يرى الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل، أن التصريحات الاخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن إرساء مبادئ السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لن يستفيد منها الشعب الفلسطيني أو مصر وإنما تصب في صالح الجانب الإسرائيلي، مؤكدًا أن معركة القدس ستستمر سنوات قادمة. وقال "قنديل"، في مقاله بصحيفة "الأخبار": ماذا يعني ذلك كله؟، يعني أن الكلام «الحنجوري» عن السلام الموهوم مجرد «طق حنك» و»مضغة لبان»، ولا ينطوي علي أي فائدة محققة ولا محتملة لا للعرب ولا للفلسطينيين، ولا لمصر بالذات، فقد خاضت مصر حروبا دفاعية ضد كيان الاغتصاب الإسرائيلي، ثم توقفت الحروب النظامية قبل أكثر من أربعين سنة، وعقد السادات ما يسمي معاهدة السلام، والتي قد تكون سمحت بعودة إسمية لسيناء إلي مصر. وإلى نص المقال: صراعات التاريخ ليست مشكلات نفسية، وقد واجهت الأمة «حروب الفرنجة» المعروفة غربيا باسم «الحروب الصليبية»، وجري احتلال فلسطين وسواها من مناطق بالشام، وأقيمت ممالك الصلبان، واستسلم لها من استسلم، وعقدت معاهدات صلح ذهبت مع الريح، ودخلت مصر بالطبيعة في حروب ضارية ضد هذه الظاهرة الاستعمارية الغازية، كان أظهرها حروب صلاح الدين الأيوبي التي انطلقت من القاهرة لتحرير القدس، ولم تكن آخرها حملة لويس التاسع التي هزمت في «فارسكور»، وظلت دار «ابن لقمان» في المنصورة شاهدا باقيا علي نصر الأمة المبين، وظل الدرس نفسه قائما علي توالي القرون، وإلي أن حلت حروب الصهيونية وإسرائيل محل الحروب الصليبية القديمة. وللرئيس السيسي أن يقول ما يحب، وعلي طريقة النداء الذي أطلقه في أسيوط، والذي لم يكن له من أثر ولا شبه أثر في موازين القوي الحاكمة للصراع اليوم داخل فلسطينالمحتلة، فقد رحب رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلغة السيسي الودية، ودون أن يتغير شيء من سلوكه العملي، بل اندفع إلي موقف أكثر تشددا وتعنتا تجاه الفلسطينيين، بل وضد مصر نفسها، وأقدم علي التحالف الحكومي مع أفيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، وعينه وزيرا للحرب، مع علمه بالطبع بحقيقة ليبرمان، وكون الأخير راغبا في إفناء الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وحرق غزة بالكامل، بل و»قصف السد العالي لإغراق مصر» بحسب تصريحات شهيرة للإرهابي ليبرمان، وهكذا صب نتنياهو الزيت علي النار في الحرب الجارية ضد الفلسطينيين، وصب دشا باردا علي رأس ما تسمي مبادرات السلام، والتي رغب الرئيس السيسي في تجديدها، وذكر بالمرحومة «مبادرة السلام العربية» التي شبعت موتا، وبالمبادرة الفرنسية الموءودة قبل أن تولد مراسمها في أوائل يونيو المقبل، والتي لا تعدو كونها مبادرة علاقات عامة بائسة، ومحفل نقاش مجاني لعدد من وزراء الخارجية في العاصمة الفرنسية باريس، وطلبا بعقد قمة لاحقة، تأمل فرنسا أن يشارك بها نتنياهو تعطفا، بينما الجواب ظاهر من عنوانه، ونتنياهو أعلن بصراحة عن رفضه لدور فرنسي في أي تسوية إسرائيلية فلسطينية مقترحة، ولا مانع عنده من تفاوض يجري لمجرد التفاوض، وعلي طريقة ما جري فلسطينيا عبر ثلاثة عقود مضت، ولمجرد كسب وقت إضافي، تترسخ فيه قواعد استيطان الضفة الغربية والتهويد الشامل