انعقد مجلس الشعب فى موعد انعقاده والحمد لله رب العالمين .. ولقد كان البعض قلقاً حول ظروف الانعقاد، التى صاحبها الكثير من التصريحات حول صدقية المجلس العسكرى من جهة, وتربص بعض القوى التى تريد تعكير الصفو ومنع المجلس من مزاولة عمله فى الموعد الذى حدده المشير طنطاوى فى 23-1-2012, ولقد ذهبت كل هذه التخمينات والتوقعات أدراج الرياح، وتم الأمر على نحو رائع شعرنا فيه ونحن نتابع أن بلادنا رُدت إلينا, وأن مَن يتكلم فى المجلس هم نواب الأمة الحقيقيون. لقد كنت أنظر إلى المنصة غير مصدق أن فتحى سرور قد غاب عن الجلسة, وأن أحمد عز قد اختفى من مقاعد النواب, وأن كرسى زكريا عزمى الذى كان فى آخر القاعة لم يعد موجوداً, وأن الحزب الوطنى الذى كانوا يزعمون أن له الأغلبية الحاشدة قد انحسرت مقاعده ولم نر أحداً منهم. إنها آيات وأفضال منَّ الله بها علينا .. لقد شاهدنا وجوهاً أخرى تحمل البسمة والاستبشار وقلوباً تمتلئ بحب مصر حين تحدثت بألسنة صدق فاختارت الرئيس والوكلاء وأقسمت اليمين وأعربت عن وفائها لدماء الشهداء وطالبت بسرعة تحقيق مطالب الثورة والبدء فى رفع المعاناة عن الجماهير, وبالرغم من بعض الخلافات فى وجهات النظر فى الجلسة الإجرائية إلا أنها تعد من علامات الصحة والجودة فى بداية عهد الحرية التى يريد فيها الجميع أن يُعبر وأن يتكلم وأن يصلح ما فسد من المجتمع .. إنه مشهد رائع اكتمل حين أعطانا رئيس المجلس الجديد الدكتور سعد الكتاتنى الإحساس بأن المجلس ليس حكراً على فصيل بل هو مجلس شعب مصر تتقدم فيه مصلحة البلاد فى المقام الأول ويعمل الجميع فى داخل أروقته بكل ما لديهم من جهد وعطاء .. سوف تمر بنا أيام عصيبة وجلسات عاصفة, ولكنها لابد أن تبقى فى إطار الرأى والرأى الآخر, ثم تقرر أغلبية المجلس ما تراه لمصر، وعلى الجميع أن يُسلم باختيار المجلس النهائى الذى ستكون فيه مصلحة مصر بإذن الله .. إننا كشعب أعطى صوته لهذا المجلس نود منه أن يتقى الله فينا, وأن يتعاون على البر والتقوى, وأن يكون عند حسن ظننا به حين اخترناه لقيادة البلاد تشريعاً ورقابة على الحكومة.. إننا نود على نحو سريع أن ننجز ما تأخرنا عنه, ونتطلع إلى المستقبل ونحن واثقون من سلامة الخطى ورشاد التوجه. كل هذا لابد أن يتحقق فى الفصل التشريعى الأول الذى يستغرق نحو عام ستكون فيه أمور كثيرة منوطة بالمجلس كله .. ولا يصح أن يتصور بعض أعضاء المجلس أن التيار الإسلامى هو وحده المسئول عن نجاح هذا الفصل التشريعى بل لابد أن يعرف جميع الأعضاء أنهم مسئولون عن النجاح متضامنين, وبالتالى لا مجال للسلبية أو إلقاء التبعية على الآخرين, فكل أعضاء المجلس سيكتب عنهم التاريخ وسيحكم عليهم الشعب كفريق واحد تولى المسئولية فى مرحلة عصيبة نأمل أن يتعاون الجميع فى إدارة السفينة إلى شاطئ الأمان, فهم جميعاً طاقم بحَّارة واحد يتعاون فيما بينه للتغلب على الأمواج والرياح والعواصف حتى تنجو السفينة والركاب بل جميع من فيها. إن أكثر ما أسعدنى فى تشكيلة المجلس الجديد هى عودة بعض القوى التى كانت محجوبة عن ممارسة العمل العام فرأيت حزب النور السلفى، الذى كان عازفاً عن العمل السياسى لعدم جدواه فى المرحلة الماضية فإذا به يعود فى ثوب جميل ناصع ليمارس دوره فى بناء مجتمعه من خلال العمل البرلمانى. وكذلك شاهدت كوكبة من حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، التى كانت تعج بها المعتقلات فى العقدين الماضيين وعانت الكثير من الاضطهاد من نظام مبارك ورجال أمنه. ولقد وجدت نسبة كبيرة من حزب الحرية والعدالة وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان حيث الخبرة الطويلة فى هذا المجال مما يجعل المسئولية على أعناقهم أكبر من غيرهم, ووجدت شباباً واعداً وعدداً من الأحزاب الأخرى لم تكن تحلم بمثل هذه المقاعد لولا الحرية التى فتحت لنا أبوابها ثورة 25 يناير, ووصل من خلالها نواب الشعب الحقيقيون إلى البرلمان. إنها فرصة تاريخية لابد أن نتعاون جميعًا على إنجاحها من أجل مصر, إننا نود أن نشعر بالمسئولية الجماعية فلا نضيع أوقات المجلس فيما لا يفيد, فإذا رأى بعض النواب أن هناك من تحدث وغطى الموضوع برمته فلا مانع من أن يتراجع كل من طلب الكلمة، ووجد أن غيره قد وفى الحديث فلا مبرر لاستمرار طلبه حرصاً على وقت المجلس وإتاحة الفرصة أمام مناقشة مقترح آخر يضيف إلى قائمة إنجازات الثورة المزيد. إننا بحق سعداء، ونحن نعيش عصراً زاهياً من الحريات نعمل فيه على إعلاء شأن كرامة الإنسان، ونؤكد على معالجة كل قضايا ومشكلات المجتمع التى تراكمت عبر السنين الماضية بفعل الاستبداد والفساد الذى تربع فى بلادنا وتفشى فى أوطاننا لأكثر من نصف قرن من الزمان. إننا فى نعمة حقيقية نسأل الله أن يحفظها علينا ويسدد الخطى ويعيننا على أداء ما علينا من واجبات.