كل المبررات التي ساقها النواب الثلاثة الذين طالبوا باستخدام العنف تجاه المتظاهرين وإطلاق الرصاص عليهم لا تبرر هذا الطلب. ولو كان وزير الداخلية هو الذي يتحدث أو أحد من ممثلي وزارة الداخلية ما قال هذا الكلام الغريب والمثير للاستفزاز.. لأن وزارة الداخلية لاتفعل ذلك فعلاً ولن تفعله في دولة يرأسها رئيس كان أول عمل له بعد أن تولي مسئولية الرئاسة هو الإفراج عن مجموعة المعتقلين السياسيين، ثم أتاح مساحة كبيرة جداً من حرية الصحافة وحرية التعبير سواء من خلال الفضائيات أو في الشارع. وكان من المتوقع أن يبادر هؤلاء النواب الثلاثة بالاعتذار عما قالوه في لحظة انفعال طائش، مثلما فعل زميل لهم أخطأ بالحديث عن حرب مياه، بدلاً من أن يكابروا ويبحثوا عن تبريرات إضافية لما قالوه. إن هؤلاء النواب لم يخدموا أحداً حتي أنفسهم بل أساءوا لمن تصوروا أنهم يدافعون عنهم، أساءوا لسلطات الأمن، وللحكومة، وللحزب الوطني وللدولة كلها.. الدولة لا تتعامل بهذه الطريق مع أبنائها حتي ولو أخطأوا.. والدليل علي ذلك تلك الاحتجاجات التي لا تتوقف، سواء اتخذت شكل اعتصامات في شارع مجلس الشعب أمام البرلمان بجوار مقر الحكومة، أو اتخذت شكل وقفات احتجاجية في قلب مدينة القاهرة، وفي الجامعات، أو اتخذت شكل مسيرات هنا وهناك وتجمعات حول بعض الشخصيات المعارضة. فكيف يخرج علينا هؤلاء النواب بنصائحهم المدمرة، التي تنال من سمعتنا الديمقراطية وتمثل تحريضاً علي العنف في مواجهة المتظاهرين؟! نعم من حق أي نائب أن يقول أي شيء تحت القبة والحصانة البرلمانية تكفل ذلك وتحميه.. لكننا نعرف أيضا أن في الجلسات العامة للبرلمان رئيس الملجلس يتدخل ويحذف من المضبطة القول السيئ.. أي أن النائب ليس حرا بلا ضوابط في أن ينطق كفراً أو يقول شيئاً يثير فتنة في المجتمع أو يهدد استقراره أو يسيء لأحد.. وما قاله النواب آثار بالطبع فتنة ودفع البعض إلي التفكير في تقديم بلاغات للنيابة ضدهم، واستغله البعض في التشهير بالحزب الذي ينتمون إليه والإساءة للمجلس الذين هم أعضاء فيه، كما أنه يهدد بالفعل استقرار المجتمع إذا لا قدر الله استجابت وزارة الداخلية له ونفذت نصائحهم بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين، لكن نحمد الله أن قيادات الداخلية أعقل من ذلك. هنا لابد أن تتم محاسبة هؤلاء برلمانياً وحزبياً، سواء اللذين ينتميان للحزب الحاكم أو الثالث الذي ينتمي لحزب معارض.. ولابد أن يجبر هؤلاء النواب علي تقديم اعتذار للجميع وعموم الناس عما قالوه تحت قبة البرلمان، ليس من أجل حماية أنفسهم من مساءلة قانونية، وإنما لإيقاف الإساءة التي تورطوا فيها ضد مجلسهم وأحزابهم ودولتهم وبلدهم. ولا ننسي أننا في مرحلة زمنية لا تحتمل زلات اللسان والانفعال العشوائي الأهوج، أو الاندفاع غير المحسوب.. وليتذكر النواب أنه تنتظرهم معركة انتخابية مقبلة.. نحن نحتاج أن يحسب كل من يتكلم كلماته قبل أن ينطقها.. ومن لا يعرف كيف يتحدث فليصمت.. فإذا كان الكلام من فضة فالسكوت أحياناً من ذهب.