمصريين في سيناء. وقد أسرفوا في طرح العديد من الافكار التي لم تحاول التعرف إلي ظروف البيئة. ولا استندت إلي دراسات جادة. سمعنا عن المشروع القومي لتنمية سيناء. وعن توطين ثلاثة ملايين مواطن. بينما نهب الفساد والمفسدون أكثر من 65 ألف كيلومتر من أرض سيناء. والحق أنه لا يمكن أن تنشأ تنمية في سيناء دون تنمية ثقافية. إنها هي المرتكز والانطلاقة. وأكد أهمية التعرف إلي المكان من خلال الأعمال الإبداعية. كما فعل إبراهيم الكوني في أعماله التي تناولت الحياة في مجتمع الصحراء. وموسي صبري في رائعته "فساد الأمكنة". وعبدالله الطوخي في رحلته النيلية. وتطرق قاسم إلي ظاهرة زواج شباب سيناء من يهوديات. وهي مشكلة تنطوي علي خطورة بالغة. في كلمات تتسم بالحماسة. قالت د. زينب العسال إنها حاولت - قبل الندوة - أن ترجع إلي مصادر ومراجع. وتزايد إحساسها بالخطر الذي يتهدد سيناء. أضافت: كان بداية إحساسي بهذا الخطر عند دراستي للحصول علي دبلوم في الفنون الشعبية. عرفت أن يائيل دايان ابنة وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق. تجري أبحاثا في التراث السيناوي. وتحاول نسبته إلي إسرائيل. وقد وضعت نجمة داور بالفعل علي الزي السيناوي في محاولة لتأكيد ذلك الزعم. أضافت: للأسف فإن المعلومات التي تتاح عن سيناء يغيب عنها وسط شبه الجزيرة. إنه يزخر بكل الموارد والإمكانات التي تصنع مجتمعا متكاملا. وتضيف مع بقية أنحاء الإقليم إلي التنمية علي مستوي مصر بعامة. لابد من التنمية في سيناء. وإن كنت أرفض تعبير الغزو. لأننا لا نغزو قطعة من بلادنا. ولابد من الاهتمام بالتعليم في الوسط دون فرض لسلوكيات الوادي. بل لابد من تداخل الواديوسيناء في تكوين ثقافة وطنية. تتأكد من خلالها قيم مشتركة بين سيناءوالوادي. من المهم أن يعرف إنسان الوادي قوانين المجتمع السيناوي ومعني القبيلة. وأن يرفض المفهوم الأمني في التعامل. فقد أثبت أبناء سيناء انتماءهم إلي بلادهم عبر السنين. ولعلنا نذكر المؤتمر الذي دعت إليه إسرائيل في الحسنة. وقوض أبناء سيناء كل مخططاتها بالتأكيد علانية علي هويتهم المصرية. وأثير السؤال: من يتولي زمام المبادرة في تنمية سيناء؟ إن رأس المال جبان بطبيعته. وعلي الدولة أن تبادر بإنشاء البنية الأساسية. والعديد من المشروعات لتكون حافزا للقطاع الخاص في تحقيق التنمية. وتبع السؤال سؤال آخر.. هل المجتمع القبلي في سيناء علي استعداد لتقبل فكرة توطين الملايين من أبناء الوادي في أرض الفيروز؟ حقيقة الأوضاع تفرض أن تصبح سيناء حائط صد حقيقيا. يحمي كل مصر. وهو ما يصعب بلوغه دون تنمية شاملة يتشارك فيها الجميع. ودعا د. محمد علي سلامة إلي ضرورة استعادة التاريخ بالقراءة والتأمل واستخلاص العبر. أمن سيناء لا يقتصر علي الدفاع عنها عسكريا. بل لابد من إحداث تنمية ثقافية ومعرفية في الدرجة الأولي. لقد أظهرت ثورة يناير غيبة الثقافة. وهو ما كاد يتسبب في ضياع الدولة المصرية. ولعل تأكيد الدور الثقافي يعود إلي الكتاب والمبدعين. وبقدر قراءاتي في الأعمال الأدبية. فلا أذكر أنه قد أتيح لي ذلك في الكتابات الحديثة. وتحدث د. سلامة عن كتاب نعوم شقير الذي صدر في 1916. وقدم أكمل دراسة حتي الآن عن مجتمع سيناء. وأن أرض الفيروز كنز حافل بالثروات التي يمكن أن تحقق الخير للبلاد كلها. وذكر د. مدحت الجيار الحضور بجهود مصطفي كامل في أول القرن العشرين لمنع انفصال سيناء عن مصر. وكانت تلك الجهود وراء انحياز الزعيم المصري لدولة الخلافة العثمانية. فقد كان هدف الاستعمار الغربي آنذاك. فصل شبه الجزيرة عن الوطن الأم. وشدد د. الجيال علي أهمية التعليم باعتباره المدخل والسبيل لإحداث تنمية حقيقية في سيناء. لابد من خطة تعليمية من المرحلة الابتدائية. تتلوها تنمية في كافة المجالات. ونبه الناشط السيناوي مصطفي الأطرش إلي التنمية في سيناء لن تحدث دون أن يتملك أبناء الإقليم. فمن يسكن سيناء لابد أن يحميها. وأخذ الأطرش علي الدولة تقصيرها نحو أبناء سيناء. وشدد علي خطورة رءوس الأموال التي تحتكر وتسيطر في غيبة من الرقابة الحكومية. والغريب أن تنمية سيناء تتم بقرارات من القاهرة. دون رجوع إلي أبناء سيناء الذين هم أدري بأوضاع أرضهم. وقال: نحن لا نقبل أجناسا غير مصرية في سيناء. وقتل الجنود المصريين في رمضان الماضي مسئولية الدولة. وأكد الإعلامي محمد ناجي. أمين سر حركة "نحن هنا" ضرورة إيجاد ثقافة المغايرة. وإعداد المجتمع لاستقبال ثقافات أخري. وإن كان المطلوب دوما إيجاد مثاقفة بين ثقافة أبناء الوادي وأبناء سيناء. والثقافة تحتاج إلي تربة صالحة وبذرة صالحة ومناخ صالح. مثل الزراعة تماما. الثقافة هي قاطرة الشد في المجتمع. وقبل أن تجري المعارك علي الأرض. فإنها تدور علي الرءوس. أما الباحث عبدالحليم سالم. فقد تحدث عن مشكلة ندرة المياه. وأنها تعوق التنمية. وأيضا مشكلات البلطجية الذين أضافوا سيناء إلي أنشطتهم الشريرة. فهم يتعمدون تعطيل المستثمرين. ودعا عبدالحليم إلي ضرورة إنشاء بيوت ثقافة في كل سيناء. وقال إن التعليم مفتقد تماما في شمال سيناء. وأكد أهمية أن يخصص جزء من أراضي سيناء لأبنائها. ولو بنسبة محددة. ذلك ما يطلبه شيوخ القبائل. وعلي الدولة دراسة الأمر بجدية.