أقرَّ البرلمان اليمني قبل أيام قانونًا يمنح الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وجميع الذين عملوا معه على مدار 33 عامًا حصانة سياسية غير قابلة للإلغاء أو الطعن من الملاحقة القانونية والقضائية، وهو ما رفضه الثوار، حيث خرج الآلاف منهم إلى شوارع العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية للتعبير عن رفضهم الواضح والصريح للتفريط في دماء الشهداء، والعفو أو الصفح عن قتلة الثوار. وعلى الرغم من أن صالح، قبيل مغادرته البلاد متوجهًا إلى مسقط ومن ثم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قدم اعتذارًا إلى الشعب اليمني، مطالبًا إياه بالعفو والمسامحة عن أي تقصير بدر منه خلال فترة حكمه، إلا أن كل المعطيات تؤكد أن الأزمة لم تنتهِ بعد، وأن الشعب اليمني بطبيعته لن يفرط في دماء شهدائه بأي حال من الأحوال. إهانة الشهداء ويؤكد الثوار، الذين أعربوا عن رفضهم القاطع لهذا القانون، أنه لا توجد أي مشروعية قانونية أو شرعية دستورية داخل اليمن أو على الصعيد الدولي تبرر صوغ مثل هذا القانون، لافتين الانتباه إلى أنه أول قانون في التاريخ يشرّع لارتكاب الجريمة، حيث يمنح الحصانة لأناس ارتكبوا انتهاكات حقوقية ضد مجموعة من البشر، متسائلين: إذا كان صالح ونظامه واثقين من أنفسهم بأنهم لم يرتكبوا جرائم بحق الشعب اليمني ولم ينهبوا ثرواته فلماذا هم خائفون ومرتعدون من الشعب؟!!. ويشير هؤلاء إلى أن إصدار هذا القانون هو بمثابة إهانة لآلاف الضحايا والشهداء لحكم صالح المستبد، بمن فيهم أقارب المتظاهرين السلميين الذين قتلوا على يد القوات والقناصة التابعين للرئيس اليمني طوال عام من الثورة، فضلًا عن أن هذا القانون يخرق التزامات اليمن -بموجب القانون الدولي- الخاصة بالتحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم الدولية الجسيمة، مثل التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. جواز مرور وبحسب المراقبين، فإن هذا القانون منح الحصانة لصالح كي يستخدمها جواز مرور للتجوال والسياحة والاستشفاء في الخارج ثم يعود للبلد ليمارس السلطة والعمل السياسي، لافتين إلى أنه وإن غاب صالح الجسد، إلا أن كل الدلائل تؤكد على أن علي عبد الله صالح لا يزال هو المسيطر والمتحكم في الأوضاع السياسية في اليمن، ومن ذلك : أولًا : تأكيد صالح على أن رحلته العلاجية لن تطول، وأنه سيعود إلى البلاد ليقود حزب المؤتمر الشعبي الذي لا يزال يسيطر على كل المؤسسات والهيئات الفاعلة في اليمن. ثانيًا : استمرار أولاد صالح وأبناء أخيه أحمد ويحي وطارق وعمار ممسكين بالسلطة وفي مواقعهم القيادية في الحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي والقوات الخاصة. ثالثًا : لا يزال الجهاز الأمني والعسكري يدين لصالح وحده دون سواه، حيث جعل أقرباءه والمخلصين له ممسكين بهذه الأجهزة وفضّلهم على من يتفوق عليهم خبرة وخدمة وكفاءة وأقدمية، ليصير هؤلاء الأخيرون مجرد موظفين عند أقرباء وأولاد "الزعيم الرمز"، وتخليص هذه المؤسسات من أيدي خاطفيها هي مهمة أقرب إلى مهمة إزاحة صالح نفسه، إذ إن هؤلاء ما يزالون ينظرون إلى تلك المؤسسات على إنها جزء من أملاكهم. رابعًا : خلف صالح منظومة فساد لا يمكن استئصالها إلا باستئصال الفاسدين