للقدس، فضلا عن كسب «الجولان» التي أعلن ضمها نهائيا لإسرائيل وللأبد. القصة إذن أكبر من نداءات تطلق من خلف ميكروفونات، وأكبر من معاهدات الصلح التي عقدت مع مصر والأردن، ففلسطين هي جوهر الصراع المتصل لسبعة عقود إلي الآن، وسوف يتصل إلي عقود أخري مقبلة، وإلي أن تستقر النجوم في مداراتها الأصلية، ويعود الحق كاملا لأصحابه الحقيقيين، فليست القصة في عباس ولا في «فتح» و»حماس»، وكلها عناوين موقوتة علي مرحلة تمضي، لن تنتهي قريبا إلي إقامة دويلة فلسطينية بعاصمة في القدس، تكون منزوعة السلاح كما يخطط المبادرون ضمانا لأمن إسرائيل، وهي الصيغة الهزيلة التي تتمنع إسرائيل حتي عن قبول النقاش فيها، مادامت تعتقد أن موازين القوة العسكرية لصالحها، وأن بوسعها أن تملي ما تريد علي الفلسطينيين، وأن تواصل سيرة قهر الشعب الفلسطيني، وهي معركة كبري لن تنتهي الآن، ولا في الغد القريب، فحتي الدويلة الفلسطينية المقترحة، وبافتراض أنها أقيمت، ولقيت قبولا ما من إسرائيل في مرحلة معينة، بافتراض أن ذلك ممكن، فإنه لن ينتهي بالصراع إلي شاطئ ختام، فلن يتنازل الشعب الفلسطيني أبدا عن حقه في العودة إلي أرضه المحتلة، في نكبة 1948، ثم أن عدد الفلسطينيين علي أرضهم الآن أكبر من عدد اليهود في فلسطينالمحتلة، وسوف تصبح لهم الأغلبية العددية الساحقة في عقود قليلة مقبلة، وهو ما يعني اتصال الصراع بطرق السلاح والسياسة القديمة والمستجدة، وإلي أن تكتب النهاية المستحقة لكيان العدوانية والاغتصاب الإسرائيلي. ماذا يعني ذلك كله؟، يعني أن الكلام «الحنجوري» عن السلام الموهوم مجرد «طق حنك» و«مضغة لبان»، ولا ينطوي علي أي فائدة محققة ولا محتملة لا للعرب ولا للفلسطينيين، ولا لمصر بالذات، فقد خاضت مصر حروبا دفاعية ضد كيان الاغتصاب الإسرائيلي، ثم توقفت الحروب النظامية قبل أكثر من أربعين سنة، وعقد السادات ما يسمي معاهدة السلام، والتي قد تكون سمحت بعودة إسمية لسيناء إلي مصر، لكن العودة الفعلية لسيناء لم تتحقق سوي باختراق قيود المعاهدة، وإعادة نشر الجيش المصري في كل سيناء حتي حدودنا التاريخية مع فلسطينالمحتلة، وقد كانت سيناء بمقتضي المعاهدة منزوعة السلاح في غالب أرضها، وكانت مصر محرومة من تواجد جيشها في المنطقتين «ب» و»ج» بالذات، وهو ما تغير كليا الآن، وكان هدفا وطنيا تحقق، وبات بديهيا أن قواتنا لن تترك مواقعها المتقدمة المسيطرة الحاكمة في كل سيناء بعد الآن، ولن تعود أبدا إلي الخطوط الخلفية التي كانت مفروضة بمقتضي المعاهدة، وهو ما يعني أن مصر تكسب بتفكيك قيود المعاهدة، وليس بثبات شروطها علي ما كانت عليه، أضف إلي ذلك سعي مصر إلي إنشاء حلف عسكري وقوة عربية مشتركة، وهو ما لا تسمح به شروط المعاهدة الملزمة لمصر بأولوية الاتفاق مع إسرائيل علي أي تعاقد إقليمي أو دولي آخر، أي أن الحلف العربي تفكيك آخر لقيود المعاهدة المشئومة، وهذه كلها تطورات إيجابية تضاف لرصيد الرئيس السيسي، لا نريد له أن يخصم منها بإطلاق مبادرات لا جدوي منها، اللهم إلا أن تستفيد بها إسرائيل، وتطلب كما حدث زيارة نتنياهو إلي القاهرة ولقاء الرئيس السيسي، وتلويث هواء مصر وشرفها باستئناف التطبيع السياسي والاقتصادي واتفاقات الغاز مجددا، وهو ما يرفضه الشعب المصري وقواه الوطنية الحية بالجملة.