في معترك المرحلة الثانية من التصويت علي الاستفتاء. والانقسامات.. وشبح الأفلاس الذي يهدد مصر. بزغت طاقة من نور وبارقة من أمل وأخبار باسمة بطعم البهجة كتلك التي خرجت علينا بها جريدة "الجمهورية" أمس الأول.. ورغم أنها كانت أخبارا أنيقة في عناوينها ومتنها.. لكن البهجة بها كانت تحمل في طياتها شيئا من المرارة والألم!! فقد أوردت الجريدة تحت عنوان "هل تهدأ مصر لتحتفل بأبنائها" ثلاثة أخبار عن ثلاثة مصريين نابغين ونابهين. وأول هذه الأخبار عن الدكتور محمد العريان الذي اختاره أوباما رئيسا لمجلس التنمية العالمية.. أما ثانيهما فكان عن سلمي شريف الطفلة المصرية ذات الاثني عشر ربيعا كأذكي طفلة في العالم في المسابقة العالمية للرياضيات الذهنية بماليزيا. وأما ثالثها وآخرها فهو حصول الدكتورة آنا أبورية علي جائزة المؤتمر العالمي للمناعة بألمانيا عن العام ..2012 وإن دل ذلك علي شيء فإنما يدل علي تقدير العالم للنبوغ المصري. أما لماذا الشعور بالألم والمرارة.. فنحن شعب لا نقدر قيمة ما بأيدينا من عقول مبدعة في كل المجالات. إنما نفرط فيها أيما تفريط ولا نستغلها ونوظفها التوظيف الأمثل.. فيبدو أننا شعب الفرص الضائعة وقتل المواهب في مهدها.. فمثلا الدكتور محمد العريان كان مرشحا لرئاسة وزراء مصر ولكن لأسباب ما لم يتم ترشيحه.. وعندما فاز أوباما بفترة رئاسة أخري أرسل إليه خطاب تهنئة يعرض فيه خطة من 4 نقاط لرفع معدل نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 3% سنويا وخفض نسبة البطالة إلي 5% فدرس أوباما الخطة ومن ثم قام بتعيينه لتنفيذها رئيسا للمجلس الرئاسي للتنمية العالمية. لسنا هنا كي نبحث الأسباب التي أدت إلي التفريط في الدكتور محمد العريان.. بقدر حزننا وآسانا علي قدرته علي حل مشكلات الغير والعبور بها إلي بر الأمان. في الوقت الذي تحتاج فيه مصر خبرته وعلمه في تلك المرحلة الحرجة من تاريخها فهي أولي بخطته وهي تواجه شبح الإفلاس ومقبلة علي وضع مالي واقتصادي "كارثي" وتعاني نسبة بطالة وصلت إلي 25% من عدد سكانها. إن حالة التفريط في علمائنا هي آفة مصرية قديمة. ليست وليدة اليوم أو الأمس بل من زمن بعيد.. فقد فرطنا من قبل في مشرفة والمشد وسميرة موسي والباز وزويل وغيرهم من الذين أفادوا العالم وحرمنا نحن مجهوداتهم وعلمهم وخبرتهم رغم أنهم تلقوا تعليمهم حتي الجامعي بين ربوع الوطن ولكنهم لم يجدوا البيئة الصالحة التي ينمو فيها نبوغهم فهاجروا بعقولهم وعلمهم إلي من يقدرهم التقدير الأمثل فلمعوا وكانوا نجوما كل في مجاله.. وكان أقصي تقدير لهم من الدولة تكريمهم في القاعات وسط التصفيق والتهليل الذي ينتهي إما بوسام أو شهادة تقدير.. ثم يطويهم النسيان ولا يبقي منهم سوي لقطات التكريم في أرشيف الإعلام. وأنني علي يقين أن سلمي شريف أذكي طفلة في العالم ستتحول في يوم ما إلي سراب.. بعد أن نسمع من المسئولين معسول الكلام عن رعايتها إلي أن تتسرب هي الأخري من بين أيدينا لنسمع أخبارها في الإعلام الخارجي.. لأنها لم تجد الرعاية الكاملة من مؤسسات الدولة لأن تلك الرعاية كانت أمام الكاميرات وعلي صفحات الجرائد وهذا ما حدث مع آلاف النابغين من أمثالها التي تمتليء دواليب مراكز البحث العلمي ببراءات اختراعاتهم ودراساتهم البارعة والماهرة يعلوها التراب. دون أي استفادة منها!! متي نهتم بالنبغاء المصريين ونوفر لهم الإمكانات وتسخيرها كما نوفرها للاعبي الكرة والفنانين. فالعقول الجميلة هي التي تحتفظ بالجواهر عبر الزمان..!!