أنفسهم، وهؤلاء يمثلون جيشًا جرارًا من المنتفعين، بَدْءًا بعدد كبير من كبار المسئولين والوزراء والمدراء والسماسرة والوسطاء، وانتهاءً ببعض صغار الموظفين الذين يمثلون المورد الأصلي لكل ثمار الفساد، وهؤلاء أيضًا لا يزالون يدينون لصالح، وهو ما يعني أن صالح، وإن وافق على انتقال السلطة إلى نائبة عبد ربه منصور هادي، إلا أنه لا يزال يسيطر على القرار السياسي والأمني في اليمن دون أي تخوف من أية ملاحقة جنائية أو قضائية على أي جرم ارتكبه بحق الشعب اليمني على مدار 33 عامًا هي مدة حكمه بشكل عام، وخلال عام من اندلاع الثورة اليمنية على نظام صالح العائلي بشكل خاص. ملاحقة صالح وفي المقابل، يؤكد الثوار اليمنيون، خاصة أهالي الشهداء والمصابين، أنهم لن يتركوا صالح حرًا طليقًا بدون محاكمة، مشددين على أنه على الرغم من أن قانون الحصانة يقضي بحظر إلغاء القانون أو الطعن فيه، سواء من المُشرعين أو من المحاكم، إلا أن هذا لن يمنعهم من ملاحقة صالح محليًا وعالميًا : فعلى الصعيد المحلي : تنص المادة 51 من الدستور اليمني على أن للمواطنين الحق في اللجوء إلى المحاكم لحماية حقوقهم ومصالحهم القانونية. كما أن المادة 153 من الدستور أيضًا تنص على أن المحكمة العليا هي أعلى جهة قضائية في اليمن ولها سلطة إلغاء القوانين غير الدستورية. وعلى الصعيد الدولي : فإن قانون الحصانة لن يمنع المحاكم في دول العالم الأخرى من فتح قضايا جرائم حقوق الإنسان الجسيمة المرتكبة في اليمن، وذلك بموجب الاختصاص القضائي العالمي. فضلًا عن ذلك فإن القانون الدولي يرفض الإفلات من العقاب على الجرائم الجسيمة، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتعذيب. فالمواثيق الدولية، وبينها اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب واتفاقيات جنيف لعام 1949 تطالب الأطراف فيها بضمان مقاضاة الأفراد المزعومة مسؤوليتهم عن الجرائم الجسيمة. وهو ما أكدته، نافي بيلاي، مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان، في السادس من يناير الجاري، حيث أشارت إلى أنه لا يمكن منح العفو على الجرائم الجسيمة بموجب القانون الدولي. المعركة لم تنتهِ بعد ولعل هذا يؤكد على أن المعركة بين صالح والشعب اليمني لم تنتهِ بعد، وأنه وإن كان البرلمان اليمني الذي يسيطر عليه حزب المؤتمر الشعبي، الموالي لصالح، قد أقر قانون الحصانة، والذي يحمي صالح وأعوانه، إلا أن الشعب اليمني غير الممثل بشكل حقيقي في هذا البرلمان، والذي ربما يكون الكثير من أعضائه يشملهم قانون الحصانة، لن يقبل بهذا القانون، ولن يبيع أو يفرط في دماء أبنائه وشهدائه، خاصة وأن طبيعة الشعب اليمني القبلية ترفض التفريط في حق الدم، ولعل هذا ما أكده شباب الثورة اليمنية الذين أعلنوا استمرار ثورتهم حتى تحقيق أهدافها، مؤكدين على أن الشعب اليمني بكافة طوائفه يرفض منح الحصانة لقتلة الأبرياء المطالبين بالحرية. بالإضافة إلى ذلك فإن ما ارتكبه صالح ونظامه العائلي الفاسد على مدار أكثر من ثلاثة عقود، من بطش وظلم وتنكيل بحق الشعب اليمني، سيكون عصيًّا على النسيان، وسيدفع بالعديد من اليمنيين في الداخل والخارج لملاحقة صالح أينما كان، وحالما وُجد، على كل الجرائم التي ارتكبها خلال 33 عامًا مضت. المصدر: الإسلام اليوم